13-يونيو-2016

راميا عبيد/ سوريا

أكتبُ القصيدة 
وكأنني أبني بيتًا
هذه نافذةٌ يجب أن تدخلَ أكثر في الباب 
كي ترحّبَ به 
كي تركِّبَ الستائرَ ملونةً ويزهو البابُ قليلًا
حتى يضحكَ الخشب في العتمة 
هذا مطرٌ عليه أن يندلقَ من قعر الشمس وتلتهبُ الأرضُ بين عفوناتٍ وزهرٍ حبيس
هذه رائحة أُنسيّة تمرُّ كالطيف تترك حوائجها.
في زاويةٍ قمرٌ يبيع العلكة بثمنٍ بخس
في زاويةٍ عربةُ ساحراتٍ يندلقُ الذهب منها 
في زاويةٍ سيدة ٌعمياء تفكك الأحرف وتصنع منها خبزًا
في زاوية جدارٌ مِن قماشِ مَن أحببتُ يغطي جلدي 
يسقي همسي 
ويصحبني في السماء لما أقع في النجوم..

في رأسي امرأة تجبرني على كتابة أشياء لا أفهمها 
تقول لي هذه لغة النهر 
ولغةُ أقوامٍ اندثروا وهم يتفرّجون عليكم
تقول هذه لغةُ أبي نواس وهي تنحسر في كأس النبيذ
ولغةُ النرد وهو يثمر على الشجر 
ولغةُ الغابة وهي تفيض على الفساتين 
على أقدامٍ ناعماتٍ وساحقاتٍ
على جبينٍ مُخضرّ ويلعب تحت سيقان الأشجار مثل طفلٍ تعلّم اللّثغَ 
ثم اتّسقَ في الأنساغ 
ولم يُرَ..

في أصل التكوين 
كان الشعراء يحدّثون الله والشيطان في السموات
 كان الإنسان الأول يقدح شرارتَه على الحجر كي يرى بعد عصر وعصرين، 
سموّه أو انكسارَه على الظلال، والصخور
كان العلماء ينشّطون الدودَ والخلايا الخافتة في قلب الحديد الصّلب
كان الكوكب يقبِّلُ الكوكبَ مثل شفتين تحترقان بلا وجهٍ
وكان العاشق يمجّ النبيذ في عيني الحبيبة المحترقة في العشق ويقول لا توقظوني..

هل حقا كل سنة سيقولون لي: كل عام وأنا بخير!
وأنا في كل سنة أفقد أوراقي وأنظر لهم بدهشة.. في كل مرة كأني ابتعدتُ مسافة جديدةً عن الخير، عنهم
أسمعها من بعيد.. خفيضةً أكثر مثل صلاةٍ 
وأشتاقهم جميعًا؛ من يقولونها.. أيًّا كانوا 
وأينما كانوا من دفتر الزمنِ والمكان.

يحدث الشعر لما تلتصق اللغة على أفكارك
مثل امرأة تشتهي كل شيء
والكلماتُ فقط ما يرافق حصانَ خيالها
بيدٍ من ورد 
وجلدٍ من قماش الخيّالة.

من أين لي كل هذه الثياب يا إلهي؟
كلما كتبتُ قصيدةً كأني خلعت ثوبًا
أو مصيدة 
ومع هذا أبدو ثقيلة 
أهبطُ على الحجر كأني منه
ظلّهُ أو مشيمة
وتحت المطر أبدو ناشفة كأنَّ لحمي شبكة عارية.

كتبتُ ثلاثة أصابع زائدة 
احترتُ ماذا أفعل بها
رسمتُ منها شمسًا
وأكلتُها قطعةَ شوكولا مازالت شهوتُها تلمعُ على أسناني وفمي.

اقرأ/ي أيضًا:

عثمان يبحث عن غريمه

هذيان آخر البحر