25-فبراير-2021

الكاتب التشيكي – الفرنسي ميلان كونديرا (Getty)

ألترا صوت – فريق التحرير

أثناء محاولته كتابة أدبٍ يتوافق وموقفه السياسي الذي تبرأ منه فيما بعد، بل وانقلب عليه أيضًا، اكتشف الكاتب والروائي التشيكي ميلان كونديرا (1929)، أنه غير قادر على تقديمٍ أدب يمكن إدراجه تحت ما يُعرف بـ "الواقعية الاشتراكية"، وأن الجماعة لا تعنيه بقدر الفرد. ويمكن اعتبار الأمر بمثابة الخطوة الأولى لكونديرا بعيدًا عن الشيوعية، التي يُعتبر أحد أهم مؤسسي وجودها في تشيكوسلوفاكيا.

تستكشف مقالات آريان شومان مراحل مختلفة من حياة ميلان كونديرا، وجاءت مزودة بصورٍ ووثائق سرية تظهر للمرة الأولى

وإلى جانب مواقفه السياسية المؤيدة لـ "ربيع براغ"، تسبب نزوع مؤلف "الوصايا المغدورة" نحو الفرد على حساب الجماعة، بطرده من الحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي في عام 1968، ووضعه تحت مراقبة الشرطة السرية، مما دفعه إلى مغادرة براغ نحو باريس سنة 1975، طمعًا في الخلاص من الملاحقة والاضطهاد. هناك، في العاصمة الفرنسية، وصله خبر تجريده من جنسيته التشيكية عام 1979، وبعد نحو عامٍ تقريبًا، مُنح الجنسية الفرنسية، وبات يُعرِّف نفسه بأنه: كاتبٌ فرنسي من أصولٍ تشيكية.

اقرأ/ي أيضًا: الرواية بحسب ميلان كونديرا

قاطع ميلان كونديرا بلاده وصحافتها وكل ما يربطه بها بعد سحب سلطات ما بعد الاجتياح السوفييتي لجنسيته منه، وعلى الرغم من زوال النظام الشيوعي في تشيكوسلوفاكيا عقب "الثورة المخملية"، إلا أن الأمر لم يبدل في مواقفه شيئًا حتى استعادته لجنسيته في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، بعد نحو 40 عامًا على سحبها منه.

وتزامنًا مع الحدث الذي اعتُبر خطوة أولى في مسار رد الاعتبار لكونديرا في بلاده، بدأت صحيفة "لوموند" الفرنسية بنشر سلسلة مقالاتٍ تتبّع حياة صاحب "غراميات مرحة"، وتضيء على جوانبها المجهولة أيضًا، بدءًا من براغ وحتى باريس.

"السيرة غير المعروفة لميلان كونديرا"، هو عنوان الكتاب الصادر حديثًا عن "دار ترياق للنشر والتوزيع" للكاتبة والصحفية الفرنسية آريان شومان، ترجمة وئام غداس، ويضم بين دفتيه المقالات التي أعدتها شومان ونُشرت في صحيفة "لوموند" حول الكاتب التشيكي ميلان كونديرا وحياته.

تستكشف المقالات مراحل مختلفة من حياة كونديرا، وجاءت مزودة بصورٍ ووثائق تظهر للمرة الأولى، بهدف دعم سرديتها حوله، حيث تضيء على حياته في تشيكوسلوفاكيا قبل وبعد افتراقه عن الحزب الشيوعي، وتكشف تفاصيل متعلقة بهجرته إلى باريس بعد تضييق الخناق عليه في براغ، واستمرار السلطات التشيكية الشيوعية في مراقبته خارج البلاد.

قاطع ميلان كونديرا بلاده وصحافتها وكل ما يربطه بها بعد سحب سلطات ما بعد الاجتياح السوفييتي لجنسيته منه عام 1979

وتسلط المقالات الضوء أيضًا على الفترة الأولى من حياته في فرنسا، وتجربته الأدبية التي برزت هناك، والظروف التي ساعدته على التحول من مجرد لاجئٍ بمعنىً ما، إلى روائي شهير نال اعتراف المؤسسات الأدبية الفرنسية الرسمية وغير الرسمية أيضًا، وتفرد في الوقت نفسه مساحة للحديث عن مقاطعته لبلاده وحنينه إليها، بالإضافة إلى قراره الكتابة باللغة الفرنسية بدلًا من لغته الأم.

اقرأ/ي أيضًا: رواية البطء.. رحلة في عالم غير إنساني

تتحدث آريان شومان في الأجزاء الأخيرة من مقالاتها، عن استعادة مؤلف "كتاب الضحك والنسيان" لجنسيته بعد نحو أربعة عقودٍ على تجريده منها، وتقديم الحكومة التشيكية اعتذار رسمي عما تعرض له من حملاتٍ وهجماتٍ خلال حُكم الشيوعيين، الأمر الذي أنهى سنوات القطيعة الطويلة بينه وبين بلاده، وقدّمه من جديد باعتباره كاتب تشيكي – فرنسي، لا فرنسي من أصولٍ تشيكية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

يوكو أوغاوا في "شرطة الذاكرة".. تجريد الإنسان من ماضيه وعزله عن حاضره

كتاب "حيوات مقدسيّة في سيَر المدينة والناس" بالعربية والإنجليزية