16-ديسمبر-2016

مترشحون للنسخة الثالثة من أرب أيدول في رام الله (عبد الكريم مسيطف/NurPhoto)

حاولت فرق الأندرغراوند العربية البحث عن فضاءٍ مناسب لها لتخلق فيه مساحاتها الحرة، فوجدته تحت الأرض، من خلال أغانٍ سرعان ما أصبحت عند البعض شكلًا فنيًا خاصًا للموسيقى العربية، أكثر واقعية من شكل الموسيقى التجارية وأكثر قربًا من المجتمع، ودون قيود أو شروط أو رقابة، تمرد الفنانون بأشكالهم الجديدة على كل ما كان نمطيًا وسائدًا في الفن والواقع.

تبدو البرامج التجارية المعنيّة باكتشاف المواهب الفنية أكثر لمعانًا في الفضاء الفني إلا أن لمعانها حالما يخمد ككل مشروع لا يستمر

أمام هذه التشكيلات تبدو البرامج التجارية المعنيّة باكتشاف المواهب الفنية الشابة وتسويقها أكثر لمعانًا في الفضاء الفني إلاّ أن لمعانها حالما يخمد كحال كل مشروع لا يستمر.

إقرأ/ي أيضًا:  "arab idol".. خيبة المواهب العادية

ولكن محاولة استغلال أي من الوجهين للأخر أو رصد أيّ تقارب بينهما يبدو غريبًا بعض الشيء، وهذا ما حدث مع بداية الموسم الجديد من برنامج أرب أيدول، الذي بات أشبه بلوثة تتجدد كل عام، فيسارع عدد لا يستهان به من الشباب الراغب بالتقديم إلى برامج الـmbc وغيرها التي تأخذ على عاتقها شهرة الموهبة التي ريثما تنطفئ تباعًا.

وبعيدًا عن التقييم الفني للبرنامج، بدأت الحلقة الأولى من حلقات أرب أيدول وتبادلت للأسماع الكثير من أغاني الموسيقى العربية المستقلة، حيث استخدمها القائمون على الحلقة تلك كخلفية موسيقية لأحداث البرنامج، واستعانوا بعدد من الأصوات العربية المستقلة كذلك في كل مرة كانوا يزورون فيها عاصمة عربية أثناء رحلة فريق البرنامج لاكتشاف المواهب الغنائية على حد قولهم.

ففي الأردن نستمع إلى قطعة "Soupir Eternel" للموسيقي التونسي والمغني ظافر يوسف، قبل أن نستمع أثناء الحلقة ذاتها إلى فرقة "أوتستراد" الأردنية، هكذا حتى كرست أول حلقات البرنامج الأربع العديد من الأغنيات التي لا تشبهها ولا تتماشى مع رؤيتها، فتستمتع إلى جانب أصوات المتقدمين على اختلافها، لأغنية "وعيونها" للفنانة الفلسطينية سناء موسى، من ألبومها "إشراق"، ورسالة من السجن لفرقة دام الفلسطينية.

أمّا  في الجزائر ومع صور للبحر وشوارع الجزائر العاصمة أُختيرت موسيقى سعاد الماسي وأغنيتها الشهيرة  "الرواي" وأغنية "يا زينة" لفرقة بابيلون. في مصر، أيضًا اختاروا لنا "ببتسم من كتر حبي للعالم" لعازفة الأكورديون والمغنية يسرى الهواري وأخرى لفرقة وسط البلد قبل أن نستمع بعدها إلى مشروع ليلى وغيرهم من موسيقى المشاريع الموسيقية المستقلة في الوطن العربي، من الذين اختاروا البحث في فضاء موسيقي مستقل ربما، وبعيدًا عن لوثة شركات الإنتاج وشروط الموسيقى التجارية، تلك التجارب التي حققت نجاحات محلية وعربية دفعتها لتكون أقرب في مرحلة الربيع العربي إلى قلوب ومسامع الشعوب العربية وتعتلي منصات ساحات التظاهر وتنافس إلى حد ما الموسيقى التجارية المتمثلة بشركات الإنتاج ومخزونها البشري الكبير من "نجوم"، تصدروا واجهة الموسيقى والغناء لسنوات ماضية.

توظيف برنامج أرب أيدول في نسخته العربية للموسيقى المستقلة خلال رحلته للبحث عن المواهب أثار استياء الكثيرين من محبين تلك الأغاني

وإن كنا لسنا بصدد الحديث عن الموسيقى التجارية ونجومها إلاّ أن الاستماع إلى ما ذكر من أغاني استخدمها برنامج المواهب يضع البرنامج ومنتجيه أمام أسئلة  عديدة، أهمها كيف يمكن لبرنامج يبحث عن المواهب الغنائية في الوطن العربي، ليعد نجمًا جديدًا يضاف إلى قائمة نجوم الموسيقى التجارية، أن يستخدم أصوات وموسيقى الأندرغراوند العربي، ليدل على مدينة أو بلد عربي يسافر إليه، أ ليس هذا اعترافًا غير مباشر بنجاح الموسيقى المستقلة في تكوين هوية خاصة في كل بلد تنشئ به، كلأردن مثلًا الذي تعتبر فرق الموسيقى المستقلة اليوم هي واجهته الموسيقية مثل فرقة أوتستراد وتريو روح والموسيقي طارق الناصر، والمغني عزيز مرقة وغيرهم الكثير.

إقرأ/ي أيضًا: "The voice".. حكم على مين؟!

هذا التوظيف شكل استياءًا عند الكثير من محبي تلك الأغاني ومغنيها، أ لم يكن أولى بالبرنامج أن يستخدم أغاني وموسيقى الفائزين السابقين كمحمد عساف عند السفر إلى فلسطين وغيره من المشاركين السابقين في البرنامج الذين باتوا أشبه بعلامات تجارية لم تشكل أي إضافة في حاضر الموسيقى العربية أو مستقبلها، شأنهم شأن العشرات ممن أفرزتهم تلك البرامج، أو استخدام أغان أخرى لمقدمي البرنامج ذاتهم وائل كفوري وأحلام ونانسي.

لماذا اختار فريق العمل أغاني مشروع ليلى واتستراد وسناء موسى وسعاد الماسي ووسط البلد ويسرى الهواري وظافر يوسف وغيرهم من فنانيّ الموسيقى المستقلة وخلط الحابل بالنابل متجاهلين كل ما تكابده الفرق المستقلة في إنتاج مشروعها من تعب، محاولةً أن تحظى بمساحتها الخاصة؟.

أ ليس لتلك الموسيقى حقوقًا أيضًا شأنها شأن الموسيقى التجارية، التي لا يمكن استخدامها بهذا الشكل، حقوقًا ربما تحفظ لموسيقيّ الأندرغراوند حقهم المعنوي، ربما بذكر أسماء تلك الأغاني ومغنيها مع شارة البرنامج مثلًا في كل مرة يتم استخدامها، طبعًا في حال وافق أصحابها على ذلك. فهل من المنطقي أن تتعرض هذه التجارب والأنواع الموسيقية لسرقة وامتهان علنيّ كهذا؟  خصوصًا وأنها لا تزال تعاني تهميشًا ما في تسويقها وإنتاجها.

إقرأ/ي أيضًا:

"The Voice Kids"، ماذا عن الطفولة؟!

أعطونا "الكنتاكي" وخذوا ما يدهش العالم