14-مارس-2017

لقطة من الفيلم

بعد مرحلة الأكشن الشعبي التي قدّمها محمد رمضان مع السبكي في أفلام "الألماني" و"عبده موتة" و"قلب الأسد"، يحاول النجم الشاب السير على خطى عادل إمام وتغيير جلده بالتناوب بين الكوميديا والأكشن.

الخطوة في حد ذاتها ذكية، كونها تساعد بالابتعاد عن الجمود الذي يصيب بعض نجوم الشبّاك في بدايتهم فيعلقون داخل نمط متكرر لشخصية واحدة، ولكن يبدو أن رمضان لم يزل غير قادر على إنجاح معادلته ليكون "الزعيم" الجديد.

رمضان، ابن الـ28 عامًا المستفز والمحبوب في آن، فنان نجح في كسب شعبية كبيرة في سنوات قليلة جعلته بمثابة أسطورة ومثلًا لجيل من المراهقين المصريين الباحثين عن تحقيق أحلام الثراء السريع وفرد العضلات أمام الجميع، ولكنه فشل في "تغيير العتبة" أكثر مرة، الأولى حين قدّم فيلمًا كوميديًا متواضعًا هو "واحد صعيدي" والثانية حين وافق على تقديم فيلمه الأخير "آخر ديك في مصر".

محمد رمضان المستفز والمحبوب في آن، فنان نجح في كسب شعبية كبيرة في سنوات قليلة جعلته بمثابة أسطورة لجيل من المراهقين المصريين

ضرورات مرحلة التنويع والتأسيس للزعامة تطلّبت من الفنان الشاب تقديم فيلم كوميدي فكان "واحد صعيدي" المتواضع والمتبّل ببعض العري المبتذل، ثم تبعه بفيلم أكشن هو "شد أجزاء" وهو عمل درامي بوليسي حول ضابط شرطة ينطلق في مهمة شخصية للانتقام من عصابة قتلت زوجته، ثم عاد رمضان إلى الكوميديا مرة أخرى مع المخرج عمرو عرفة في "آخر ديك في مصر".

الفيلم كوميديا هزلية عن شاب يكره الزواج ويعيش حياة عابثة مع أصدقائه في شقته وبالكاد يتعامل مع المرأة في نطاق أسرته، ليكون عليه فجأة التعامل مع كارثة غرق جميع أفراد أسرته من الرجال في رحلة نيلية وتحمُّل مسؤولية نساء عائلته، وبما أنه قد بات الرجل الوحيد في العائلة، تتحوّل حياة علاء الديك (محمد رمضان) تمامًا حينما يحتكّ بالمشكلات اليومية لنساء أسرته، ما يساهم في إدراك نظرته السلبية السابقة تجاه المرأة.

اقرأ/ي أيضًا: "باترسون".. أغنية هادئة عن النثر

ما سبق هو تلخيص لقصة الفيلم الذي يسيّر أحداثه في إطار كوميدي يعتمد على مواقف -يُفترض أن تكون مضحكة- تصنعها علاقة البطل بنساء عائلته، وهو يقدِّم ذلك في ثلاثة فصول درامية تقليدية، أولًا بعرض عُقدة البطل مع النساء، وثانيًا تعرّضه لاختبار يهزّ قناعاته السلبية عن المرأة، ثم يأتي الفصل الأخير بتغييره فكرته السلبية عن المرأة، مُعلنًا هذا بشكل استعراضي أمام مؤتمر نسائي كبير!

وفكرة عداء الرجل للمرأة قدّمتها السينما المصرية في عديد من أفلامها، منها فيلم "عدو المرأة" الذي أخرجه محمود ذو الفقار عن قصة لمحمد التابعي، وجسَّد رشدي أباظة شخصية عدو المرأة، الذي كان دافعه لكراهية النساء قصة حب فاشلة، لتدخل نادية لطفي حياته وتوقعه في غرامها لتكسب بذلك رهانًا مع صديقاتها.

 لكن نسخة "عدو المرأة" في 2017 التي يقدّمها رمضان تختلف عن نسخة الستينيات التي قدّمها أباظة، فالنسخة الحديثة أكثر تعقيدًا من ناحية الشخصيات، والإطار الهزلي للسرد لم يصنع عملًا كوميديًا قويًا، فيما طاشت سهام النكات الذكورية الباهتة النمطية لتصيب قلب وجوهر الفكرة نفسها.

كراهية البطل للمرأة مطلقة، ومبدأ غرسه أبٌّ طلَّق زوجته، وكل مبررات الكراهية عمَّمها الأب والابن لاحقًا على كل النساء، وأغلبها يتعلّق بطباع الزوجات، ونراها في مشاهد ساخرة في بداية الفيلم حيث يتقمّص رمضان أكثر من شخصية في مواضع عدة من العالم في أثناء "تسخين" والده غير المُبرر له ضد النساء، فنرى زوجات قاهرية ونوبية وخليجية وصينية، بل إنه يعود للتاريخ ونرى أثر نَكَد وتسلُّط عبلة على حبيبها عنترة بن شدّاد، ونرى سلطان بروناي، أغنى ملوك العالم، الذي يفشل في إرضاء زوجته، وغيرهن من النماذج المشابهة، وخلاصة مجموع هذه المشاهد أن المرأة كائن نكدي، وطلباتها لا تنتهي، وثرثارة، وتافهة.

على هذا المنوال من التعميم والتجهيل، نجد الحبكات الدرامية في الفيلم مبعثرة ومشتتة وعشوائية، وهذه أزمة سيناريو أيمن بهجت قمر، الذي أراد حشد مجموعة كبيرة من النساء ليصاحبوا الديك الأخير، وعبّر عن فكرته بثرثرة حوارية لا تختلف عن ثرثرة النساء التي يفترضها الفيلم فيهن وينتقدهن عليها!

كذلك، جاء رسم الشخصيات مسطحًا ونمطيًا إلى حد كبير، فهناك الأم النكدية التي تشكو ابنها لأي شخص عابر، والأخت المُطلّقة (إنجي وجدان) التي تفضل عملها على زوجها، وبنت الخالة الجامعية (ملك قورة) صاحبة العلاقات العاطفية المتعددة، والزوجة الثانية للعمّ (دينا) التي تأتي وابنتها الصغيرة للمطالبة بحقها في الميراث، وفتاة التايم شير (مي عمر) اللحوحة والمزعجة، وغيرهن من النساء المزعجات التي تتمحور مشكلاتهن في طباعهن الشخصية، التي لا يمكن تعميمها بالطبع.

اقرأ/ي أيضًا: دليل صناع الأفلام للفوز بالأوسكار

هذا المدخل الفقير دراميًا يجعل الصراع الدرامي بين هؤلاء النساء وبين البطل/عدو المرأة صراعًا تافهًا للغاية، محصورًا في إطار سطحي لا يستحق فيلمًا خاصًا، ولن يخرج المشاهد بشيء فني جديد، كجملة حوار مبتكرة أو موقف درامي يحمل خصوصية.

المدخل الفقير دراميًا يجعل الصراع بين النساء والبطل/عدو المرأة صراعًا تافها للغاية، ومحصورًا في إطار سطحي لا يستحق فيلمًا خاصًا

فلم يعكس الفيلم تعبيرًا حقيقيًا عن مشكلات حقيقة للمرأة المصرية، وحتى فتاة التايم شير التي غيّرت وجهة نظر البطل نحو المرأة، ظلّ دورها هامشيًا حتى قبل نهاية الفيلم بقليل، رغم أنها دراميًا أهم شخصية تحرّك أحداث الفيلم وتسهم في تطوير وتغيير وجهة نظر البطل عن المرأة.

بين الحين والآخر، حاول الفيلم زرع مواقف تخفّف من الصورة السلبية التي تظهر عليها المرأة، فرغم خلاف الأسرة مع زوجة العم الثانية وشجارهم المستمر، يسمحون لها بالإقامة في شقة بعمارة يمتلكونها، كما أنهم يهرولون بلهفة وقلق إليها حينما يعلمون أن ابنتها تاهت، وينتهي الفيلم بتعظيم دور المرأة وإعادة تقدير دور نساء العائلة، وهو يكشف من خلال حلّ درامي ضعيف (فيديو صوَّرته الشقيقة مع نساء عائلتها) عن تضحياتهن؛ مثلًا الجدة (ليلى عز العرب) هجرت فن الغناء من أجل زوجها، والأم رفضت الزواج بعد طلاقها حتى لا تجرحها نظرة ابنها حينما يكبر.

في أثناء ذلك، يقسّم السيناريو صفات النساء إلى فئتين، يرى فيهن إيجابيات كالطيبة والحنان لكن تظل الاتهامات الأصلية كما هي، والتضحيات التي يوردها الفيلم هي في حقيقتها صورة لاستسلام المرأة وتنازلها عن طموحها إرضاءً للرجل.

ذروة الفيلم ونهايته الخرقاء تتضمن اكتشاف البطل أن فتاة التايم شير تعمل لإعالة نفسها وأمها، وهنا يحتفي البطل بكفاح البنت على طريقته الخاصة، فيقول: "البنت دي ما كانش مفروض يبقى اسمها رانيا، كان مفروض يبقى اسمها أشرف.. عكاشة.. عباس؛ لإنها بجد أجدع بنت شفتها في حياتي"، وهي حملة تلخِّص حالة الفيلم المهترئة ككل، فلا هو عرف كيف يكون كوميديًا ولا ذكوريًا خالصًا ولا نسويًا معتدلًا ولا "أي حاجة خالص".

اقرأ/ي أيضًا:
نجوم أبيض وأسود.. حكايات من زمن فات
سينما هيتشكوك.. التأسيس لتشويق مبتكر