21-سبتمبر-2017

أتباع للطريقة الأحمدية في الجزائر، يؤدون شعائرهم الدينية سرًا (رياض كرامدي/ أ.ف.ب)

أصدرت محكمة "عين تدلس" الجزائرية مستهل الشهر الجاري، حكمًا يقضي بسجن زعيم الطائفة الأحمدية في الجزائر، محمد فالي، مدة ستة أشهر، مع وقف التنفيذ، بتهمة "الإساءة للدين الإسلامي والنبي محمد وجمع أموال دون ترخيص"، وسبق أن حُكم على خمسة من أتباع الطريقة الأحمدية بالسجن سنة نافذة وستة أشهر غير نافذة، وآخرٌ سادس بستة أشهر غير نافذة، فيما لا تزال محاكم جزائرية عديدة تلاحق أتباع الطائفة الأحمدية.

انتقدت العديد من التقارير الحقوقية تعامل السلطات الجزائرية مع الأقليات الدينية، واصفةً إياه بـ"الاضطهاد والقمع والتضييق"

أثار ذلك حفيظة منظمات حقوقية، بينها منظمة هيومن رايتس ووتش التي سارعت بنشر تغريدة على تويتر، تطالب فيها سلطات الجزائر بإطلاق سراح زعيم الطائفة الأحمدية، داعية إياها إلى الكف عن "اضطهاد الأقليات الدينية".

الجزائر في مرمى التقارير الدولية بسبب الحريات الدينية

على إثر ذلك، نشرت هيومن رايتس ووتش بيانًا مفصلًا، تسرد فيه حيثيات ما أسمتها بـ"الحملة القمعية" التي تتعرض لها أقلية الأحمدية الدينية في الجزائر.

اقرأ/ي أيضًا: الإلحاد في الجزائر.. "جريمة" لا تحتاج إلى شهود!

 وفي نفس البيان، قالت سارة ليا ويتسن، وهي مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة الحقوقية: "يُظهر اضطهاد أتباع الطائفة الأحمدية وخطاب الكراهية ضدهم من قبل الوزراء عدم تقبل ديانات الأقليات، سواء ادعت أنها طوائف مسلمة أم لا". وأوردت المنظمة مثالًا على ذلك بوزير الشؤون الدينية، محمد عيسى، الذي وصف في تصريح له التواجد الأحمدي في الجزائر بأنّه جزء من "غزو طائفي متعمد".

وكانت منظمة العفو الدولية هي الأخرى، قد أوردت في تقرير سابق لها، أنه قُبض على أكثر من 280 شخصًا من أصل ألفين من أتباع الطائفة الأحمدية في الجزائر منذ بداية 2016، إذ حُكم على ثلثهم بالسجن لمدة تصل في بعض الحالات إلى أربعة أعوام، وبغرامات مالية وصلت إلى 300 ألف دينار جزائري (حوالي 2700 دولار أمريكي)، فيما لا يزال يُحاكم باقي الموقوفين في حالة سراح.

ولم يفوت التقرير السنوي للخارجية الأمريكية حول الحريات الدينية في العالم، الصادر في آب/أغسطس الماضي، التطرق إلى وضع الأقليات الدينية في الجزائر، إذ يذكر أن الأخيرة "تمنع استيراد الأناجيل"، و"ترفض دفن مسيحيين في مقابر المسلمين"، و"وتعتقل أتباع الأحمدية"، بالإضافة إلى تعرض مسيحيين ويهود إلى التهديدات والتعصّب.

التصريحات الجزائرية الرسمية، تعتبر الأقليات الدينية خطرًا على الأمن القومي للبلاد وتمثل إخلالًا بالنظام العام!

وتقول الخارجية الأمريكية، إن %99 من سكان الجزائر، البالغ عددهم 40 مليون نسمة، مسلمون سنيون، فيما يشكل المسيحيون واليهود والأحمديون والشيعة، علاوة على الإباضيين، نسبة %1 الباقية، ويتواجدون أساسًا في ولاية غرداية. وتقدر بعض المصادر غير الرسمية التي لم يتبناها التقرير، أن هناك أقل من 200 يهودي، وما بين 20 ألف و200 ألف مسيحي في الجزائر.

لماذا تُضيّق سلطات الجزائر على الحريات الدينية؟

مبدئيًا، لا تعترف السلطات الرسمية في الجزائر بمظاهر التضييق على الحريات الدينية، التي تنتقدها التقارير الحقوقية الدولية، بل إنها وصفت تقرير الخارجية الأمريكية حول الحريات الدينية الخاص بالجزائر، بأنه "يفتقد إلى الدّقة، ويحرض على الإخلال بالنظام العام"، أو كما قالت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف.

اقرأ/ي أيضًا: سلطة الجزائر تطارد أتباع الأحمدية.. من هم الأحمديون؟

يرجع ذلك لأن السلطة الجزائرية ترى أن المذهب المالكي السني هو النهج الديني الوحيد للجزائر، والسماح لأي اتجاه ديني آخر بالنشاط، من شأنه تهديد استقرار البلاد. ويظهر هذا في تصريحات الوزير الأول أحمد أويحيى، الذي قال، وهو يخاطب تجمعات شعبية في ولاية الجلفة، إن "الجزائر مسلمة سنية مالكية، ولن تسمح للشيعة أو الأحمدية أو أي تيار كان أن يهدد أمنها".

وسبق لوزير الشؤون الدينية والأوقاف الجزائري محمد عيسى، أن صرّح بأن ملف الطائفة الأحمدية هو "قضية أمنية بحتة"، في إشارة منه إلى تخوف السلطات من ارتباط هذه الطائفة بجهات سياسية أجنبية، أو محاولتها اختراق العقيدة السنية المالكية التي تعتنقها الأغلبية الساحقة من الشعب الجزائري.

من جهة أخرى، يذهب المستشار الإعلامي السابق بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف الجزائرية، عدّة فلاحي، إلى أن الحكومة الجزائرية "وقعت رهينة للتيار السلفي الوهابي المهيمن"، مضيفًا في حوار له مع موقع "أصوات مغاربية"، أن "السلطة لا تريد أن تغضب السلفيين لأن هناك مقايضة فكرية ومصلحية بين الطرفين"، قائلًا إن "السلطة تسمح للتيار السلفي بالتحرك وفرض أيديولوجيته بالإكراه والتهديد، مقابل تكريس قاعدة وجوب طاعة الحاكم وعدم الخروج عليه".

مسؤول جزائري سابق: "الحكومة الجزائرية وقعت رهينة التيار السلفي بعد أن سمحت له بفرض أيديولوجيته بالإكراه والتهديد"

هذا ويُشار إلى أنه رغم نص الدستور الجزائري على حرية التدين وممارسة الشعائر، إلا أنّ الواقع والتطبيق ينافي ذلك، ما يُطلخ الصورة الحقوقية للبلاد في هذا الجانب.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حرب المائة عام بين السنة والشيعة

النقاش عن الطائفية: اتهام الدين لتبرئة السلطة