05-مايو-2017

طارق شوقي وزير التعليم المصري (فيسبوك)

شكّل مجيء الدكتور طارق شوقي وزيرًا للتربية والتعليم في التعديل الوزاري الأخير لحكومة شريف إسماعيل بشرى سارة لبعض مَن تفاءلوا بمنصبه السابق كمستشار للرئيس في شؤون التعليم، ولكن اعتماد الوزير على تكثيف الحضور الإعلامي وتسويق خططه "البعيدة عن الواقع المصري" جعل أغلب المتفائلين يراجعون أنفسهم.

يصدر وزير التعليم المصري الجديد نفسه كرجل أحلام يصرف أغلب وقته في الإعلام ينتقد وضع المنظومة التعليمية دون أي رؤى إصلاحية

فالرجل الذي يصدّر نفسه كرجل أحلام في الحكومة يصرف أغلب وقته في لقاءات تلفزيونية ينتقد فيها الوضع القائم للمنظومة التعليمية في مصر، وهو أمر يتفق عليه الجميع، ولكن من المفترض أن دور القائم بتسيير أعمال الوزارة يتجاوز النقد وتقديم الرؤى الإصلاحية، ويتعدّاه إلى قيادة كل ذلك واتخاذ القرارات بما يخدم تطوير المنظومة التعليمية.

اقرأ/ي أيضًا: بحجة الإصلاح.. مجانية التعليم المصري في خطر

ومنذ قدوم طارق شوقي وزيرًا للتعليم صدرت عنه عدة تصريحات تؤكد أن المنظومة التعليمية في مصر تُدار بالكلام، بدايةً من تصريحه عن السعادة في التعليم المصري، ووصولًا إلى المناهج ذات النظارات "الثري دي"، ونهايةً بنظام الفصل المقلوب. ومن الواضح أن وزير التعليم المصري ليس لديه خطة ممنهجة أو نموذج تطبيقي لتطوير التعليم، فهو يعمل منفردًا في هذا الملف وليس عبر فريق عمل.

"هناك أكثر من طريق يمكن السعي فيه والوصول إلى مجموعة من الخطط المتوازية والمتكاملة لتطوير التعليم المصري، ولكن طارق شوقي لا يُرينا سوى ما يرى"، يقول الخبير التربوي جلال صبري لـ"ألترا صوت"، مشيرًا إلى تجاهل الوزير للاستفادة من الخبرات التعليمية المختلفة لرجالات التربية والتعليم السابقين.

ويعيب الخبير التربوي على الوزير طارق شوقي تخلّيه عن متطلبات منصبه والتفرّغ للقاءات تلفزيونية "يجاهد" فيها لتطوير التعليم: "ربما يكون من الإنصاف الثناء على سعي الوزير لتسويق خططه في الإعلام، ولكن في النهاية ما الفائدة من كل ذلك اللفّ والكلام الكثير؟ ما المحصلة التي سيجنيها متابعو معاليه في كل لقاءاته؟ لا شيء. لماذ؟ لأن الرجل يتحدث بكلام مرسل تطغى عليه الإنشائية مثل أغلب المسؤولين".

وشدّد الخبير في ختام حديثه إلى أن "مصر تحتاج رسم سياسات التعليم وفقًا لاحتياجات وخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلد، وربط سياسات ومناهج مراحل التعليم بتأهيل المعلم المصري للسوق العالمية، وأن تُعطي الأولوية للتخطيط وإدارة البحث العلمي في الوزارة، والعمل على تطوير المؤسسات التعليمية بما يتلاءم وحاجات المجتمع ومتطلبات تطوره اللاحقة".

اقرأ/ي أيضًا: جامعاتك يا مصر.. غابة ومنتزه

اقتراحات خيالية

قبل أيام، جاء إعلان طارق شوقي عن تطبيق تجربة الفصل المقلوب على طلاب الصفين الأول والثاني الثانوي واتجاه الوزارة لإلغاء نظام الثانوية العامة العام المقبل، مصحوبًا بدعاية كبيرة من جانب الإعلام الرسمي والمحسوب على النظام المصري، إذ قامت صحيفة "الأهرام" بتخصيص صفحة كاملة حفلت بالمديح والثناء على شخص وزير التعليم طارق شوقي وخططه "الطموحة" لتطوير التعليم، مشيرة إلى معرفته بأن هناك البعض ممن يريدون استمرار الوضع الحالي في التعليم دون تغيير، ويحاربون جاهدين لوقف الحداثة، وفي الوقت ذاته تفضيله العمل في أجواء هادئة صامتة، بعيدًا عن مجاراة هذا أو ذاك في عدم تفاؤلهم بمستقبل التعليم المصري، تاركًا لهم ساحة السخرية من أحلامه وطموحاته في تطوير التعليم، ليقرر لنفسه ساحة خاصة يتحرك من خلالها لمفاجأة الناس بواقعية هذه الأحلام، دون الإعلان المسبق عن تفاصيل خطواته نحو تحقيق ذلك، وأشارت الصحيفة إلى أن الوزير سيبدأ بعد انتهاء امتحانات الثانوية العامة للعام الحالي في "اختيار فريق فني ماهر من شخصيات شبابية" يساعده في نسف المنظومة التعليمية من جذورها.

وتعتمد فكرة نظام الفصل المقلوب على قيام الطلاب بالشرح في الفصل والمناقشة مع معلميهم وأقرانهم، وأن يطلب المعلم من تلاميذه البحث عن المعلومات التي ينبغي عليهم قراءتها وتحصيلها قبل كل درس في المنهج، وأن يتم هذا في المنزل قبل شرح الدرس داخل الفصل، بحيث يقوم الطالب بعملية البحث والاستكشاف في المناهج الرقمية المختلفة والمراجع الكثيرة المتاحة،  ثم بعد ذلك يُفتح باب المناقشة بين المعلم وطلابه حول ما فهموه حول الموضوع محل البحث.

وقد أثار حديث الوزير طارق شوقي ردود فعل متباينة بين الخبراء والمهتمين بشؤون التعليم، حيث لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها الحديث عن تعديل نظام الثانوية العامة واعتماد نظام جديد يدعم الإبداع والابتكار والاستمتاع بالتعلم بدلًا من نظام التلقين والحفظ القائم حاليًا، ويكاد يكون الأمر مرتبطًا شرطيًا باقتراب موسم الامتحانات ومجيء وزير جديد على رأس الوزارة، حتى أصبح التعليم في مصر بشكل عام والثانوية العامة بشكل خاص حقل تجارب لوزراء التعليم المتوالين.

أصبح التعليم في مصر بشكل عام والثانوية العامة بشكل خاص حقل تجارب لوزراء التعليم المتوالين

وبحسب كثيرين، فإن ما يحدث في التعليم المصري من تخبط يشير إلى عدم وضوح الرؤية وتحديد الهدف. أصحاب الرأي السابق يستدلون بتصريح الوزير عن تطبيق نظام الفصل المقلوب بدءًا من العام الدراسي القادم، إذ يعتبرونه أمرًا شبيهًا بما يحدث في الأفلام الأوروبية ولكن تحقيقه في مصر يبدو ضربًا من الخيال، ففكرة النظام الساعية لجعل الطالب باحثًا تحتاج إلى بنية تحتية متطورة تتوفّر فيها أجهزة الكمبيوتر لكل بيت وكل طالب ووصول شبكة الإنترنت لكل بيت وكل طالب، وهو أمر غير متحقق في الحالة المصرية. بالإضافة إلى أن تطبيق الفكرة يحتاج إلى مجتمع مستقر تعليميًا وتربويًا ولا يعاني مشكلات الأماكن المحرومة من التعليم أساسًا، أو الكثافات الكبيرة في الفصول الدراسية وعدم القدرة على استيعاب الأعداد الزائدة من الطلاب. ووفقًا لإحصاءات رسمية، بلغ إجمالي أعداد التلاميذ بمراحل التعليم قبل الجامعي 21.3 طالب عام 2015، مقابل 20.6 مليون عام 2014، بنسبة زيادة 3.2% من إجمالي الطلاب.

فيما رأى آخرون أن تصريحات الوزير طارق شوقي تشبه تصريحات الوزراء السابقين، وكلها تعبِّر عن محاولات لإقناع الرئيس بأن الوزير سيبتكر نظامًا يقضي على مشاكل الثانوية العامة، وذلك بهدف البقاء لأطول وقت ممكن في المنصب. أصوات أخرى تنادي بضرورة أن يبدأ الارتقاء بمنظومة التعليم من قاعدة الهرم وليس من قمته، بمعنى أن يُطوَّر التعليم الابتدائي أولًا ثم الإعدادي وصولًا للمرحلة الثانوية، مع الاهتمام بحال المعلم ماديًا حتى يكون تعويضًا له عن الدروس الخصوصية، وعلميًا حتى يستطيع مواكبة التطور التكنولوجي الذي يريد الوزير تقديمه للطلاب، ودراسة احتياجات سوق العمل لتوجيه التعليم نحوه حتى لا يكون هناك عمالة زائدة عن الحد.

ويرى خبراء أن الحديث عن وضع تجارب في نظام التعليم أصبح أمرًا مبتذلًا في ظل الإعلان المستمر من وزارة التربية والتعليم عن نقل تجارب دول أخرى، بداية من التجربة اليابانية ومرورًا بالماليزية وانتهاء بنظام الفصل المقلوب، دون أن يكون لها أي أثر على المنظومة التعليمية.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

"بكرة مش كويس".. المصريون يخافون المستقبل

التعليم المصري.. أزمات مستمرة ووزير يثير الجدل