23-سبتمبر-2022
الاحتجاجات الحالية ليست استثناء في إيران (Getty)

الاحتجاجات الحالية ليست استثناء في إيران (Getty)

تعيش إيران منذ بضعة أيام على وقع احتجاجات آخذة في التصاعد على خلفية "وفاة" الشابة مهسا أميني (22 عامًا) التي ألقت شرطة الأخلاق الإيرانية القبض عليها رفقة فتيات أخريات بسبب الزي الذي كانت ترتديه، ليعلن عن وفاتها الجمعة الماضي إثر دخولها في غيبوبة، علمًا بأن والدها أكّد أنها لم تكن تعاني من أي أمراض أو مشاكل صحية وأنها أصيبت بكدمات في ساقيها.

المظاهرات الحالية الدائرة في إيران ليست حالة شاذة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي شهدت منذ الثورة الإسلامية 1979 احتجاجات عديدة

 هذه الواقعة أثارت غضب قطاع كبير من الشعب الإيراني حمّل الشرطة مسؤولية وفاة الشابة أميني، وخرج في احتجاجات شملت عدة مدن إيرانية بينها العاصمة طهران، رُفعت فيها شعارات مناهضة للسلطة، وأدت إلى اشتباكات بين الشرطة والمحتجين أوقعت قتلى عندما فتحت الشرطة النار على المتظاهرين. كما أسفرت أيضًا عن القبض على مئات المتظاهرين، وأعادت هذه الواقعة إلى الواجهة الجدل القديم المتجدد حول دور "شرطة الأخلاق" في إيران.

وتشير التوقعات إلى أن موجة الاحتجاجات الحالية مهيّأة للاستمرار واتساع رقعتها. في المقابل ركّزت الرواية الرسمية على اتهام عناصر أجنبية بإثارة الفتنة مع استبعاد أي مسؤولية لقوات الأمن عن وفاة الشابة مهسا أميني.

المظاهرات الحالية ليست حالة شاذة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي شهدت منذ الثورة الإسلامية 1979 احتجاجات عديدة، ظل القاسم المشترك بينها، الاحتجاج على سياسات السلطة وممارساتها، وإن اختلفت أسبابها المباشرة. كما كان  المشترك فيها من الجانب الرسمي تكرار خطاب الأيادي الخارجية العابثة واستعمال القوة الأمنية لقمع المحتجين والمتظاهرين. فيما يلي أهم تلك الاحتجاجات من الأحدث حتى الأقدم.

احتجاجات تشرين الثاني/ نوفمبر 2019

احتجاجات 2019 إيران

في تشرين الثاني/نوفمبر 2019 عرفت إيران موجة احتجاجية قوية أحرق فيها المحتجون أكثر من 100 مصرف و50 متجرًا في أيام قليلة، وأدى تصدي قوات الأمن لها إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى في صفوف المتظاهرين وقوات الأمن، كما أسفرت عن اعتقال نحو 1000 متظاهر. وحجبت السلطات الإيرانية أثناءها خدمة الإنترنت في البلاد. واندلعت تلك الاحتجاجات الشعبية على إثر رفع السلطات أسعار البنزين بنسبة 50% حتى حصة 60 لترًا في الشهر، وبنسبة 300% لمن يتجاوز هذه الحصة الشهرية التي تدعمها الدولة.

احتجاجات كانون الأول/ديسمبر 2017 

قبل ذلك بسنتين، وبالتحديد في كانون الأول/ديسمبر 2017 اندلعت "مظاهرات مشهد" كبرى مدن إيران بعد طهران من ناحية الكثافة السكانية. وجدت "مظاهرات مشهد" طريقها لباقي المدن الإيرانية، وكان السبب المباشر في تلك الاحتجاجات أيضًا هو  الغلاء وزيادة الأسعار، وقد انطلقت الدعوات للمظاهرات من مواقع التواصل الاجتماعي تحت شعار "لا للغلاء". ثم تطورت للاعتراض على السياسة الاقتصادية المتبعة من حكومة حسن روحاني. واعتبرت تقارير حينها أن المشاركين في احتجاجات 2017 هم بالأساس "مواطنون من الطبقة الوسطى أرادوا معرفة مصير أصواتهم التي أدلوا بها في الانتخابات". وكحال جميع احتجاجات إيران عرفت احتجاجات 2017 فوضى وحرقًا لمصارف ومحلات ومواجهة مع قوات الشرطة اعتقل على إثرها العشرات.

احتجاجات نهاية كل عقد

إنها سلسلة احتجاجات حدثت عند كل منعرج سياسي في البلاد، وكانت على خلفية قضايا تتعلق أساسًا بواقع الحريات في البلاد والانتخابات الرئاسية التي انحصر التنافس فيها تقريبًا بين الإصلاحيين والمحافظين، ضمن التيار الديني الذي بسط سيطرته على إيران منذ الثورة الإسلامية 1979 بقيادة الخميني.

ففي عام 2009 انطلقت شرارة احتجاجات واسعة في كبريات المدن الإيرانية على خلفية نتائج الانتخابات الرئاسية التي أعلنت فوز المرشح المحافظ أحمدي نجاد على الإصلاحي مير حسين موسوي، حيث رفض المحتجون تلك النتائج التي اعتبروها مزورة، وواجه الأمن الإيراني أنصار موسوي بالقمع، ولم تنته احتجاجات أنصار التيار الإصلاحي إلا بعد اعتقال المئات منهم، وأُطلق على تلك الاحتجاجات حينها تسمية "الثورة الخضراء".

احتجاجات 2009 إيران

قبل ذلك بعشر سنوات أخرى وبالتحديد عام 1999 وبعد إغلاق الحكومة الإيرانية صحيفة "سلام" الإصلاحية، انطلقت احتجاجات من جامعة طهران،  أدت إلى مواجهات مع قوات الأمن استخدمت فيها الهراوات والغاز المسيل للدموع. وقادت احتجاجات الطلاب إلى أعمال شغب استمرت 6 أيام، وانتهت بحصيلة اعتقال أكثر من 1000 طالب حسب المصادر.

عام 1989 يُعبّر عن مرحلة حساسة من تاريخ إيران، حيث دخلت البلاد في أتون أزمة سياسية داخل القيادة المرجعية هذه المرة، وذلك بعد عزل المرجع حسين علي منتظري الأب الروحي الثاني للثورة الإيرانية وخليفة الخميني المرتقب وعرّاب الحركة الإصلاحية، من منصب نائب ولي الفقيه، حيث اندلعت احتجاجات واسعة، اصطلح على تسميتها في أدبيات التيار الديني الإيراني بتسمية "الفتنة".

احتجاجات إيران

فبينما كان منتظري يسعى الى جعل رجال الدين خبراء وفقهاء يُستفتون ويُسألون، ولا يجب أن يكون لهم دور تنفيذي مباشر في إدارة شؤون الدولة، كان للخميني وتياره وجهة نظر أخرى مغايرة تمامًا، أدّت إلى الاصطدام بين الجناحين، وهو اصطدام ما تزال فصوله مستمرة، وإن كانت الغلبة فيه للتيار المحافظ حتى الآن.

في تشرين الثاني/نوفمبر 2019 عرفت إيران موجة احتجاجية قوية أحرق فيها المحتجون أكثر من 100 مصرف و50 متجرًا في أيام قليلة

عاما 1979 و1978 في إيران يمكن وصفُهما بعامي الفوضى المؤسسة، التي مكّنت للثورة الإسلامية في إيران، ففي عام 1978 خرج المحتجون لإرغام الشاه محمد رضا بهلوي على التخلي عن عرشه، وهو ما حدث برحيل الشاه وأسرته إلى المنفى، ليعود الخميني في شباط/فبراير 1979 إلى إيران محمولًا على الأعناق. وفي ذات السنة، وبالتحديد في تشرين الثاني/نوفمبر  احتجَز أنصار الخميني 52 أمريكيًا داخل سفارة الولايات المتحدة بطهران، واشترطوا للإفراج عنهم تسليمَ الشاه الذي كان يتلقى العلاج حينها في الولايات المتحدة، وذلك من أجل محاكمته محاكمة علنية في طهران.