22-يناير-2019

ما مصير عناصر داعش بعد الهزيمة في العراق؟ (أحمد الرباعي/أ.ف.ب)

ألترا صوت-فريق التحرير

منذ الإعلان عن النصر على تنظيم داعش في العراق وتحرير كامل ترابه من سيطرة عناصره، واستعادة جميع المدن التي كان يديرها في سوريا، تواتر سؤال في عدد كبيرة من وسائل الإعلام العالمية: أين ذهب ويذهب مقاتلو داعش؟ وهو سؤال ينطوي على آخر، فإن كانوا موجودين هنا أو هناك، فهل لديهم القدرة على إعادة تنظيم أنفسهم مجددًا؟

 استطاع داعش بوساطة شيوخ ووجهاء المناطق المؤثرين في العراق عقد صفقات مع الجيش أشبه باتفاقيات عدم تعرض، تنظم بقاءهم في المكان

هل انتهت الحرب ضد داعش؟

في الأول من كانون الثاني/يناير 2018 نقلت الإذاعة الوطنية العامة (NPR) عن وزير الدفاع الأمريكي السابق جيمس ماتيس، تصريحه بـ"أننا قلنا مرارًا إن الحرب على داعش لم تنته بعد"، وأضاف الوزير المستقيل في حديثه حينها أنه "ربما يلتقي العشرات من عناصر داعش في مكان، ليعيشوا سوية ويلعقوا جراحهم ويفكروا: ماذا باستطاعتنا أن نفعل الآن؟"، مبينًا "ما نريده أن ندفع هؤلاء إلى نقطة تستطيع السلطات المحلية العراقية أن تتعامل منها معهم".

اقرأ/ي أيضًا: الانسحاب الأمريكي من سوريا ومستقبل منبج.. تبادل أدوار لا تبديل اللعبة

أما في آب /اغسطس 2018، فقد بين تقرير للأمم المتحدة، أن عدد مقاتلي داعش في العراق وسوريا هو من 20-30 ألف مقاتل مدرب ومسلح وبينهم آلاف الأجانب، فيما كشف عن امتلاك هؤلاء العناصر مئات الملايين من الدولارات لإدارة عملياتهم.

وبحسب صحيفة الإندبندنت البريطانية التي نقلت التقرير الأممي، فإن هذا العدد يبلغ من 5 – 6 أضعاف آخر تقدير استخباري لما تبقى من عناصر داعش في المنطقة، قائلة إن "التقرير هذا جاء بعد أن أعلنت المخابرات الأمريكية أن عدد مقاتلي داعش هو 6 آلاف يديرون عملياتهم في مدن سوريا والعراق".

بعد ذلك، قال الرئيس الأمريكي، في الـ19 من كانون الأول/ ديسمبر 2018، في تغريدة له عبر تويتر: "لقد هزمنا داعش في سوريا، وهو السبب الوحيد لوجودي هناك". معلنًا في الـ11 من كانون الثاني/يناير بدء عمليات سحب القوات الأمريكية من سوريا، وحظيت الفترة بين تغريدة ترامب والإعلان الرسمي لبدء الانسحاب بسلسلة من الانتقادات في الداخل والخارج الأمريكي لهذا القرار الذي وصف بالمتسرع، لعدم التأكد من نهاية الحرب على داعش بشكل كامل.

في هذا السياق، كشف مصدر استخباري عسكري عراقي لـ"ألترا صوت" وقائع ما يجري على الأرض بعد إعلان الانتصار على داعش، وبعض نشاطات التحالف الدولي غير المعلن عنها، لاسيما في ريف العاصمة بغداد. وبين المصدر أن "الفترة السابقة شهدت ضربات جوية شبه أسبوعية لطيران التحالف على تحركات لداعش خارج المدن من المحور الشمالي للعاصمة، وتحديدًا في محيط قضاء الطارمية".

وفي خضم توضيح بقاء المعارك، أشار المصدر إلى أن "هناك فرق بين عملية تحرير المناطق وتطهيرها"، مبينًا أن "جميع أراضي العراق تم تحريرها، لكن عملية التطهير لم تكتمل". حيث عرّف عملية التطهير، بأنها "عملية تفتيش لجميع المنازل ومراجعة المعلومات الأمنية بالاعتماد على اعترافات العناصر المقبوض عليهم أو البلاغات التي تصل من السكان، والتي عادة ما تكون فعالة ومتوفرة، حتى يتم تأمين المنطقة داخليًا بعد أن تم تأمينها خارجيًا خلال عملية التحرير".

شهدت الفترة السابقة ضربات جوية شبه أسبوعية لطيران التحالف الدولي على تحركات لداعش خارج المدن من المحور الشمالي لبغداد

ولفت إلى أن "قضاء الطارمية الذي يقع على مشارف العاصمة بغداد من جهتها الشمالية من المناطق التي يصعب تطهيرها لوجود بيئة مؤيدة حتى الآن للتنظيم المتطرف داخل المدينة، وبسبب البساتين الواسعة التي تحيط القضاء ما يجعلها مكان مثالي لخزن الأسلحة واختباء المسلحين".

فيما عدّ المصدر أن "عملية تطهير قضاء مثل الطارمية يستدعي عملية عسكرية كبرى تشارك بها قوات كافية لتطويق البساتين والأراضي المفتوحة وتمشيطها مترًا تلو الآخر، لكن عملية كهذه تحتاج لقرار سياسي من أجل أن تتم".

أين ذهب أفراد داعش؟

تطرق المصدر الاستخباري العراقي في حديثه، إلى حياة عناصر داعش بعد أن فقدوا القدرة على المبادرة والهجوم، إذ قال إن هؤلاء العناصر "وقادتهم الميدانيين الذين يعادلون رتبة آمر سرية أو حظيرة في الجيش النظامي، عادوا في بعض الأماكن مثل مدينة الموصل، وبعضهم عاد بغطاء متعاطف مع الدولة والجيش والقوات الأمنية". أما "في أماكن أخرى كقضاء الطارمية، استطاع التنظيم بوساطة شيوخ ووجهاء المناطق المؤثرين عقد صفقات مع الجيش أشبه باتفاقيات عدم تعرض، تنص على عهد من التنظيم على عدم مهاجمة القوة الماسكة للأرض مقابل عدم تعرض الجيش لعناصر داعش في المنطقة، مستشهدًا بحادثة جرت مع أحد الأفواج في الطارمية، الذي كان عدد الجنود فيه والمعدات مغريًا لتنفيذ تعرض من قبل عناصر داعش عليه، لكن ذلك لم يحصل، وبمجرد انتهاء مهام هذا الفوج في القضاء، واستبداله بفوج آخر، تعرضت القوة الجديدة إلى نيران من قبل عناصر التنظيم".

لكن المصدر العسكري استدرك قائلًا، إن "هذا لا يعني امتلاك داعش الآن القدرة على الهجوم والمواجهة المباشرة، لعدم حيازتهم الأعداد البشرية الكافية لذلك، رغم توفر كميات كبيرة من السلاح والمال، لكن على أية حال، هذا القضاء هو خاصرة أمنية هشة يجب أن تعالج، بسبب وجود أناس فيه يمكن تصنيفهم من القيادات، وهم عادة ما يكونون من شيوخ العشائر أو ضباط النظام السابق".

وواصل المصدر حديثه قائلًا، إن "وجود داعش لا ينحصر في الطارمية فحسب، فهم متواجدون على الطريق الرابط بين بغداد وكركوك، فمعظم القرى الواقعة على هذا الطريق غير مؤمَّنة، ولي زملاء في الشرطة الاتحادية هناك، يقولون إن الطريق السريع ليلًا يشهد تحركات واضحة لعناصر التنظيم الذين يستخدمون الخيل للتنقل". بينما يتهم المصدر، الأكراد بالتسبب بعدم استقرار الوضع الأمني في كركوك والطرق المؤدية إليها، قائلًا إن "الجميع يعلم أن الأكراد هم وراء تواجد داعش في هذه المناطق، لكن لا أحد يجرؤ على الحديث بهذا الخصوص".

فيما يجيب ضابط الاستخبارات العراقي على سؤال هل تم هزم تنظيم داعش فعلًا، بـ"نعم"، لكنه يستدرك قائلًا إن "هذا النصر بحاجة إلى إدامة مستمرة، فعملية احتواء جميع عناصره دفعة واحدة هي عملية مستحيلة لأي منظومة أمنية في العالم، لكن المطلوب فعله، هو قطع الطريق أمام محاولة إعادة تنظيم صفوفهم، ومجابهة العمليات التي يخططون لها بأسلوب الضرب والهرب، بالطرق الاستخبارية الاستباقية التي يتم تنفيذها بشكل مستمر الآن في العراق رغم كل الملاحظات المذكورة، بالإضافة إلى إحكام السيطرة على الحدود مع سوريا، حيث لا يزال الوضع هناك غامضًا بخصوص قوة التنظيم وعدد عناصره وقدرته على التحرك والمناورة، لاسيما مع إعلان انسحاب القوات الأمريكية، ووجود عدة قوى غير داعش متصارعة مع بعضها".

اقرأ/ي أيضًا: قصة داعش.. "تمدد" سريع وانحسار مُكلف و"بقاءٌ" محتمل

ويؤكد المصدر الأمني في نهاية حديثه أن "المعلومات الواردة إلينا تشير إلى توجه لدى القيادة بنقل قوات كبيرة جدًا من المدفعية العراقية إلى الحدود مع سوريا، لكن لا نعرف حتى الآن سبب هذا التوجه، ربما قد يكون مقدمة لانخراط القوات العراقية بعمليات برية ضد داعش داخل الأراضي السورية، لكن على أية حال هذا مجرد تحليل لا يستند إلى معلومة موثقة".

 بين تقرير للأمم المتحدة، أن عدد مقاتلي داعش في العراق وسوريا هو من 20-30 ألف مقاتل مدرب ومسلح وبينهم آلاف الأجانب مع مئات ملايين الدولارات

في الوقت نفسه، يعرب مراقبون عن مخاوفهم من ارتباط تنظيم داعش بجهات خارجية قد تستخدم ما تبقى منه كورقة ضغط سياسية في أي لحظة، لاسيما مع زيادة حدة التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، والغموض الكامن وراء تحرك قوات أمريكية في مناطق عراقية، وصفها شهود عيان بالكبيرة، بينما بدأ بعضهم باتخاذ تحركات فعلية، كما قال أحد سكان محافظة ديالى لـ"ألترا صوت". مبينًا أنه "شاهد طائرة شينوك ذات المروحتين تحلق في سماء مدينة بعقوبة مركز محافظة ديالى، وأن الناس يتحدثون عن عدم امتلاك العراق لطائرة من هذا الطراز، وإن امتلك فما هو معروف عن هذه الطائرة الكبيرة، أنها تقوم بنقل القوات وتنفيذ عمليات الإنزال، فما الحاجة إليها في بعقوبة دون وجود أي عملية عسكرية فيها؟". وتقع محافظة ديالى في الجانب الشمالي الشرقي لبغداد، وهي إحدى المحافظات الحدودية مع إيران.

 

اقرأ/ي أيضًا:

لماذا لن تنتهي "داعش" بعد الموصل؟

ماذا بعد هزيمة داعش؟