15-نوفمبر-2016

إحدى المظاهرات المطالبة بحقوق شهداء الثورة في تونس (Getty)

تعقد هيئة الحقيقة والكرامة، وهي الهيئة المكلفة بتنفيذ العدالة الانتقالية في تونس، أول جلسة استماع علنية لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في تونس يوم 17 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، وذلك على مرحلتين حيث من المفترض أن تتواصل هذه الجلسة ليومين.

تهدف الجلسات العلنية لـ"هيئة الحقيقة والكرامة" بتونس إلى تفكيك نظام الاستبداد، إصلاح المؤسسات وترسيخ ثقافة عدم الإفلات من العقاب

ويمثل هذا حدثًا تاريخيًا فارقًا في البلاد، حيث سيتمكّن الضحايا لأول مرة من عرض شهاداتهم أمام العموم عن المعاناة والانتهاكات، التي تعرّضوا إليها طيلة قرابة ستة عقود من سنة 1955 تاريخ الاستقلال الداخلي إلى سنة 2013، وهي المدة التي عهد بها إلى هيئة الحقيقة والكرامة، والتي تغطّي حكم الرئيس الأول للبلاد الحبيب بورقيبة، والمخلوع زين العابدين بن علي، إضافة لثلاث سنوات بعد الثورة. وقد تلقت الهيئة أكثر من 60 ألف ملفّ حول انتهاكات تمّت طيلة هذه الحقبة الزمنية.

اقرأ/ي أيضًا: عيد الجلاء في تونس..الاحتفاء البارد والجدل الدائم

بث مباشر على 6 قنوات تلفزية

من المنتظر أن يقع بث مباشر لأول جلسة استماع علنية على 6 قنوات تلفزية محلية وأجنبية، إضافة لإذاعات الراديو، حيث سبق وأعلنت هيئة الحقيقة والكرامة أنها أبرمت اتفاقيات شراكة مع وسائل إعلام وطنية ودولية. وستنطلق أول جلسة استماع مساء يوم 17 تشرين الثاني/نوفمبر مع الساعة الثامنة ونصف ليلاً، وهو وقت ذروة المشاهدة في تونس.

وقد وجهت الهيئة دعوات للرئاسات الثلاث في البلاد وهم رئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة، ورئيس مجلس نواب الشعب، وتحوم شكوك حول استجابتهم لهذه الدعوة، بالنظر لغياب الدعم السياسي الكافي من السلطة السياسية لدعم مسار العدالة الانتقالية في البلاد. حيث سبق وقدم رئيس الجمهورية مشروع قانون موازٍ للعدالة الانتقالية في صيف 2015 ولكنه جوبه بالرفض عبر مظاهرات احتجاجية ما أدى لتعليقه.

وعلى خلاف الشخصيات الوطنية الرسمية، وجهت الهيئة دعوات للجان الحقيقة في العالم، التي نفذت آلية العدالة الانتقالية في بلدانها على غرار جنوب أفريقيا والمغرب والبيرو. وأعلنت الهيئة أنها برمجت استضافة قرابة ألف شخص لمتابعة أول جلسة استماع علنية، والتي سيقع تنظيمها بفضاء خاصّ بالعاصمة كان على ملك ليلى بن علي، زوجة الرئيس المخلوع، وذلك في دلالة رمزية لإنصاف الضحايا.

اقرأ/ي أيضًا: هل كشفت جمنة أزمة دولة ما بعد الثورة في تونس؟

لماذا جلسات الاستماع العلنية للضحايا؟

تمثل جلسات الاستماع العلنية مناسبة لكشف حقيقة الانتهاكات بمختلف أصنافها التي عرفتها تونس طيلة قرابة ستة عقود، حيث لا تشمل هذه الجلسات الضحايا فقط، بل كذلك الشهود ومرتكبي الانتهاكات. إذ يُلزم قانون العدالة الانتقالية مرتكب الانتهاك سواء في ملفات انتهاكات حقوق الإنسان أو الفساد المالي الذي قدم ملفًا لتسوية وضعيته عبر آلية التحكيم والمصالحة أن يشارك في جلسة استماع علنية ويقدم اعتذاره للشعب التونسي.

حيث تهدف الجلسات إلى تفكيك نظام الاستبداد والفساد وإلى إصلاح المؤسسات وتطوير التشريعات وترسيخ ثقافة عدم الإفلات من العقاب، والمساهمة في توعية عموم التونسيين بخطورة هذه الانتهاكات لاستخلاص العبر وضمان عدم تكرارها، وذلك بالإضافة لحفظ الذاكرة الجماعية.

وقد عرفت الدول التي انتهجت مسار العدالة الانتقالية في فترات التحول الديمقراطي، تنظيم جلسات استماع علنية للضحايا، وذلك للمساهمة في إعادة الاعتبار لهم واستعادة كرامتهم من خلال تبليغ صوتهم عبر سرد تجاربهم ومعاناتهم للعموم نتيجة الانتهاكات الحاصلة.

آخر العراقيل التي تواجهها هيئة الحقيقة والكرامة في تونس هي خصم وزارة المالية لأكثر من نصف الميزانية التي قدمتها للقيام بأعمالها

صوت الضحايا يكسر ضجيج حديث المصالحة

تنعقد أول جلسة استماع علنية لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في الوقت الذي يشهد فيه مسار العدالة الانتقالية صعوبات وعراقيل تعكس غياب غطاء سياسي لدعمه. حيث واجهت هيئة الحقيقة والكرامة، التي تم إرساؤها في يونيو/حزيران 2014 وتمتدّ أشغالها طيلة أربع سنوات، صعوبات منذ انطلاق أعمالها سواء فيما يتعلق بتوفير الموارد المالية واللوجيستية، وكذلك فيما يتعلق بتفاعل مؤسسات الدولة معها وتحديدًا بخصوص النفاذ إلى الأرشيف العمومي وتجاوب الدولة مع طلبات التحكيم والمصالحة في إطار العدالة الانتقالية. ولعلّ آخر العراقيل التي تواجهها هيئة الحقيقة والكرامة حاليًا هو خصم وزارة المالية لأكثر من نصف الميزانية التي قدمتها للقيام بأعمالها.

ومع تحقيق توافقات بين حزب نداء تونس، الحزب الحاكم حاليًا والذي يمثّل النظام السابق، وحركة النهضة، الحزب الإسلامي الشريك في الحكم، وما رافقها من حديث حول تحقيق المصالحة في البلاد وبالتالي وجوب الاستغناء عن مسار العدالة الانتقالية، فإن تنظيم أول جلسة استماع علنية للضحايا تبدو، بالنسبة لمن سلكوا المسار السابق ، كنشاز قد يعيد كشف الحقائق التي لطالما تسعى جهات نافذة في الدولة لإخفائها.

وقد بدأت أجهزة إعلامية قريبة من منظومة بن علي التشويش على أول جلسة استماع علنية واعتبارها تهديدًا للتوافقات السياسية في البلاد، حيث وصفت جريدة "الشروق"، وهي أكثر الصحف انتشارًا ومقربة من جهات نافذة في وزارة الداخلية، هذه الجلسات بـ"الفتنة".

اقرأ/ي أيضًا:

قراءة في نتائج انتخابات المجلس الأعلى للقضاء بتونس

شباب تونس والتحزب.. عزوف ومخاوف