27-مايو-2016

يعلون أثناء حقبته وزيرًا للدفاع في دارة الحكومة الإسرائيلية في القدس المُحتلة (AP)

وقع كثير من المعلقين على الحدث الإسرائيلي الشاغل في الأيام الأخيرة والمتعلق بتعيين أفيغدور ليبرمان، اليميني المتطرف رئيس حزب "إسرائيل بيتنا"، وزيراً للدفاع ليحل مكان موشيه/بوغي يعلون، في خطيئة أوجبت التعليق. تتمثل هذه الخطيئة في تحييد، وأحيانًا تبييض، صورة وزير الدفاع السابق بوجي يعلون أمام تصوير ليبرمان بالمتطرف، هذا في أدنى تقدير. ففي خضم التوصيفات والتحليلات الحذرة منها والمهوّلة منها يُنعت ليبرمان بالتطرف واليمينية وتُسرد مواقفه العنصرية تجاه الفلسطينيين وتهديداته ووعيده، وبالطبع لم يخطئ المعلقون في توصيفاتهم للفاشي الثرثار ليبرمان.

 ليبرمان ويعلون عنصريان من ذات الطينة، لكن الثاني مجرم على أرض الواقع وليس على الملأ

المشكلة لا تكمن هنا، وإنما تكمن في خروج بوغي يعلون وإن بدون قصد في صورة الشخص المعتدل اللطيف. وهذا خطأ جسيم لا يجب إغفاله، ليبرمان متطرف وعنصري على الملأ وبوقاحة منقطعة النظير، لكن بوغي يعلون عنصري ومجرم على أرض الواقع لكن ليس على الملأ، نعم هذا هو الفرق.

اقرأ/ي أيضًا: صحيفة عكاظ..التجهيل والتشهير ضد الإعلام الديمقراطي

الفرق أن ليبرمان يدعم الجندي القاتل الشريف علنًا، أما يعلون المجرم المسؤول عن إعدام أكثر من 213 فلسطينيًا في الهبة الأخيرة بوحشية وبدون مبررات، والمسؤول عن حرب إرهابية مدمرة ضد قطاع غزة أوقعت آلاف الفلسطينيين بين قتيل وجريح، ناهيك عن الدمار الهائل التي أحدثته آلة التدمير الإسرائيلية في غزة، يدين عملية القتل هذه لأنها صُوّرت وكشفت وحشية جيش الاحتلال أمام العالم. وعلى أية حال، يعلون ذو سجل حافل بالإرهاب ضد الفلسطينيين تاريخيًا وحسبنا أنه تقلد منصب وزير الدفاع في دولة الفاشية الصهيونية، ووفقًا لذلك ليبرمان مجرم في تصريحاته العنصرية الرنانة التي تكشف إسرائيل على حقيقتها، بينما يعلون مجرم حرب على أرض الواقع ويداه ملطختان في دماء الفلسطينيين في العمق. 

كما أن موقف يعلون واضح جدًا بشأن الضفة الغربية، وقد عبّر عن هذا الموقف في أحيانٍ كثيرة، ومنها عندما صرّح بأن إسرائيل لن تنسحب من "سنتيمتر واحد" من الضفة الغربية إلا في حال انتهاء "الصراع" واعتراف الفلسطينيين بإسرائيل "دولة يهودية". بمعنى أن إسرائيل لن تنسحب من الضفة المُحتلة إلا بتصفية القضية الفلسطينية والتخلي عن حق العودة وقبول كافة الشروط الإسرائيلية، في سبيل مشروع دولة وسط دغل المستعمرات.

يعلون مجرد مجرم حرب وعنصري آخر من السلسلة الطويلة التي قدمها الكيان الإسرائيلي منذ قيامه على أشلاء الفلسطينيين

وقال يعلون قبل فترة وجيزة بأنه "لن يأتي يوم أو وضع تعلن فيه إسرائيل أنها ستمتنع نهائيًا عن دخول مناطق A، ولن يكون أي اتفاق أو تفاهم بهذا المعنى، ودخولنا لهذه المناطق سترتبط بعملهم "الفلسطينيين" إذا عملوا أقل سنعمل نحن أكثر، والعكس صحيح إذا علموا أكثر سنعمل نحن أقل".

اقرأ/ي أيضًا: "فلسطينيو الداخل" ... خط الدفاع الأول

المعادلة واضحة، كلما ازداد عمل السلطة ضد المقاومين الفلسطينيين، قلّ عمل جيش الاحتلال، وكلما قل نشاط السلطة بهذا الاتجاه يزداد عمل جيش الاحتلال، أما التخلي عن الاحتلال مرفوض.

الخلاصة، يعلون مجرد مجرم حرب وعنصري آخر من السلسلة الطويلة التي قدمها الكيان الإسرائيلي منذ قيامه على أشلاء الفلسطينيين، ولن يكون ليبرمان أكثر سفكًا للدماء وأكثر إجرامًا وعنصرية من يعلون، إلا أن الفرق بالنسبة للفلسطينيين هو من يُجرم بالعلن ويدعم ذلك علنًا، ومن يُجرم بالخفاء ويدين ما يُكشف من جرائم أمام العالم.

لن تنسحب إسرائيل من الضفة المُحتلة إلا بتصفية القضية الفلسطينية والتخلي عن حق العودة وقبول كافة الشروط الإسرائيلية، في سبيل مشروع دولة وسط دغل المستعمرات

بطبيعة الحال قد يحيل ليبرمان ذو المواقف المتطرفة إلى نفس سياسة يعلون الإجرامية الخفية، وقد تتوقف التصريحات العنصرية العلنية، لأن من على رأس السلطة، ليس كمن في موقع المعارضة حيث محاولات ابتزاز الحكومة والمزايدة عليها على رأس الأولويات. كما أن وجود ليبرمان في السلطة وتنفيذه بالشراكة مع باقي أحزاب الائتلاف الحكومي اليمينية سياسات تهدف إلى تقويض الوجود الفلسطيني أينما كان، على مساحة فلسطين الانتدابية وتهويد المكان والاستيلاء على الأرض، يجعله في غنىً عن التصريحات العنصرية التي تصبح دون معنى أمام الممارسة الفعلية للعنف الاستعماري.

اليمين الليكودي الحاكم، واليمين الجديد الممثل بليبرمان وبينت وجهان لعملة واحدة. غير أن الفرق يتمثل في إخفاء نوايا ورغبات وطموحات الأول، وإظهارها وكشفها لدى الطرف الثاني الأكثر جرأة على طرح نوايا وحقيقة وطبيعة الكيان الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي. ويجب الحذر من تبييض صورة الأول أمام توصيف صورة الثاني، فكلاهما وجهان لعملة واحدة وسيكمل ليبرمان على ما قام به يعلون.

اقرأ/ي أيضًا:

لماذا يزعج عزمي بشارة إعلام السيسي.. إلى هذا الحد؟

"هبة القدس" على الحيز الإعلاني في فلسطين