15-أغسطس-2015

شجرة المورينجا في مزرعة المانسي (الترا صوت)

من الشائع، في تونس، اعتبار الشباب مثالًا للكسل وقلة الاجتهاد. لكن بعض الأمثلة غيّرت هذه الصورة النمطية ومنها أحمد المانسي. يشتغل أحمد، وهو في منتصف الثلاثين من العمر، في مجال الزراعة الذي هجرته فئات واسعة من الشباب التونسي دون عودة.

يعاني قطاع الزراعة في تونس من عزوف الشباب عن العمل فيه، بالإضافة إلى الإهمال الحكومي وبيروقراطية عميقة

لم يكتف المزارع الشاب، كما يحب أن يسمي نفسه، بما ورثه عن أبيه وجده من زراعة الخضر والغلال المعروفة والمنتشرة في تونس. ويقول، في ذات السياق، لـ"الترا صوت" إنه يسعى لمتابعة كل التطورات في المجال الفلاحي وعدم الاكتفاء بما تعلمه عن أجداده أو عن طريق التكوين الذي تلقاه. "أؤمن أن قوة الشباب في اجتهاده وبحثه الدائم"، يضيف أحمد.

وكانت آخر اجتهاداته، زراعة شجرة المورينجا في مزرعته الخاصة في ضاحية مرناق قرب العاصمة التونسية، بعد أن قرأ عن منافعها الصحية وقدرة هذه النبتة على مساعدة والدته المريضة بمرض ارتفاع نسبة الدهون في الدم المعروف بمرض"الكولسترول".

يتحدث أحمد المانسي عن بداية هذه التجربة قائلا: "اشتريت من أحد الأصدقاء في السودان 100 غرام من بذور المورينجا بحوالي 20 دولار، زرعتها وجربتها والدتي ومع الوقت الذي أثبتت فيه فحوصاتها الطبية أنها في تحسن واضح".

وتعرف شجرة "المورينجا" بشجرة الحياة أو الشجرة الطيبة، وتزرع خاصة في الهند، موطنها الأصلي، وباكستان وبنغلادش والسودان وأثيوبيا. كما لها قدرة على التكيف مع أي بيئة وتحتمل قلة الماء وتنمو حتى في الأراضي القاحلة، لكن هذا النوع من النباتات غير معروف في تونس ولا تتم زراعته رغم ما لها من فوائد طبية تم إثباتها عبر دراسات علمية عديدة. يستخدم أحمد المانسي كل أجزاء شجرة المورينجا، إذ يقوم بتجفيف الأوراق واستخدام مسحوقها ويستخدم أيضا بذورها وزهراتها التي تنتج عسلًا مفيدًا.

يصف المزارع الشاب تجربته بـ"التحدي الذي قرر أن يكون أكبر بكثير وأن لا تقتصر منافعه على عائلته الصغيرة ومعارفه"، ويضيف أنه "من خلال بحثي، علمت أن هناك من زرع هذه النبتة في تونس لكنهم قلة وهم يحتكرونها ولم يعلموا وزارة الفلاحة، فقدمت مقترحًا قصد زراعة هذه الشجرة في أراضي الدولة الغابية في مدينتي مرناق في البداية ثم في مدن أخرى".

تعرضت الثروة الشجرية التونسية إلى التقلص الحاد بسبب عدم تعويض ما أكلته الحرائق في السنوات الأخيرة

قدم الفلاح الشاب طلبه إلى إدارة الغابات التي تعود بالنظر إلى وزارة الزراعة التونسية منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2014، لكن الإجابة بالموافقة وصلته يوم التاسع من حزيران/يونيو الماضي. وبناء على هذه الموافقة المبدئية ستمكنه الدولة من استعمال قطعة أرض مساحتها 8 هكتارات، طيلة 5 سنوات، لزراعة المورينجا. وسيقوم بدوره بتوفير البذور والزراعة والاهتمام بالأشجار.

يبدو أحمد متحمسًا رغم كل الصعوبات والمطبات التي رافقت رحلة زراعة المورينجا. "أريد أن تصل هذه الشجرة لكل تونسي ولن يصبح ذلك ممكنًا إلا إذا زرعت في تونس، لأن سعر توريدها من الخارج سيكون باهضًا"، هكذا تحدث عن حلمه لـ"ألترا صوت".

يظن الكثيرون أن حلم أحمد بسيط لكنه "عانى كثيرا من البيروقراطية الإدارية والتي تقتل كل طموح" حسب تعبيره، كما أنه لم يتحصل بعد على الموافقة النهائية التي تتمثل في إمضاء عقد مع محافظ مدينة بن عروس التونسية وإدارة الغابات.

يقول المزراع الشاب، والذي كان رئيسًا لاتحاد المزارعين بجهة مرناق لسنتين ماضيتين، إن" 90% من الشباب يتهرب من العمل في الزراعة بسبب غياب التشجيعات من قبل الدولة لكن الشباب إجمالًا مبادر وإيجابي والفكرة السائدة عنه خاطئة".

يتذكر محاولاته التعريف بفكرته واستهزاء البعض من مقترحه واستغراب البعض الآخر وانغلاق آخرين ورفضهم الانفتاح على نبتة مجهولة لم يسبق أن سمعوا بها. يقول في هذا الإطار "أكدت لهم أنه بامكاني إعادة الغابات التي تعرضت خلال السنوات الأخيرة لحرائق كبيرة إلى مساحات خضراء في حيز زمني لا يتجاوز 6 أشهر. فسرت أن المورينجا من أسرع الأشجار نموًا في العالم ويصل ارتفاعها لأكثر من مترين في حوالي 3 أشهر وحدثتهم مرارًا عن منافعها ولم أجد تجاوبًا".

لم يتوقف طموح أحمد عند زراعة المورينجا والمساهمة في تشجير الغابات ومحاولة الحد من خطر التلوث الصناعي الذي يهدد مدنًا تونسية عديدة، بل يفكر المزارع الشاب في الاستفادة ماديًا من خلال تعليب المورينجا وبيعها على شكل أكياس شاي بسعر بسيط.