04-يونيو-2016

تشخيص علي بن أبي طالب في مسلسل عمر

اختص وليد سيف منذ بداياته الأولى في كتابة الدراما، بالكتابة التاريخية، التي تسعى على حد وصفه لتوظيف التراث العربي الإسلامي في سياقات جديدة. وبحرص غير مسبوق على دقة الوصف، استدعت أحيانًا تصميم مدن كاملة أو قرى. 

قدّم وليد سيف التاريخ خارج أبعاده التقليدية، وحرّر الدراما من التزاماتها إزاء الرواية الرسمية

نجد السيناريست الفلسطيني يقدم التاريخ خارج أبعاده التقليدية، ويحرر الدراما من التزاماتها إزاء الرواية الرسمية والتاريخ الحرفيّ. ونسعى في هذه القائمة إلى التعريف بخمسة من أهم أعمال وليد سيف الدرامية. 

 

1. التغريبة الفلسطينية (2004)

يقدم وليد سيف في هذا المسلسل، بالتعاون مع مخرجه حاتم علي، وبإشتراك مجموعة كبيرة من النجوم السوريين والعرب، تاريخًا موجزًا لتشكل الوطنية الفلسطينية، ومسارات ومصائر الثورة، بدءًا من انتفاضات العشرينيات، مرورًا بالثورة الفلسطينية الكبرى، وصولًا إلى الحدث الأهم، الذي  يستوحي العمل اسمه من أحد أوصافه: النكبة أو التغريبة الكبرى.

 يستمر العمل بتقديم قصة الفلسطيني المشتت، المكسور والحالم. ويستعرض التناقضات التي بدأت تتشكل بعد النكبة من خلال الحدود الجديدة، بين المخيم والمدينة، والداخل والخارج، وبين تاريخ المناضل وانكساراته. ينتهي العمل بانتهاء أمل الفلسطينيين من حروب العرب، وانتصارهم الأكيد المنتظر في حرب عام 1967، وبانكسار تخيلاتهم عن الوطن والعودة القريبة التي ستأتي وجدها، وإدراكهم أن مرحلة جديدة وطريق أخرى يجب أن تفتح.

يتكئ العمل على تقنية التاريخ الجزئيّ، أي عرض قصة النضال الفلسطيني من خلال أحداث يومية، عن طريق يوميات عائلة فلسطينية، راصدًا التطورات المختلفة التي طرأت عليها وأبنائها. يمكن للمشاهد بكثير من الثقة استنتاج انفصال العمل عن مقولات الرواية الرسمية الثابتة

 

2. صقر قريش (2002)

الجزء الأول من رباعية كتبها وليد سيف عن تاريخ الأندلس، أنتج منها ثلاثة مسلسلات، وظل الرابع إلى الآن نصًا فقط. تعرض الثلاثية المنتجة تاريخًا متقطعًا للأندلس، من تأسس الدولة الأموية الثانية، إلى أن تفرقت أقاليم الأندلس وناسها، وصار فيها دول مختلفة، في فترة أطلق عليها حقبة ملوك الطوائف.

في "صقر قريش" يعرض وليد سيف إعادة تأسيس بني أمية دولتهم في عهدها الثاني في الأندلس

مسلسل "صقر قريش" بطولة جمال سليمان، وإخراج الطرف الآخر من ثنائية الدراما العربية البارزة، حاتم علي. يعرض قصة سقوط دول بني أمية في المشرق، والمذبحة التي ارتكبها العباسيون بحقهم، والطريق الطويلة التي خيضت من أجل إعادة تأسيس دولتهم في عهدها الثاني في الأندلس. وكان هذا العرض من خلال تتبع حياة صقر قرش، عبد الرحمن الداخل، الذي استطاع تحقيق نبوءة جده، فكان مؤسس الدولة الجديدة.

من خلال سرد طريق الوصول إلى الأندلس، يظهر المسلسل شخصية أخفاها كتاب التاريخ ومدونيه، وهي شخصية بدر، خادم الأمير الأموي، الذي يرافقه من البدء رحلة الهروب من مسودة العباسيين، واللجوء وتأسيس الدولة في الأندلس، ويبرز العمل شخصية الخادم التي أنكرها التاريخ، وتنكر لها مؤسس الخلافة الأموية في الأندلس، ويكون الصراع الشفاف بين الشخصيتين عقدة العمل البارزة والصراع الذي ارتبط بكل مجرياته. 

 

3. ربيع قرطبة (2003)

لنفس الكاتب ولنفس المخرج، ومن بطولة تيم حسن، أنتج الجزء الثاني من ثلاثية الأندلس التي أشرنا لها، والذي يتتبع الدرب الطويل الذي خاضه محمد بن أبي عامر، من فتى تاجر على الطرقات في المغرب العربي، إلى واحد من أهم شخصيات التراث العربي الإسلامي جميعه، ومؤسس الدولة العامرية في الأندلس.  

مع تطور قصة  المسلسل، وتطور المنصور بن أبي عامر من منصب إلى آخر، ومن كاتب على حواف القصر، إلى  أعمال متفرقة داخل مدينة الخلافة الزاهرة، في عهد الخليفة الحكم المستنصر بالله، إلى أن يتولى بعد وفاته كاتبًا ومدير شؤون ولي الخليفة الجديد الصبي هشام المؤيد بالله، حتى وصل إلى الحجابة. 

في "مسلسل عمر"، اضطر وليد سيف إلى التعامل مع التاريخ بمنطق حرفي، وكانت تدخلاته محدودة جدًا

نجد في مادة المسلسل الذي يبدو نسخة مطورة عن سيناريو مسلسل "الصعود إلى القمة" لنفس المؤلف، إشكاليات كبرى عن الثالوث المركب بالحرب والسلطة والحب. فيروي قصة حب محمد بن أبي عامر لأم الخليفة الصبي، ومساهمتها في وصوله إلى الحجابة، وتنكره في آخر الأمر لها، والصراع الذي حدث بينهما. ويعرض تأثير السلطة على البشر مجددًا. "فكل امرئ ينطق عن وطائه" على حد وصف واحدة من شخصيات العمل.

 

4. عمر (2012)

أحد الأعمال الشهيرة لسيف أيضًا، من بطولة  سامر إسماعيل الذي يظهر لأول مرة. يقدم المسلسل قصة الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، وحياته في مراحلها المختلفة. ومع أن المسلسل واحد من المسلسلات التي لم يكن فيها صوت وليد سيف واضحًا، بحيث كان أقرب أعماله إلى الرواية الرسمية، خاصة أن العمل كان مرتبطًا بمرحلة حرجة في التاريخ الإسلامي، اضطر وليد سيف إلى التعامل مع التاريخ بمنطق حرفي، وكانت تدخلاته محدودة جدًا، على عكس المسلسلات الأخرى، وقد يكون ذلك لأسباب مرتبطة بعرض المنتجين  للنص أمام لجنة فقهية لتدقيقه تاريخيًا. إلا أننا نجد على العموم في العمل تجربة فريدة في حقل الدراما التاريخية، سواء بالاشتغال المميز في صناعة بيئة شبه متطابقة للحدث، سواء بالنسبة لتصميم المدينة، أو تصميم الملابس أو اللغة، التي كانت كلها مراعية للسياق التاريخيّ الذي يصفه العمل. 

اقرأ/ي أيضًا: مورغان فريمان.. أسعى لتحقيق السعادة والسكينة

يمكننا القول إن العمل دشن مرحلة جديدة في الدراما العربية، التي خشيت طوال الوقت تمثيل أدوار عن الخلفاء الراشدين. لكن العمل على أية حال ظل رهينًا لهذا السجال، فاضطر إلى تدقيق فقهي، إضافة إلى اضطراره على ما يبدو للاستعانة بممثل يظهر للمرة الأولى لتمثيل دور عمر. 

 

5. صلاح الدين الأيوبيّ (2001)

"واذكر أن سيرة السلطان ليست سيرة رجل واحد يملأ الزمان، إنما هي سيرة الزمان في الرجل". بهذه الجملة يخاطب جمال سليمان الذي يلعب دور صلاح الدين الأيوبي، أحد مدوني التاريخ، في الدقائق الأولى من المسلسل. وبهذه الافتتاحية يؤكد وليد سيف على منهجه في فهم التاريخ، وفي الكتابة الدرامية عنه. إنه باختصار ليس تاريخ أشخاص، بقدر ما هو تاريخ سياقات بأكملها، يحول العمل الدرامي إظهاره من خلال حياة شخص أو أكثر. ولعل هذا النهج يظهر واضحًا في مسلسل صلاح الدين الأيوبي، الذي يروي قصة السلطان الذي استعاد القدس، بعد أن سيطر عليها الصليبيون ومآثره في الحرب على ريتشارد قلب الأسد الحاضرة في المخيال الثقافي/السياسي العام في أوروبا حتى هذا العصر.  

يكاد العمل أن يكون تأريخًا للحروب الصليبية في القرن السادس للهجرة، وللتنظيم السياسي والعسكري عند المسلمين في هذه الفترة، في بلاد الشام ومصر، والسجالات الأساسية المرتبطة بهذه الفترة. فيؤرخ "لسيرة الزمان في الرجل" بحق.