21-نوفمبر-2015

وضع السجناء السلفيين يثير جدلًا في موريتانيا (ألترا صوت)

كان احتجاج العشرات من المواطنين الموريتانيين الخميس الثاني عشر من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري أمام السجن المدني في العاصمة نواكشوط سببًا في اتقاد شرارة جدل واحتجاج واسعين داخل الرأي العام الموريتاني حول عودة الإكراه البدني وممارسته في حق أحد سجناء التيار الإسلامي السلفي، الذي تمت مطالبته بدفع غرامة مالية لقاء الإفراج عنه رغم انتهاء فترة سجنه.

هذا الإجراء الذي قامت به السلطات القضائية الموريتانية في حق السجين السلفي صالح ولد محمد، جوبه برفض وغضب شديدين من قبل أعضاء التيار السلفي الموجودين داخل السجن المدني بنواكشوط، بالإضافة إلى زيادة قلق ذوي السجين وعدد من الحقوقيين.

أثار قرار مطالبة أحد السجناء السلفيين في موريتانيا بدفع غرامة مالية لقاء الإفراج عنه رغم انتهاء فترة سجنه رفضًا واستنكارًا واسعًا

ويعرف القانونيون إجراء الإكراه البدني بأنه وسيلة من وسائل التنفيذ يلجأ فيها إلى تهديد المحكوم عليه في جسمه بتحقيق حبسه إرغامًا له على الوفاء بما هو ملزم به قضاء بموجب أمر أو حكم أو قرار، أو هو وسيلة ضغط لإجبار المحكوم عليه على الوفاء بما في ذمته، وذلك ما جعله دائمًا ممارسًا في حق المحكوم عليهم والمدينين بمبالغ مالية، وينحصر أساسًا مجال تطبيق الإكراه البدني في المواد المدنية في فرعين وهما: المواد التجارية وقروض النقود، الأمر الذي يختلف تمامًا عن حالة السجين صالح ولد محمد المتهم بعلاقته بملف الإرهاب.

المظاهرة التي نظمها ذوو السجين ومجموعة من نشطاء حقوق الإنسان طالبت الجهات القضائية بتحرير السجين وإلغاء الغرامة المالية التي تبلغ خمسة ملايين أوقية أو ما يقارب خمسة عشر ألف دولار، إلا أن العديد من نزلاء السجن من التيار السلفي هددوا بتكرار إضراب قاموا به من قبل ضد تمادي إدارة السجن والقضاء في اعتقال سجناء انتهت محكوميتهم، وتطور الإضراب إلى احتجاز السجناء لسجانين داخل إحدى الزنازين مقابل إطلاق سراح زملائهم الأربعة وهو ما تحقق بوساطة من رئيس هيئة المحامين الموريتانيين مطلع العام 2014.

وكان السجناء السلفيون قد أعلنوا في بيان لهم حصل "الترا صوت" على نسخة منه "للرأي العام والسلطات العمومية دخولهم في إضراب مفتوح عن الطعام ابتداء من مساء الأربعاء الحادي عشر من تشرين الثاني/نوفمبر 2015، مؤكدين "رفضهم للإجراءات الظالمة في حق السجين صالح ولد محمد في اليوم الذي انتهت فيه محكوميته".

السجناء السلفيون كشفوا في بيانهم المسرب من داخل السجن الأكبر في البلاد عن واقع أسموه بـ"المزري" داخل السجن متهمين وزير العدل والحكومة بإفشال خط سير العدالة التي شهدت تراجعًا عن الاتزان ورجوعًا إلى عهود القهر والاستعباد المادي والمعنوي.

وناشدت الشقيقة الكبرى للسجين السلفي ديده بنت محمد السلطات الموريتانية بإطلاق سراح صالح، وقالت في حديثها لـ"الترا صوت" أن "كفى ظلمًا طيلة مراحل العملية القضائية التي بدأت باعتقاله ومحاكمته استنادًا إلى أدلة واهية ظلمًا وعدوانًا، مرورًا بإخضاعه للإكراه البدني ووصولًا إلى شرط الإفراج عنه مقابل غرامة مالية ضخمة لا يمكنهم تسديدها".

أما الكاتب المهتم بالشأن القضائي الناجي ولد محمد سعيد، فقد كتب مقالًا حول ما اعتبره تمييزًا ضد السجين صالح ولد محمد معتبرًا "أن التمييز بدأ عند توجيه الاتهام إليه بأنه حاول بيع سيارات لجهات يحتمل أن تكون وسيطة لتنظيم إرهابي"، قائلاً "لا يخفى ما يحمله نص هذا الاتهام من تهافت، فلم تكن هناك واقعة مشخصة وإنما احتمالية واحدة تأسست على افتراض مشكوك في صحته من عدة أوجه".

ويستدرك ولد محمد سعيد "أن الإجراءات التي تم اتخاذها مع السجين صالح ولد محمد لم تتخذ مع غيره حتى من الذين يتبنون الفكر السلفي الجهادي ويتفاخرون به، فلم يحدث أن تم إخضاع أي سجين لحبس تحكمي بعد الدرجة الأولى ليساق إلى محكمة الاستئناف بإجراءات غير قانونية، ويرفع الحكم عليه من ثلاث سنوات موقوفة إلى خمس سنوات نافذة باستثناء شخص واحد يدعى سيدي ولد مولاي علي، وقد تمت محاكمته في نفس الجلسة التي تمت فيها محاكمة صالح" مؤكدًا أنه "لم يحدث إطلاقًا أن حصل ذلك الإجراء مع أي سجين آخر مهما كان تصنيفه لا قبل ذلك ولا بعده".

شهدت موريتانيا خلال العقد الأخير تناميًا كبيرًا لحجم السلفية الجهادية 

وشهدت موريتانيا خلال العقد الأخير تناميًا كبيرًا لحجم السلفية بموريتانيا وخاصة السلفية الجهادية التي قام منتسبون لها ينتمون لتنظيمات مقاتلة من بينها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، بعمليات كان أبرزها قتل أربعة سياح فرنسيين قرب مدينة ألاك شرقي العاصمة (260) كلم عام 2007، ثم قتل مواطن أمريكي يعمل مديرًا لمدرسة خاصة في نواكشوط بحزيران/يونيو 2009، بالإضافة إلى خطف عدد من النشطاء الإسبان العاملين في إحدى المنظمات الأجنبية الخيرية نهاية تشرين الثاني/نوفمبر 2009.

هذه العمليات التي راح ضحيتها أجانب في موريتانيا أطلقت عنان النظام الموريتاني لاعتقال أي مشتبه به في العلاقة بالمنفذين أو بانتمائه للفكر السلفي، لكن العديد من قادة ورموز التيار السلفي طلبوا الترخيص لحزب سياسي وهو ما تم بالفعل حيث تقدمت مجموعة من التيار السلفي في موريتانيا يقودها الشيخ محفوظ ولد إدوم بملف الترخيص لحزب سياسي حمل اسم "جبهة الأصالة والتجديد"، نهاية عام 2014.

وفي منتصف عام 2010 كانت المحكمة الجنائية في نواكشوط قد حكمت على ثلاثة متهمين بالإعدام، وهم: "محمد ولد شبارنو، ومعروف ولد الهيبه، وسيدي ولد سيدنا"، لإدانتهم باغتيال أربعة سياح فرنسيين في نهاية العام 2007 جنوب موريتانيا، وفور النطق بالحكم رد المحكومون بإطلاق تهديدات لفرنسا والفرنسيين. ووفقًا لمصادر من السجن، فإن ولد الهيبه الذي تعتبره جهات أمنية الرجل الثاني في تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، توفي في السجن بعد أن أضرب عن الطعام لمدة طويلة، وكانت المحكمة الجنائية في نواكشوط قد أدانت معروف ولد الهيبة بالإعدام، مع ثلاثة عشر آخرين بعد اتهامهم بقتل ضباط وجنود وسياح غربيين والانتماء إلى جماعات إرهابية.

ويطالب العديد من الفاعلين السياسيين ورجال الدين الموريتانيين والمهتمين بالملف بفتح حوار فكري جاد مع السجناء السلفيين على غرار الحوار الذي تم في فبراير 2010 من أجل حث السجناء على العودة إلى الفكر السليم ونبذ الفكر التكفيري، وقد أعلن السجناء السلفيون في بيانهم الأخير عن استعدادهم لأي حوار جديد مع الحكومة الموريتانية، وهو ما قد يكون فاتحة خير على الملف إن تم التعاطي معه من قبل النظام بشكل جاد، حسب مراقبين.

اقرأ/ي أيضًا: 

موريتانيا.. تنديد واسع إثر اعتقال محتجين سلميين

ناشطون محرومون من الحرية والعلاج في موريتانيا