28-يوليو-2016

(Getty)

ربما لم تتعرض دول أوروبا الغربية، منذ زمن، يمكن ترجيحه بالبعيد، إلى هجمات فردية مكثفة، كما حصل خلال الـ15 يومًا الفائتين، نفذها أشخاص مختلفو الأيديولوجيات، وانضمام اليابان إلى القائمة لاحقًا، أو يمكن التخمين أيضًا، أن السنوات الفائتة كانت ملآى بأحداث العنف المشابهة، لكن وسائل الإعلام تجاهلتها، إلى أن وجد عدو مهيئ لتحمل جميع التهم.

الضخ الإعلامي المكثف عن العنف وتنوعه في الطروحات، ومن ثم بثه إلى العالم، مرحلة يمكن تشبييهها بـ"ترويض الفريسة"، وإعدادها نفسيا للتحول إلى وحش

تقتبس باربرا ويتمر، في كتابها "الأنماط الثقافية للعنف"، عن ليونارد بيركاويتز، قائلة إن "أصل العدوان الغاضب هو في الأحداث الكريهة"، وهو ما علينا مناقشته تمامًا، في ظل ما يحدث من خللٍ في المنظومة العالمية، التي تحاول القضاء على نصف البشرية، بعد أن أصبح التكاثر مصدر قلق لها.

اقرأ/ي أيضًا: مصر..النظام يختبئ خلف ميج-35

والملاحظ من خلال جميع الهجمات التي نفذت منذ نحو 15 يومًا، وجود ثلاثة عمليات لم تأخذ طابعًا إسلاميًا، هجوم واحد ارتبط بقضية تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى ألمانيا، رغم أنه من أصولٍ إيرانية، يحمل الجنسية الألمانية، ما عدا ذلك، تبناها تنظيم "الدولة الإسلامية" جميعها.

وإذا ما عرجنا إلى اليابان، نجد أن عملية الهجوم بالسكاكين، التي نفذها ياباني على مركز لذوي الاحتياجات الخاصة، تشابه مثيلاتها من الهجمات في ألمانيا تحديدًا، ما يعني أن منفذ الهجوم في اليابان، وجد في الأخبار المكثفة عن العنف، مضمونًا يرسم من خلفة صورة متكملة لخطته، ومن المعلوم أنه كان يخضع لعلاج نفسي في أحد المستشفيات.

وعلى سبيل المثال في طريقة تعاطي وسائل الإعلام مع الهجمات التي تضرب دول أوروبا، يمكن التأكيد أنه حتى اللحظة، ما تزال وسائل الإعلام تتحدث عن صلاح عبد السلام، الناجي الوحيد من منفذي هجمات باريس، واسمه ارتبط بهجوم بروكسل، رغم مضي فترة زمنية لا بأس بها، لكنه ما زال يتصدر الأخبار، بينما أي هجوم يحصل، يأخذ الحديث حوله فترة زمنية تتراوح بين الأسبوع حتى 10 أيام، وهو ما يحاول الإعلام تقديمه من طرق مختلفة عن الانتقام.

اقرأ/ي أيضًا: 4 معلومات عن صاحب أشهر موقع للتورنت تم القبض عليه

وهنا علينا ألا ننسى أن إصدارات تنظيم الدولة، حطمت الأسطورة الهوليوودية عن العنف، وكسرت نمطيتها، أي أنها لعبت دورًا كبيرًا في لفت الأنظار إليها، في عصر يشهد نهضة الثقافة الاستهلاكية، والمجتمع الاستهلاكي، ويرافقه اكتشافات ذكية، وصلت حد الرجال الآليين، أسياد العالم القادم.

هكذا تظهر وسائل الإعلام، وما يصاحبها من تسهيلات قدمتها مواقع التواصل الاجتماعي، والثورة المعلوماتية بالمجمل، المحرك الرئيس لأي مضمون تحريضي، كما حدث في تركيزها على مصطلح "الذئاب المنفردة"، القائمون على البرامج، حوارية أو تحليلية أو إخبارية، صار المصطلح شغلهم الشاغل، تكثيف صوتي وصوري مباشر، مع ميزة المشاركة بطرح الأسئلة على المحلل عبر "تويتر" دائمًا.

وعلينا في ذات الوقت أن نتكهن، في حال أفاقت هذه الزمرة الإعلامية يومًا، ولم تجد حربًا، أو حركة متشددة، ماذا سيكون شعورها؟ لأنها تعرف ألا أحدًا يهتم لمؤخرة كيم كاردشيان، إن كانت كبيرة أو صغيرة، أو فضائح صحيفة "الديار" الجنسية، الهاربة من شرائط مواقع البورنو. ورغم أن ذلك من المستحيل أن يحدث، لكن علينا أن نتخيّل!

في هجوم الإيراني الأصل، والحامل للجنسية الألمانية، داوود علي سنبولي، على مركز للتسوق في ميونخ الألمانية، كانت مذيعة "فرانس 24" تتواصل بشكل مباشر مع ما يعرفون باسم "شاهد عيان"، حتى بعد إذاعتها خبر إعلان الداخلية الألمانية تفاصيل الحادث، ونفيها وجود أي دور للجماعات المتشددة، كانت مصرة في كل مرة على سؤال الشاهد العيان "قالوا أن منفذ الهجوم تحدث باللغة العربية"، إلى أن نبهها ضيوفها الفرانكوفونيون لإعلان الداخلية الألمانية، الذي أذاعته قبل الاتصال.

ومن هنا، غالبًا تبدو المشكلة، في هذا الضخ الإعلامي المكثف، وتنوعه في الطروحات، ومدى تحولاته الدرامية في صياغته، ومن ثم بثه إلى العالم، هي مرحلة يمكن تشبييهها بـ"ترويض الفريسة"، وإعدادها نفسيا للتحول إلى وحش، والمشاركة في رسم التحولات النفسية لتصل مكمن الانفجار، أو يمكن تلخيصها بمقولة "حيونة الإنسان".

اقرأ/ي أيضًا: 

أهم 10 مؤتمرات قمة في تاريخ جامعة الدول العربية

"زيرو كريساج".. حملة مغربية لمحاربة الجريمة