05-أبريل-2016

(Getty)

هزّت "وثائق بنما" أو "أوراق بنما" الرّأي العام العالمي، تسريباتٌ جديدة تُضاف لسابقاتها، وثائق ويكيليكس ومستندات إدوارد سنودن. على الأرجح، مفاعيل "أوراق بنما" على بلدان العالم الثّالث ستكون مثيلةً لمفاعيل ويكيليكس، أي أن لا تغيير سيطرأ ولا أحد سيهتم، مجهود الأنظمة السّلطوية وأجهزة مخابراتها إنصبّ وينصبّ على تهجين الرّأي العام، وتوجيهه في الإعلام، الاقتصاد، الحياة اليومية المجتمعية وغيرها.

"أوراق بنما" تحوي معلومات هامة، لكن التسرب قائم على جغرافيا سياسية مجهولة الغاية، ونوايا بتصفيات إقتصادية لصالح بعض الإمبراطوريات الاقتصادية

  "أوراق بنما" سُربت في توقيتٍ مريب، في حين تتبدّل خريطة الشّرق الأوسط، وتسهم روسيا بشكلٍ فعّال برسم الخريطة الجديدة، يركز الإعلام على دور إسم الرّئيس الرّوسي بوتين كنجمٍ رئيسي لفضائح شركات "الملاذ الضّريبي"، ما يفرض تلقائيًّا فرضية البعد السّياسي، أي الاستفادة من التّسريبات خدمةً لمشروعٍ سياسي، أو كورقة ضغطٍ تُستخدم في مسارين، مسار سياسي، ومسار إقتصادي، قد يهدف المسرّب من خلاله لإعادة الأصول المادية والأموال للبلدان الأصلية لا سيما الأوروبية، ما يتيح للحكومات الاستفادة منها لتدعيم الاقتصاد، لا سيما بوجود تحدّياتٍ جمّة، أبرزها أزمة اللاجئين السّوريين. 

اقرأ/ي أيضًا: تونس.. مرزوق وآخرون في شراك "وثائق بنما"

جولةٌ يسبطةٌ على موقع "الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين"، والاطلاع على تمويله وشركائه، ربطًا بغياب أي وثيقةٍ عن سياسيي الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، طبعًا تغييب إسرائيل والولايات المتحدة لا يعني أن حجم الفضيحة مقبولٌ أو ممكن التّغاضي عنه، ما يثير الرّيبة من خلفية نشر هذه التّسريبات، لا تورط لأي شركات أمريكية. أي أن التّسريب يسمى بعلم التّجسس، "تسريبٌ محدود".

"أوراق بنما" لم تفضح من حيث الأرقام التّهرب الضّرائبي المعروف أصلاً من قبل الحكومات، بل أضفت الأوراق على محتواها طابعًا دراميًا وتشويقيًا، "أوراق بنما" تحوي أرقامًا عن أموال الشّعوب المسروقة، لن يُعيدها اللصوص، سيحاسبون في بعض البلدان، لكن الفساد لن ينتهي. إنشاء شركاتٍ في بلاد "الملاذ الضّريبي" شرعي، وهناك إستحالةٌ لمنعه، دولٌ عديدةٌ في العالم تُعتبر جناتٍ ضرائبية، من يمنعها من قوننة اقتصادها؟ من يسعى أصلًا لنظامٍ عالمي اقتصادي موحد؟ أم أن الأمر سيقتصر على حصارٍ اقتصادي على دول الملاذ الضّريبي طمعًا بإعادة الأموال التي تم إيداعها في هذه البلدان؟

مشروع "الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين" بالتّعاون مع "مركز النّزاهة العامّة" مموّلٌ من منظماتٍ معروفة السّياسات والتّبعية، منظماتٌ كـ: "The Goldman-Sonnenfeldt Foundation"، التّابعة لإمبراطورية "Goldman Sachs" الاقتصادية، والتي تسعى لتحطيم خصومها في السّوق، لا سيما السّوق العقاري، فمن الطّبيعي استفادتها من هكذا تسريباتٍ قد تطيح بأسماء وشركاتٍ منافسة.

الممول الثّاني هي منظمة "The Ford Foundation"، وبفورد نعني "Henry Ford"، صاحب الخلفية الاقتصادية والرّيادة في إدارة الأعمال. المنظّمة الثّالثة المموّلة هي "Open Society Foundation"، مؤسّس هذه المنظّمة هو رجل الأعمال البليونير جورج سوروس، طبعاً، أسس المنظّمة لحبّه بالسّلام والعدالة العالمية، من هذا المنطلق، يساهم بتمويل مشروع التّسريب الإستقصائي. ومن الممولين أيضًا، "The Rockefeller Brothers Fund and Rockefeller Family Fund"، عائلة روكفلر ليسوا بحاجةٍ لتعريف، واسمهم يرتبط بما في هذا العالم من ثوراتٍ ونفوذ.

المموّل الأخير هو "مركز كارينغي للدراسات" ومركزه الرّئيسي "نيويورك"، مؤسّسه البليونير "أندرو كارينغي"، والمركز يُعنى بنشر الرّؤى التّحرّرية الأميركية في العالم، أو "السّيطرة وتوسيع النّفوذ" إذا ما أردنا استخدام مصطلحٍ آخر.

"أوراق بنما" تحوي معلوماتٍ هامّة، لكن بالنتيجة، هذا التّسرب قائمٌ على جغرافيا سياسية مجهولة الغاية، ونوايا بتصفياتٍ اقتصاديةٍ لصالح بعض الإمبراطوريات الاقتصادية من جهة، وخدمةً لسياساتٍ عالميةٍ في حرب الأقطاب القائمة، وتقسيم مناطق النّفوذ والمكاسب النّفطية والمائية.

اقرأ/ي أيضًا:

وثائق بنما.. ساسة الفساد المالي حول العالم

الجزائر..عودة شكيب خليل تثير الجدل

اللاجئون السوريون في أوروبا..إلى تركيا