17-يناير-2017

الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز بندر الجالود-الأناضول-Getty)

بعد وفاة الملك عبد الله، كان السؤال هل سيواصل الملك سلمان تهميش دور هيئة البيعة التي أنشأها من سبقه؟ وهل سيواصل الملك سلمان تطبيق "السنة المبتدعة" من سابقه في تعيين وليّ لوليّ العهد أم أنه سيعدل عنها خاصة وأن المادّة المنظّمة جعلت أمر التعيين لهذا المنصب اختياريًا وليس إجباريًا؟

 الملك عبد الله نص أن أمر تعيين شقيقه مقرن "لا يجوز بأي حال من الأحوال تعديله أو تبديله"، غير أنه حين صعد الملك الجديد نسخ ما قبله

هيئة البيعة في عهد الملك سلمان

حينما تمّت مبايعته ملكًا للبلاد بعد وفاة الملك عبد الله سنة 2015، لم يكن الملك سلمان بحاجة لتعيين وليّ للعهد له بما أنه قد كان استحدث قبل سنة منصب وليّ وليّ العهد الذي شغله الأمير مقرن بن عبدالعزيز. وبالتالي الملك سلمان هو أوّل ملك في تاريخ المملكة يفتقد لحقه في تعيين خليفته من بعده، ولكن بالنهاية استعاد الملك سلمان هذا الحقّ حينما تم إعفاء الأمير مقرن من منصبه، بعد تفعيل شكلي لدور هيئة البيعة.

اقرأ/ي أيضًا: هيئة البيعة السعودية..الإصلاح الميت 1/3

بعد أقل من أسبوع من وفاة الملك عبد الله، أصدر الملك سلمان قرارات ملكية يحبّذ العديد وصفها بثورة القصر. حيث أجرى أكبر تغيير وزاري في تاريخ المملكة مع تغييرات في هياكل سيادية وأخرى إقليمية، وذلك بإصداره لأكثر من 30 أمرًا ملكيًا دفعة واحدة. ولم يكن ليرضى الملك سلمان كذلك ببقاء الأمير مقرن وليًا لعهده فسارع في أبريل/نيسان 2015 بعد أقل من 4 أشهر من صعوده للعرش لإصدار أمر ملكي تم بموجبه تعيين محمد بن نايف وليًّا للعهد بعد إعفاء مقرن "بناءً على طلبه"، ليكون بن نايف أول أمير من الجيل الثاني يبلغ مرتبة ولاية العهد في تاريخ المملكة.

للتذكير أن الملك عبد الله نصّ سابقًا أن أمر تعيين شقيقه الأمير مقرن "لا يجوز بأي حال من الأحوال تعديله أو تبديله، بأي صورة كانت، من أي شخص كائنًا من كان، أو تسبيب، أو تأويل". غير أنه بالنهاية، حين صعد الملك الجديد نسخ ما قبله فلا حاكم إلا الملك المُبايع ببساطة.

وقد تزامن تعيين الأمير بن نايف كوليّ للعهد مع تعيين الأمير محمد بن سلمان كوليّ لوليّ العهد لسدّ الشغور الحاصل في هذا المنصب بعد وفاة الملك عبد الله. وبالتالي واصل الملك سلمان في "السنة المبتدعة" واستغلّ هذا المنصب الجديد لتعزيز مكانة نجله، فانقلب سلاح متعب بن عبد الله على صاحبه.

وقد أصدر الملك سلمان قراريْ التعيين المنفصلين شكلًا ضمن حزمة واحدة في فجر يوم 29 أبريل/نيسان 2015، وكأن الملك أراد الحسم بسرعة دون ترك فراغ قد يتجاوزه. الملاحظ بداية أنه تم التنصيص في أمر تعيين الأمير محمد بن سلمان بأنه تم ذلك بعد اقتراح "كتابي" من وليّ العهد بن نايف الذي تم إصدار تعيينه لهذا المنصب في نفس وقت إصدار أمر تعيين بن سلمان، وهو ما يعني عدم إمكانية ممارسة بن نايف لا من الناحية القانونية ولا من الناحية الفعلية لسلطته كوليّ للعهد ليقوم باقتراح وليّ لوليّ العهد. بالنهاية، خضع هذا "التصعيد" لهندسة الملك سلمان.

لكم لم يكن ليمرّ ذلك دون المرور عبر هيئة البيعة ولكن بصفة شكليّة لا فعليّة. لم يقم الملك سلمان بتطبيق نظام البيعة، ولم يقم حتى بدعوتها للإعلام بقراراته كما فعل شقيقه الملك عبد الله سابقًا، بل وقع تجاوزها بعدم عقد اجتماع للهيئة ولكن مع إعلان موافقتها في نفس الوقت. حيث تحدّث الأمر الملكي المتعلق بتعيين محمد بن سلمان عن مجرّد حصول "الاطلاع" على موافقة "الغالبية العظمى" لأعضاء هيئة البيعة. وبذلك استغل الملك سلمان الهيئة كعنوان لتمرير قراراته ولكن دون احترام لنظامها وإجراءات عملها.

وقد أعلنت قناة العربية وقتها، المقربة من القصر الملكي، أن الأمير محمد بن سلمان نال 28 من أصل 34 صوتًا من أعضاء هيئة البيعة، ليكون وليًا لولي العهد وتحفّظ اثنان ورفض أربعة أعضاء، ولكن دون إشارة أنه حصلت عملية تصويت في اجتماع رسمي وفق ما يقتضيه نظام الهيئة، وعلى الأرجح أن عملية الحساب تمت بعدّ الأمراء الذين أعلنوا مبايعتهم لابن سلمان خاصة وأن الاقتراع من المفترض أن يكون سريًا وفق نظام الهيئة كذلك.

ليست هيئة البيعة وحدها التي تنظم السلطة السعودية، حيث يوجد نظام أصدره الملك فهد ينص على أن المبايعة للحكم تكون لـ"الأصلح للحكم"

عدا ذلك، هي المرة الأولى التي يتم فيها الإعلان عن نتائج التصويت بالتفصيل، وقد أورد الخبر حينها أسماء عدد من الأمراء الذين صوتوا لصالح التعيين، ولعلّه لم تكن هذه التسريبات إلا في إطار الدعاية للأمير الثلاثيني الصاعد. فهل كان سيُشير الملك سلمان لهيئة البيعة ولو بصفة هامشية في قرار تعيين نجله وليًا لولي العهد إن لم يكن يعلم بأن الغالبية تؤكد قراره؟ لا يرجح ذلك. فعلى فرض عدم وجود الغالبية فإن ذلك لم يكن ليعيق الملك سلمان لتمهيد الطريق لنجله بالنهاية.

وهذه المرّة، لم يتردّد الأمير طلال بن عبد العزيز لإعلان رفضه القاطع لقرارات الملك التي وصفها بـ"الارتجالية" بل ذهب للقول بـ"عدم السمع والطّاعة" لها. وأضاف أنه "لا يجوز صدور أنظمة أو قوانين لا تُحترم" في إشارة لعدم تطبيق نظام هيئة البيعة. واقترح الأمير طلال حينها في بيان صادر عنه تجاوز هيئة البيعة بعقد اجتماع عامّ يضم أبناء الملك المؤسس وبعض أحفاده المنصوص عليهم في الهيئة إضافة إلى بعض أعضاء هيئة كبار العلماء ومجلس الشورى "للنظر في الأمور".

وعمومًا بالنهاية، لم يقع للمرة الثالثة تفعيل هيئة البيعة وتطبيق لوائحها التنظيمية، بل تمثّلت بالنهاية كغطاء إجرائي تم استغلاله لتعزيز شرعية القرارات المُتخذة من الملك.

اقرأ/ي أيضًا: هيئة البيعة السعودية..مشروع الملك عبداللله2/3

هيئة البيعة أداة في صراع النفوذ داخل الأسرة

ليست هيئة البيعة هي أولى النصوص التنظيمية المتعلقة بتنظيم السلطة في المملكة، حيث يوجد نظام للحكم أصدره الملك فهد سنة 1992 وهو بمثابة دستور للبلاد ينصّ على أن المبايعة للحكم تكون لـ"الأصلح للحكم" دون تحديد مرجع لاختيار الأصلح غير أنه وبموجب وصية متواترة من الملك المؤسس ووفق سنة تداول الحكم، جرى عُرف على اختيار الأكبر سنًا مع إمكانية صعود الأصغر على شرط مبايعة الأكبر منه وهكذا.

وهو ما تمّ طيلة تاريخ المملكة، حيث بعد وفاة الملك المؤسس تولى السلطة ابنه الأكبر سنّا الملك سعود (1953-1964)، قبل عزله ليتولّى الملك فيصل الشقيق الأكبر سنًا الحكم (1964-1975)، وبعده الملك خالد (1975-1982) بعد مبايعة شقيقه الأكبر الأمير محمد، ولاحقًا تولى الحكم الملك فهد (1982-2005)، وهو الأكبر سنًا كذلك وثم الملك عبد الله (2005-2015) بعد مبايعة شقيقه الوحيد الأكبر منه الأمير بندر الذي لم يتولَّ أصلًا أي منصب في الدولة منذ تأسيسها.

عموما لم تكن هيئة البيعة التي تم إنشاؤها سنة 2006 بعيدة عن التطورات العاصفة داخل العائلة المالكة، ولم تلعب الهيئة إلا دورًا هامشيًا

وحاليًا يتولى الحكم الملك سلمان منذ 2015 وهو الملك الوحيد الذي يصعد للسلطة تاركًا خلفه 5 أشقاء أكبر منه سنًا وهم الأمراء بندر ومشعل (انسحب من الحياة السياسية وهو رئيس هيئة البيعة) و"عبد الرحمن" نائب وزير الدفاع بين 1983 و2011 قبل أن يقيله الملك عبد الله لرفضه مبايعة الأمير نايف لولاية العهد، و"متعب" وزير الشؤون البلدية والقروية قبل اعتزاله الحياة السياسية، وأخيرًا، "طلال" زعيم حركة الأمراء الأحرار قبل نفيه وعودته للبلاد بداية الثمانينيات بشرط عدم تدخله في الحياة السياسية.

ولعلّ أهم تغيير ورد في نظام هيئة البيعة هو تجاوز عرف تسليم الحكم حسب السنّ مع إمكانية تصعيد الأصغر بشرط مبايعة الأكبر، وذلك بوضع قاعدة قانونية حول خضوع التصعيد لمبدأ التوافق وثم للانتخاب في حال تعطّله، أي أنه يمكن قانونا تصعيد الشقيق الأصغر دون عرف مبايعة الشقيق الأكبر.

وبالتالي أكبر الخاسرين من هذا النظام الجديد هم الأمراء الأكبر سنًا، وهو ما يفسّر عدم مبايعة الأمير عبد الرحمن لشقيقه نايف الأصغر منه سنًا وهو ممّا أدى لإقالته من وزارة الدفاع سنة 2011، وهو ما يفسّر كذلك استقالة الأمير طلال من عضوية الهيئة سنة 2015. إذ تمثّلت هيئة البيعة بالنهاية كأداة مؤسساتية فاعلة استغلها الملك عبد الله وثم الملك سلمان في صراع النفوذ لإقصاء أمراء وتصعيد آخرين.

وفي هذا السّياق، تمثل الوزارات الثلاث الحاملة للسلاح عنصرًا حاسمًا في التوازنات داخل العائلة المالكة. فوزارة الدفاع كان يتولاها ولي العهد الأمير الراحل سلطان وذلك منذ 1962 إلى وفاته سنة 2011، وقد آلت من وقتها للملك سلمان قبل أن يعطيها لنجله الثلاثيني الأمير محمد، ولعلّ أكبر الخاسرين في السنوات الأخيرة هم أبناء الأمير سلطان وأولهم الأمير خالد الذي تمت إقالته من نيابة وزارة الدفاع سنة 2013، وبذلك خسر أبناء سلطان معقلهم التاريخي وهي وزارة الدفاع.

أما وزارة الداخلية فكان يتولاها ولي العهد الأمير الراحل نايف وذلك منذ 1975 إلى وفاته سنة 2012، وقد آلت لشقيقه الأمير أحمد الذي لم يلبث فيها إلا بضعة أشهر ليستعيد الأمير القوي محمد بن نايف الوزارة من عمّه. حيث استطاع بن نايف، وعلى خلاف ابن عمه خالد بن سلطان، أن يحافظ على المعقل التاريخي للوالد. أما وزارة الحرس الوطني فكان يقودها منذ تأسيسها بداية الستينيات الملك عبد الله قبل أن يخلفها لنجله متعب سنة 2010.

وعمومًا لم تكن هيئة البيعة التي تم إنشاؤها سنة 2006 بعيدة عن التطورات العاصفة داخل العائلة المالكة، ولم تلعب الهيئة إلا دورًا هامشيًا على محدودية صلاحياتها وفاعليتها بصفة أصلية. ولعلّ أوّل من تجاوز هذه الهيئة هو الملك عبد الله الذي أحدثها بنفسه تحت عنوان الإصلاح، فـ"المصلحة العامة" والتي دائما ما يتم التنصيص عليها في تأسيس القرارات الملكية تنسخ ما دونها، والملك هو الوحيد الذي يملك شرعية تقدير هذه المصلحة.

بالنهاية عرفت الأسرة المالكة في العشرية الأخيرة الفارطة تطوّرات حاسمة. حيث فقدت ملكين هما الملك فهد سنة 2005 والملك عبد الله سنة 2015، كما فقدت وليي عهد هما الأمير سلطان سنة 2011 والأمير نايف سنة 2012. كما تم خلال هذه الفترة إنشاء منصب وليّ وليّ العهد لأول مرة سنة 2014 وتم تعيين الأمير مقرن قبل أن تقع الإطاحة به بمجرد صعود الملك سلمان في سلسلة أحداث تصاعد فيها نفوذ جناح من الأمراء وتراجع نفوذ آخرين وتحديدًا أبناء الأمير سلطان الذين تم إقصاؤهم من الخطط المحورية في الدولة بعد وفاة والدهم. وهي سلسلة أحداث لم يكن إلا الملك، ملك الموت، هو الدافع الرئيسي لحدوثها وتلاحقها.

ليظل السؤال، أي دور ظلّ لهيئة البيعة في الفترة المقبلة في وسط الاستعدادات لصعود أمير من الجيل الثاني للعرش لأول مرّة في تاريخ المملكة وتحفّظ بعض الأعمام الذين ما زالوا على قيد الحياة وذلك بالإضافة لعشرات أبناء العمومة من أصحاب النفوذ أو التأثير؟

اقرأ/ي أيضًا:

كيف خسرت السعودية في مصر؟