05-نوفمبر-2015

من الفيلم

بعض الترجمات أطلقت على الفيلم اسم "القاتلة"، وأخرى أسمته "المغتالة"، ولكن في الكتابة الصحيحة وبعد مشاهدة الفيلم الصيني THE ASSASSIN 2015 للمخرج التايواني HOU HSIAO – HSIEN  يمكننا أن نطلق عليه العديد من الأسماء التي تتناسب مع مضامينه العاطفية المتوغلة بعمق في رسم شخصياته وخط سير أفعالها.

THE ASSASSIN فيلم يمكننا أن نطلق عليه العديد من الأسماء التي تتناسب مع مضامينه العاطفية

نحن الآن في الصين قبل 1300 عام، نقف عند قرار قتل الملك، ولكن ما الذي يجعل القاتلة تتراجع عن ذلك وتدير ظهرها لعدوها معلنةً انسحابها؟ فالفتاة التي تريد تنفيذ هذه المهمة قد تدربت من أجلها سنوات طويلة وعاهدت نفسها ومعلمتها أن تقوم بذلك. إذن نحن في أكثر اللحظات حساسية من الحكاية الصينية، عندما يحين الوقت للوفاء بالعهد كما تم الاتفاق منذ سنوات. 

تميزت شخصيات هذا الفيلم بأن لها وجوهًا وكأنها من الشمع لا آثار للمشاعر والعواطف أو الأسى والتعب عليها، لا تعابير تلون هذه الوجوه وكأنها صفحة بيضاء تخلو من الكلمات، ولكن الذي تستطيع استشفافه خلال مشاهدتك للفيلم أن ما يحرك هذه الشخصيات هو مخزون الزمن الذي يتربص في قلبها، قتل للانتقام من الملك والعشيق هو المفتاح الأهم في فهم تكوين شخصية البطلة التي تريد اغتيال الملك لأسباب سياسية، ولكنها ترتب في العمق لعملية قتل عشيقها والذي أوثقت والدتها رباطهما قبل وفاتها، وبعد تخليه عن هذا الرباط قررت أن تمضي سنوات من شبابها في تدريبات القتال لكي تتمكن من الانتقام. وأبعد من ذلك فإن هذا الملك لا يتوانى لحظات عن إبراز كل مهاراته القتالية والحياتية للدفاع عن نفسه. ولكن الشيء الذي لم يكن بالحسبان أن تتهاوى كل تلك القوة أمام مشهد يكون فيه الملك يلعب مع ابنه في إحدى الغرف وعندما تحين الساعة المنتظرة يقلب الأمر.

اعتمد المخرج على موتيفات مكانية وحسيّة أشبعت الصورة السينمائية  حيث القصر المليء بالسواد والغموض ينبئ بالموت بكل ما فيه، والخارج المشبع بألوانه الشفافة التي تؤكد أن لا قتل هنا. جبال الصين الشاهقة ومناظر الطبيعة التي تأتي كاستراحة محارب بعد أن أنزل عن ظهره حمل سنوات. تستطيع فيها أن تلتقط أنفاسك التي سحبت منك في متابعة قصة ليست بوليسية ولا هوليودية، بل أنت أمام تجربة إنسانية تمر باحترافية عالية لتحاكي قلبك وعقلك.

تتلمذت القاتلة على يد راهبة علمتها الفنون القتالية ولكنها نسيت أن تعطيها درسًا في قواعد الحياة، هذه الفتاة التي كبتت صراع عاطفة وعقل عمره سنوات وجاء اليوم المخرج التايواني ليقول لنا أنه مازال موجودًا ويجب أن تحسب عقباه. هذا ما لم يستطع الكثير فهمه ولربما تناساه البعض ما الذي يريده من كل ذلك في أزمنة قد خلقت للقتال والحروب؟ لربما وقفنا في هذا الفيلم أمام نوع آخر من الجرائم البشرية، هي جريمة بكل خطواتها من لحظة التصميم على القتل وخلال التهيؤ للجريمة حتى لحظة التراجع، حيث لانرى أية دموع أو حوارات طويلة من شأنها أن تنقص من جماليات الصورة أو أية عوالم أخرى تعيق الحدث الذي يتكون من ممثل وفعل يحفظه جيدًا بل ويكاد يمتلئ به، يوقعك تحت وطأة الحاضر في لعنة ساحر لا يمكنك الفكاك منها. لذلك هو يفضل عدم الكلام والتحرك بحركات قليلة لعله يستطيع أن يقول مايحمله العالم. 

تميزت شخصيات "القاتلة" بأن لها وجوهًا قدت من الشمع لا آثار للمشاعر والعواطف أو الأسى والتعب عليها

لايوجد هنا مكان لأبطال المسرحي الكلاسيكي جان راسين ولكن أرواح تلك الشخصيات تعبث بالمكان، ملك/حبيب، قاتل/محب. وصراع على قاعدة أخلاقية تنكرها ضرورات القتل الدنيوية. لا يمكن المرور على هكذا فيلم دون الإحساس بالموسيقى التصويرية والتي كان لها نصيب من الجوائز حيث حصل الفيلم إلى جانب جائزة أفضل إخراج في مهرجان كان هذا العام على جائزة أفضل ساوند تراك، فبين الطبول التي تقرع ببطء وتحيلك مرارًا مثل كل عناصر الفيلم إلى فعل القتل والذي يقوم عليه الفيلم، إلى الأصوات الطبيعية التي تعمل على تغليف كل الأفعال بإطار اللحظة الحاضرة ليس فقط لمتابعة ما سيجري بل لتشبع انبهارك مما سيحدث.

يتبادر إلى ذهني فور مشاهدة البطلة القاتلة تتراجع عن قرارها فيلم المخرج البولندي كريستوف كشلوفسكي "فيلم قصير عن القتل" لربما لم نفكر يومًا أن هناك قواعد للقتل. وأن للقتل حد يمكن التراجع عنه والعودة أشواطًا إلى الوراء لمعالجة كل الأفعال المتراكمة ورميها في نقطة ما.

اقرأ/ي أيضًا:

"عيون الحرامية".. استعادة الانتفاضة الثانية

فن الإتيكيت للخليلات.. كيف تكونين عشيقة ناجحة؟