05-فبراير-2017

الملك الأردني عبد الله الثاني مع وزير الخارجية الأمريكي ركس تيلليرسون (وين مكنامي/Getty)

يبدو أن الإدارة الأمريكية الجديدة بدأت العمل بأكثر فاعلية على تشكيل تحالف عسكري لقتال تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا والعراق على عكس الحالي، وهو ما يربط مع إعلان "القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية-الجيش العربي" استهداف مواقع للتنظيم في منطقة "حوض اليرموك" غربي "درعا" في الجنوب السوري.

ترى الأردن أن تحالفها مع ترامب سيجعلها تستعيد دورها الإقليمي في المنطقة، بعدما دخلت على خط اجتماعات "أستانا"

وكالة الأنباء الأردنية في بيان نقلته عن القيادة العامة، أمس السبت، قالت إنه: "قامت مقاتلات سلاح الجو الملكي بتدمير مستودعات للذخيرة ومستودع لتعديل وتفخيخ الآليات وثكنات لأفراد من عصابة داعش الإرهابية المجرمة باستخدام طائرات بدون طيار وقنابل موجهة ذكية"، مشيرة أن العملية قتلت عددًا من العناصر، ودمرت مجموعة من الآليات.

اقرأ/ي أيضًا: النظام السوري يدخل سباق السيطرة على مدينة الباب

إلا أن العملية الأخيرة التي نفذها الجيش الأردني في الجنوب السوري، جاءت بعد سلسلة من التجاذبات السياسية، واللقاءات مع دولتين فاعلتين في الشأن السوري، كانت الأردن محورها الأساسي، وجاءت بدايتها عبر حديث رئيس هيئة الأركان المشتركة في القوات المسلحة الأردنية، محمود فريحات، مع شبكة BBC نهاية العام الفائت، عندما أكد أن بلاده منذ بداية الأزمة السورية لم تعمل ضد النظام السوري، وأن "العلاقات الدبلوماسية لا تزال موجودة مع سوريا".

كما شدد فريحات على أنهم عملوا على تدريب فصائل معارضة منها جيش "العشائر" بدعم غربي لقتال تنظيم الدولة في المنطقة الشرقية وليس قوات النظام، تبعها بعد أقل من شهر في الـ26 من كانون الثاني/يناير، ذكرت صحيفة "رأي اليوم" الأردنية أن وفدًا عسكريًا سوريًا زار العاصمة عمان التقى خلاله عسكريين أردنيين، مشيرة إلى أن الوفدين بقيا أثناء اللقاء "على اتصال في الجانب الفني من الاتصالات بخبراء من موسكو وواشنطن".

في اليوم التالي من الخبر الذي نشرته الصحيفة الأردنية، عادت وكشفت نقلًا عمن وصفتهم بـ"أوساط دبلوماسية غربية وروسية في العاصمة الأردنية عمان"، أن "الجانب الروسي ينسق مع الأردن بشأن تأسيس نقطة تحول في العلاقة الأردنية السورية"، مضيفة أن ذلك يشمل "خطوات لإعادة بناء الثقة في التعامل وتبادل المعلومات، واستعادة ما يمكن في مجالات التنسيق خصوصًا ضد التنظيمات الإرهابية".

وبموازاة اللقاءات السورية-الأردنية برعاية خبراء روس وأمريكيين، كان الملك عبد الله الثاني في الـ25 من الشهر عينه يجري زيارة رسمية لنظيره الروسي فلاديمير بوتين، بحث الجانبان خلالها حلول التسوية للأزمة السورية، ومحاربة الإرهاب، ألحقها عاهل الأردن بعد خمسة أيام بواحدة مماثلة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وسط احتفاء الإعلام الروسي باللقاء الأردني-الأمريكي.

واعتبرت صحيفة "كوميرسانت" الروسية أن اختيار الولايات المتحدة للأردن "شريكًا" يرجع لأنها تريد "بدء استراتيجية أمريكية جديدة في الشرق الأوسط"، إضافة لـ"الدور الفريد، الذي تلعبه المملكة في هذه المنطقة الاستراتيجية"، منوهةً أن الأردن هي "الدولة العربية الثانية بعد مصر التي وقعت اتفاق سلام مع إسرائيل في سبعينيات القرن الماضي، ولديها علاقات دبلوماسية مع تل أبيب، وتلعب دورًا نشيطًا في تسوية القضايا الإقليمية والنزاعات في العالم العربي".

هذا من الجانب الدبلوماسي الذي قادته الأردن قبيل إعلانها تنفيذ الضربة الجوية، لكن من الناحية المقابلة، وبعد توارد الأخبار المؤكدة حجم التقارب السوري-الأردني، قام تنظيم الدولة وفق ما نقل "المرصد السوري لحقوق الإنسان" في الـ31 من الشهر الفائت بتوزيع منشورات في مخيم "الركبان" للنازحين (يبعد 7 كم عن الحدود الأردنية)، هدد فيها باقتحامه قريبًا بسبب أن "النازحين يجندون أبناءهم مع الفصائل الأمريكية والبريطانية".

اقرأ/ي أيضًا: تقدير موقف..المشهد السوري بعد أستانا

كذلك ذكر المرصد السوري في الـ3 من الشهر الجاري، أن اشتباكات دارت بين فصائل المعارضة السورية من طرف، وجيش "العشائر" من طرف آخر، بعد اقتحام الأولى لمخيم "الركبان" بحثًا عن "خلايا نائمة لتنظيم الدولة الإسلامية، ومندوبي استلام المعونات"، سرعان ما نقلت وكالة أنباء محلية عن تسوية الخلاف بين الطرفين، وأن سببه كان عدم التنسيق بينهما.

ومن المعروف أن مخيم "الركبان" شهد هجمات مختلفة من قبل تنظيم الدولة، ما دفع السلطات الأردنية لإغلاقها الحدود مع سوريا من ناحية المخيم، وإعلانها "منطقة عسكرية" في الـ21 من حزيران/يونيو الفائت، حيث قالت وكالة الأنباء الأردنية إنه وردت "تعليمات بالتعامل مع أي تحركات للآليات والأفراد ضمنها، دون تنسيق مسبق باعتبارها أهدافًا معادية"، على خلفية استهداف إحدى نقاط حرس الحدود الأردني بسيارة مفخخة صباح اليوم ذاته.

وبعد يوم واحد من اقتحام فصائل المعارضة لمخيم "الركبان"، نفذت المقاتلات الأردنية غاراتها على مواقع جيش "خالد بن الوليد" المبايع لتنظيم الدولة في منطقة "حوض اليرموك" قرب الحدود الأردنية، إضافة لرمزية التاريخ، والذي يصادف نشر التنظيم لإصدار مرئي يظهر حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة.

وبناء على ما سبق من سرد سريع استبق الضربات الجوية الأردنية ضد تنظيم الدولة في سوريا، تشير عجلة الأحداث الواردة إلى أن الأردن لم يكن منسجمًا مع قرارات إدارة الرئيس السابق أوباما، وهو ما انعكس سلبًا على التواجد العسكري الأمريكي في القواعد الأردنية، من ضمنها مقتل العسكريين الأمريكيين الثلاثة في الـ4 من تشرين الثاني/نوفمبر الفائت، بعد إطلاق نار متبادل عند بوابة قاعدة "الأمير فيصل" في منطقة "الجفر".

يشهد التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة في العراق وسوريا إعادة هيكلة من الجانب العسكري، تكون تركيا محوره في الشمال، والأردن في الجنوب

ولوحظ أنه منذ نشر المقطع الذي يُصور إعدام الطيار معاذ الكساسبة حرقًا، خفف الأردن من تواجده العسكري في التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن، والذي يرجح أنه جاء على خلاف في وجهات النظر مع الإدارة الأمريكية، جعله يتراجع عن الدور الفاعل في التحالف منذ تأسيسه.

ويظهر أن الإدارة الأمريكية الجديدة تسير تجاه إعادة تفعيل التحالفات السابقة لكن بطريقة أكثر فاعلية، ولذا ليس غريبًا أن تكون الأردن المنسق للاتصالات الأمريكية-الروسية من جهة، والسورية-الأمريكية من جهة أخرى، وهو ما يربط بتأكيد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على عدم وجود خلاف مع النظام السوري، وأتبعها حديث الصحافة الأمريكية عن إجراء عضوة الكونغرس، تولسي غابارد، زيارة لسوريا منتصف الشهر الفائت تقريبًا.

فيما ترى الأردن أن تحالفها مع إدارة الرئيس ترامب سيجعلها تستعيد دورها الإقليمي في المنطقة، إضافة لأنها دخلت على خط مفاوضات المعارضة السورية في "أستانا"، بعد اللقاءات التي أجراها الملك عبدالله مع ترامب وبوتين كل على حدى، فيما كان الجانب العسكري يجري تنسيقًا مع النظام السوري لوضع آلية مشتركة من أجل استعادة مدينة "تدمر" في البادية الوسطى من تنظيم الدولة.

وعلى ضوء ما ذكر يتوقع أن إدارة الرئيس ترامب بدأت تعيد رسم التحالفات العسكرية التي كانت أبرمتها إدارة سلفه أوباما، ويدخل في إطارها كشف المتحدث باسم "قوات سوريا الديمقراطية"، طلال سلو، عن تلقي دعم عسكري من الإدارة الأمريكية الجديدة، والذي ناقضه المتحدث باسم التحالف الدولي، جون دوريان، عندما قال إن الدعم كان "استنادًا إلى أذونات قائمة" في إشارة للإدارة الأمريكية السابقة، متداركًا إعراب مسؤولين أتراك عن قلقهم، وقول نائب رئيس حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، ياسين أقطاي، إن بلاده: "لن تكتفي بالمتابعة، وستفعل ما يلزم"، وهو ما يعني حرص إدارة ترامب على أن تكون تركيا من أبرز حلفائها في معاركها ضد تنظيم الدولة.

وليس غريبًا أن يشهد التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة في العراق وسوريا إعادة هيكلة من الجانب العسكري، تكون تركيا محوره الرئيسي في الشمال، والأردن محورًا مماثلًا في الجنوب، بمشاركة روسية-أمريكية للتسريع في عملية القضاء التنظيم الذي تواجه مناطق سيطرته انحسارًا واضحًا.

وعليه فإن الضربة الجوية الأردنية، وقبلها اللقاءات والتصريحات المرتبطة بالأزمة السوري، تؤكد أن نظام الأسد خارج أي تفصيل يرتبط برحيله، أي أنه سيكون من بين القوى التي سيتم التنسيق معها ضد تنظيم الدولة، خصيصًا وأن القيادة العسكرية الأردنية من بين الجهات الدولية التي تشرف على غرفة عمليات "موك" في الجنوب السوري، وتضم عددًا من فصائل المعارضة، وهو ما يشكل ورقة ضغط قد يستفيد منها النظام السوري في حال قرر توجيه قواته للمناطق الخارجة عن سيطرته في محافظتي "درعا" و"القنيطرة".

اقرأ/ي أيضًا: 

"هيئة تحرير سوريا"..الفصائل المتشددة تتوحد