06-يناير-2017

وزيري الخارجية الروسي والإيراني خلال اجتماع مؤتمر موسكو (فاتح أكتاس-الأناضول)

لوهلة بدا أن الأزمة السورية قد دخلت العام الجديد على أمل انفراج في مفاوضات تفضي باتفاق لحل سياسي بين المعارضة والنظام، بعد اتفاق وقف إطلاق النار الموقع بينهما نهاية العام الفائت، بضمانة روسية – تركية مشتركة حسب ما أظهرت الوثائق، إلا أنه على ما يبدو فإن الهدنة تسير إلى جانب مثيلاتها من الهدن السابقة، نتيجة رفض قوات النظام و"حزب الله" اللبناني الالتزام بها، وتكثيف هجومهم البري على "وادي بردى" بريف دمشق الغربي، ومحاولتهم التقدم إلى نقاط جديدة في منطقة "مرج السلطان" بريف دمشق الشرقي.

على ما يبدو أن الهدنة السورية تسير إلى جانب مثيلاتها من الهدن السابقة، نتيجة رفض قوات النظام و"حزب الله" اللبناني الالتزام بها

وكانت تركيا كثفت خلال الأيام الأخيرة دعواتها لضبط الميليشيات المدعومة من إيران، وطالبت التزامها ببنود وقف إطلاق النار الموقع بين الأطراف السورية، قابلته الأخيرة بتصعيد عسكري على الأرض في "وادي بردى" بذريعة تواجد جبهة "فتح الشام" في المنطقة، وهو ما نفاه مسؤولون في المعارضة السورية، وأكدوا لوسائل إعلام محلية وعربية غياب أي تواجد لـ"فتح الشام" في منطقة الوادي، منذرين بكارثة إنسانية تهدد حياة أكثر من مائة ألف مدني.

اقرأ/ي أيضًا: هل ينجح النظام السوري باستعادة وادي بردى؟

وأظهر الاتفاق بين النظام والمعارضة السورية برعاية تركية – روسية، انزعاجًا واضحًا داخل الأوساط الإيرانية، أعربت خلاله عن مخاوفها من تحييد تواجدها داخل سوريا، قبل أن يتم تجميد تدخلها، وهو ما نقله تقرير لموقع "تاب ناك" الإيراني، التابع لقائد "الحرس الثوري" الإيراني السابق محسن رضائي.

وشهد اليومان الماضيان، تصريحات مكثفة للمسؤولين الإيرانيين، هاجموا فيها انتقاد وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، لقوات النظام و"حزب الله" بخرقهم لوقف إطلاق النار، ودعوته في وقت سابق جميع الميليشيات الأجنبية التابعة لطهران بمغادرة سوريا، وصلت حد إعلان مستشار المرشد الأعلى في إيران، علي أكبر ولايتي، تأكيد بقاء "حزب الله" في سوريا، حتى بعد التوصل لاتفاق انتقال سياسي للسلطة.

وبدا لافتًا تسلم رئيس النظام السوري بشار الأسد من رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، أمس الخميس، رسالة شفهية نقلها مستشاره للأمن الوطني فالح الفياض، أكد فيها "أهمية التعاون والتنسيق القائم (بين الطرفين) في حربهما ضد التنظيمات الإرهابية" بحسب ما نقلت وسائل إعلام تتبع للنظام السوري.

وأكثر ما يلفت في الرسالة الشفهية المنقولة من النظام العراقي لنظيره السوري، أنها جاءت في الوقت الذي تلتفت فيه الأنظار لزيارة رئيس الحكومة التركية، بن علي يلدريم، أمس الخميس للعاصمة بغداد، قبل أن يعلن المتحدث باسم رئيس الحكومة العراقية، سعد الحديثي، تأجيل الزيارة ليوم السبت، ما يرجح فرضية ممارسة طهران ضغوطًا على العبادي لتأجيل تلك الزيارة، نتيجة الخلافات بشأن الملف السوري، وتهديد جاويش أوغلو بإمكانية فشل مفاوضات "الأستانا" المرتقبة في الـ23 من الشهر الجاري، في حال لم تستطع إيران لزم ميليشياتها بوقف إطلاق النار.

وحتى اللحظة لم تظهر أي بوادر إيجابية من قبل النظام السوري والميليشيات المقاتلة إلى جانبه تشير لالتزامهم بوقف إطلاق النار، واستطاع النظام السوري في اليومين الماضيين السيطرة على أجزاء محدودة في "وادي بردى"، فيما أمهل وفده فصائل المعارضة المتواجدة في بلدات جنوب دمشق أسبوعًا للموافقة على بنود "المصالحة الوطنية"، والتي تنص على تسليم المعارضة 70% من مخزون سلاحها، واندماجها تحت قيادة عسكرية واحدة من أجل قتال تنظيم "الدولة الإسلامية"، وجبهة "فتح الشام" المتواجديّن في (مخيم اليرموك، الحجر الأسود، والتضامن) بالتنسيق مع النظام السوري، بحسب ما نقلت وسائل إعلام محلية.

اقرأ/ي أيضًا: سوريا..هدنة النوايا الحسنة؟

وفي الوقت الذي أعلنت المعارضة السياسية رفضها الذهاب لمؤتمر "الأستانا" ما لم يلتزم النظام السوري والميليشيات الأجنبية بوقف إطلاق النار، يسعى الأخير للاستفادة من عامل الوقت كما حصل مع الهدن السابقة، واستعادة بلدات جنوب دمشق بأقل الخسائر الممكنة، ما يدل على عدم استطاعته التصعيد عسكريًا على جميع الجبهات المتاخمة لمحيط العاصمة دمشق، وهي معطيات تشير أنه يولي اهتمامًا كبيرًا لـ"وادي بردى"، كونها تُعتبر منطقة استراتيجية تجعله أكثر قربًا من باقي مدن وبلدات ريف دمشق الغربي الخارجة عن سيطرته.

أعلنت المعارضة السورية رفضها الذهاب لمؤتمر "الأستانا" ما لم يلتزم النظام بالهدنة، بينما يسعى الأخير للاستفادة من عامل الوقت 

وبموازاة ذلك تريد الحكومة التركية الانتهاء من عملية السيطرة على مدينة "الباب"، أخر معاقل "تنظيم الدولة" في ريف حلب الشمالي، لتبدأ بعدها عملية استعادة مدينة "منبج" من "قسد" التي تقودها القوات الكردية، ويبدو أن تركيا راغبة بالسيطرة على "الباب" بأسرع وقت ممكن، ولعل ذلك التفسير الأوضح لمطالبتها التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن بتقديم الدعم الجوي لها في المنطقة، وهو ما يثير مخاوف طهران من ازدياد النفوذ التركي في الشمال السوري، حيث ترى من خلاله تهديدًا لمصالحها في سوريا.

ويتوقع أن تشهد الفترة القادمة ممارسة ضغوط روسية على النظامين السوري والإيراني للالتزام بوقف إطلاق النار، بسبب الاهتمام الذي تبديه روسيا لإنشاء تحالف مع تركيا، بعد أن بدأت الأولى تصعد عسكريًا ضد حلف الشمال الأطلسي (الناتو)، والذي بلغ ذروته العام الفائت، وترى في تركيا أحد أبرز أعضائه، حليفًا قويًا يساعدها في إزالة التوتر بين الطرفين، إضافة لما أوردته غالبية وسائل الإعلام عن منع "حزب الله" وفد روسي من التوجه لـ"وادي بردى" مرتين في أقل من ثلاثة أيام، رغم تأكيد مصدر عسكري روسي أن الأخبار المتداولة "عارية عن الصحة جملة وتفصيلًا"، لكن ذلك لن يمنع من تدخل روسي حازم في حال تم التوصل لاتفاق نهائي لوقف حدوث مثل هذه الخروقات.

التصريحات المختلفة بين المسؤولين الأتراك والإيرانيين تقول إنه ليس مستبعدًا أن يتم تأجيل اجتماع "الأستانا" شهرًا إضافيًا، كون النظام السوري والميليشيات الأجنبية المدعومة إيرانيًا، تحاول تحقيق مكاسب جديدة على الأرض، وتحديدًا في محيط العاصمة دمشق، تمكنها من دخول المفاوضات بوضع أفضل، ويساعدها في إحراز مكاسب من بنود الاتفاق، وهو ما يمكن أن يعرقل الجهود التركية، التي تحاول التوصل لوقف إطلاق نار دائم، وتوحيد القوى لقتال "تنظيم الدولة" في الشمال السوري.

اقرأ/ي أيضًا: 

الطائرة الروسية ترفع من خسائر تدخل موسكو في سوريا

"إعلان موسكو".. عزل الأزمة السورية خارجيًا