16-يونيو-2016

مانا نيستاني (بيار دفور/أ.ف.ب)

هل من الممكن أن يُدخل صرصار شخصًا ما السجن ويعرضه إلى ساعات من التحقيق والاستجواب؟ الإجابة الآن أصبحت نعم. أما من دخل السجن بفعل حشرة فهو رسام الكاريكاتير الإيراني الساخر "مانا نيستاني".

ولد مانا نيستاني في طهران عام 1974، وصعد في التسعينيات مع "الصحافة الإصلاحية"، التي انتشرت في إيران وقتها. ولمن يجهل ذلك يوجد في إيران تيارين، تيار إصلاحي وتيار محافظ. وهذا الرجل كانت مشكلته مع التيار القديم المحافظ، الذي كانت استراتيجيته مواجهة المظاهرات بعنف قد يصل للقتل، وتلفيق التهم، وتقديس الدولة القومية، واضطهاد الأقليات.

قصة دخول نيستاني السجن تعود لرسم كاريكاتيري اعتبرته الحكومة الإيرانية يكدر الأمن العام واعتبرته الأقلية الأذرية مهينًا لها

أما التيار الإصلاحي الذي سمح لنيستاني وغيره بالتعبير في صحفهم، فهو الذي تؤيده كثير من الجمعيات المهنية والحقوقية ويضم 15 حزبًا وجماعة سياسية والكثير من أعضائه كانوا يعارضون النظام معارضة شرسة وشاركوا في اعتصامات 2004، التي كانت احتجاجًا على منع عدد كبير من أعضاء الأحزاب المعارضة، ومنهم حزب "روحانيون مبارز" أو حزب رجال الدين المناضلون، من الإدلاء بأصواتهم في انتخابات عام 2004.

اقرأ/ي أيضًا: الحسين في دور فتى الإعلانات!

أما قصة دخول نيستاني السجن فتعود لرسم كاريكاتيري سنة 2006، تضمن طفلًا وحشرة وقد طلب الطفل من الحشرة ماذا تعني كلمة "حشرة" بلغة الحشرات، فردت الحشرة "نامانا؟"، وهي تعني "ماذا؟"، ولأن إجابة الحشرة كانت باللغة الأذرية، وهي لغة أقلية مضطهدة في إيران قامت الدنيا ولم تقعد أمام نيستاني. من جانب، اعتبرته الحكومة الإيرانية يكدر الأمن العام من خلال رسوماته، ومن جانب آخر، اعتبرته الأقلية الأذرية قد وجه إهانة لها، ونتج عن ذلك مظاهرات للأذريين في إيران، واجهتها الحكومة بطريقة عنيفة جدًا أدت إلى مقتل عدد كبير من الناس، وانتشر القول حينها أن "روح كافكا تلبست حياة نيستاني في مفارقة غريبة دمغت حياته إلى الأبد".

من جانبه، أكد نيستاني مرارًا أنه لم يقصد إهانة أحد وأن الرسم كان في مجلة للأطفال الصغار، لكن السلطات كانت تضغط عليه أثناء التحقيقات من خلال نقل عدد المعتقلين أو الذين سقطوا في المواجهات، وأكد إثر ذلك أن تلك الأرقام كانت تصيبه بالحسرة والألم ولا تزال تراوده، حسب قوله، الكوابيس عن القتلى في المواجهات.

رسوم نيستاني تتميز بالأمل، وتحدي القيود والدكتاتورية، وهي مختلفة وجذابة، صادقة وتحمل روح العصر وجرأة التمرد

اقرأ/ي أيضًا: المثقف الطائفي في العراء

بعدها استطاع نيستاني أن يترك بلده ويعيش في المنفى ويكتب كتابًا سماه "النكسة الإيرانية"، الذي يتناول فيه الوقت الذي تعرض فيه للاعتقال والتهم التي تم تلفيقها له، ومن ضمنها التمويل الأجنبي وتكدير السلم العام. وبالنسبة للإيرانيين نيستاني كان مشهورًا بكونه صاحب مجموعة رسوم تسمى "العائلة المتضامنة"، والتي كانت على مدار سنتين توثق لحياة عائلة من الطبقة الوسطى الإيرانية.

تدريجيًا، أخذت شهرة رسومه شعبية كبيرة، وكانت تتحدث عن السخرية وكيف يمكن أن تكون ترياقًا للناس في أوضاعهم الصعبة. رسوم نيستاني تتميز بالأمل، وتحدي القيود والدكتاتورية، وهي مختلفة وجذابة، صادقة وتحمل روح العصر وجرأة التمرد وفيها قيمة وفكرة ومحتوى خصوصًا رسوماته عن الألم السوري.

لكن نحن هنا في منطقتنا العربية لا نعرف عنه الكثير ربما لكون معظم المادة المتوفرة عنه مكتوبة بلغة أجنبية، وربما كان هذا مقصود، إلا أن فن نيستاني يستحق الملاحظة والتتبع فهو حالة من الثورة المرسومة تستحق التأمل والمراقبة، ولفنه شخصية جذابة جديدة قد لا يضارعها في الوقت المعاصر ربما سوى أكرم أرسلان، الفنان السوري، أو علي فرزات وبعض الفنانين العرب أصحاب الجرأة الكبيرة في مواجهة سلطات قمعية.

اقرأ/ي أيضًا:

لنهدم تماثيلنا بأيدينا

لأنّنا لا نستحق ألا تُغطّى التماثيل عن أعيننا