28-أكتوبر-2015

الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند يودع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد اجتماع في قصر الاليزيه 2/10/2015 (Getty)

شهدت العاصمة الفرنسية، باريس، منتصف الأسبوع المنصرم، عشاءً دبلوماسيًا ضم وزراء خارجية كل من فرنسا، ألمانيا، بريطانيا، إيطاليا، الولايات المتحدة الأمريكية، تركيا، المملكة السعودية والأردن. حسب مصادر مطلعة، الاجتماع يأتي في سياق بناء استراتيجية مشتركة بين هذه الدول إزاء قضايا تخص الملف السوري ومنها محاربة تنظيم الدولة الإسلامية ومصير بشار الأسد بالإضافة للتدخل العسكري والسياسي الروسي في سوريا.
الاستراتيجية التي خرج منها الاجتماع تبدو واضحة، لا يبدو أنه سيكون هناك دعمًا عسكريًا  قريبًا لجهة المعارضة السورية، ولكن مواقف هذه الدول السياسية بخصوص النظام السوري تظل ثابتة، لا مجال لإعادة تأهيل الأسد، وهذا ما أكده وزير خارجية فرنسا لوران فابيوس في تصريحات سبقت الاجتماع، حيث أكد على رفض بقاء الأسد الذي أودى بحياة أكثر من 250 ألف مدني سوري منذ اندلاع الثورة السوريةعام 2011.
الدبلوماسية الفرنسية المعروفة بأناقتها بررت استبعاد روسيا وإيران من الاجتماع، بمراوغة ديبلوماسية، أنه سيكون هناك اجتماع آخر مع الروس. بينما يرى مراقبون، أن هذه الخطوة جاءت رداً على استبعاد الديبلوماسية الفرنسية والألمانية تحديداً من اجتماع مشاورات فيينا، والذي استمر لمدة ساعتين ولم يخرج باستراتيجية واضحة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى يبدو أن موقف روسيا المتمسك في إعادة تأهيل الأسد، لا يروق للديبلوماسية الفرنسية الأكثر وضوحاً، إزاء رحيل الأسد ولا يعجبها الدعم الروسي للأسد، عسكريا وسياسيا.

اقرأ/ي أيضا: ليالي النحس في فيينا 

الأوروبيون بالعموم، والفرنسيون بالتحديد، يعتبرون ما تفعله روسيا تهديدًا وجوديًا للمعارضة العسكرية السورية. 

هذا الاجتماع الأوروبي مع الشركاء الأساسيين بالملف السوري، إن صح التعبير، يقف بشكل أساسي في وجه روسيا وإيران، المشرذِميْن الأساسيَيْن للموقف الدولي إزاء نظام الأسد الذي تسبب بتفتيت سوريا جغرافياً وديموغرافياً وسياسياً. حرب روسيا ليست مقتصرة على تنظيم الدولة الإسلامية كما تزعم، هناك استهداف للمعارضة العسكرية، الشيء المزعج للأوروبيين تحديداً، حرب تشنها روسيا على المعارضة العسكرية السورية، وتهدد انتصاراتها التي حققتها على نظام الأسد. الأوروبيون بالعموم، والفرنسيون بالتحديد، يعتبرون ما تفعله روسيا تهديداً وجودياً للمعارضة العسكرية السورية. وبالفعل يبدو الموقف الفرنسي، محقاً جداً.

كما أن فشل اجتماع فيينا، قد دفع الولايات المتحدة مع حلفائها الأوروبيين لرسم استراتيجيات آنية وبعيدة المدى. سياسة الصبر على روسيا، يبدو أنها نفدت، والأوروبيون مصرون على تجاوز الإمتحان السوري بالتنسيق مع الولايات المتحدة والشركاء الإقليميين. بدورهم، يبدو أن الخليجيين والأتراك، وبعد توقيع الإتفاق النووي والتحالف الأمريكي-الإيراني، عازمين على بناء تحالفات متماسكة مع الأوروبيين للحد من الخطر الإيراني الذي يرونه لا يعبث بسوريا واليمن، وحدهما، وإنما يتجاوز خطره ليشمل كامل الخليج وتركيا.

لكن تظل هناك فروق شاسعة بين الموقف الأوربي، الفرنسي والألماني تحديداً، مع روسيا، وموقف الولايات المتحدة معها، بشأن مصير الأسد. يرى الأوروبيون، أن الرد على التعنت الروسي، يجب أن يكون حاسمًا.
لا يملك الأوروبيون كما الروس والأمريكيين، استراتيجيات عسكرية حاسمة، ولكن يملكون استراتيجيات سياسية واقتصادية تمكنهم من تفادي إنزلاق الملف السوري خارج نفوذهم، وبقاء الأمريكيين والروس، أصحاب القرار الأوحد. لذلك سيكون إجتماع باريس هذا، نقلة نوعية في الاستراتيجيات الأوروبية مع حليفتها أمريكا وشركائها الإقليميين والعرب، لوضع حد للتدخل الروسي المفرط في الملف السوري.
روسيا تقدم نفسها الراعي الرسمي للنظام السوري، وعقب إجتماع بوتين مع الأسد، سارعت روسيا للدعوة لاجتماع مشاورات فيينا، والذي استبعد فرنسا وألمانيا من الاجتماع. الفرنسيون لا يروق لهم الدور الإيراني ولا يميلون مع شركائهم الأوروبيين لاعتبار إيران جزءًا من الحل، على العكس تماماً، اعتبرت تصريحات وزير خارجية فرنسا قبل الاجتماع في باريس، إيران جزءًا من المشكلة، وليست بحال من الأحوال، جزءًا من الحل.

الدعمان الأساسيان لنظام بشار الأسد، كانا الغائبيْن الحاضريْن عن عشاء باريس الديبلوماسي. رسالة أمريكية، أوروبية، إقليمية وعربية للروس والإيرانيين، مفادها أن ورقة محاربة الإرهاب وتقديم خدمات لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية لن تكون بحال من الأحوال، غطاءً عسكريًا وسياسيًا لإعادة تأهيل الأسد، والقضاء على المعارضة العسكرية له بحجة محاربة الإرهاب.

اقرأ/ي أيضًا: الأسد وبوتين وترجمة "غوغل"