07-يناير-2016

ورود ورسالة تضامنية مع ضحايا التحرش قرب كاتدرائية كولونيا في ألمانيا (Getty)

لم تمض سوى ساعات على خطاب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى الأمة الألمانية بمناسبة رأس السنة الميلادية التي خصصت جزءًا كبيرًا منه للدفاع عن سياسة الحكومة الخاصة باستقبال اللاجئين ودمجهم باعتبارهم "فرصة للغد". حتى فوجئت بتلقي صفعة قاسية لسياستها تلك من قبل بعض اللاجئين أنفسهم.

أماطت حوادث التحرش الجماعي اللثام عن وجود خلل في سياسة الاندماج التي وضعتها الحكومة الألمانية

فقد أفادت تقارير الشرطة الألمانية عن اقتحام ما يقارب الألف شاب -تترواح أعمارهم بين الـ 15 - 35 من أصول عربية شمال أفريقية- الساحة التي تطل على كاتدرائية كولونيا العريقة، المعروفة بـ دوم، ومحطة القطارات الرئيسة فيها. انقسمت تلك الجموع الغفيرة إلى مجموعات صغيرة ومتوسطة الحجم حاملة بأيديها كميات كبيرة من الألعاب النارية التي قاموا بإشعالها ورميها على المارة دون أي اعتبار لقواعد السلامة الشخصية، ولم يكتفوا بذلك بل عمدوا وهم في حالة سكر شديد إلى مهاجمة الفتيات الألمانيات اللواتي صادف مرورهن بالساحة والتحرش بهن جنسيًا.

أماطت تلك الحادثة اللثام عن وجود خلل في سياسة الاندماج التي وضعتها الحكومة لدمج اللاجئين في المجتمع الألماني، والتي تم تحديد دعائمها بركيزتين أساسيتين؛ اللغة والقانون. أثبتت أحداث رأس السنة في مدينة كولونيا عدم صحة الرأي القائل بأن تعلم اللغة الألمانية شرط كافٍ لتشرب اللاجئين قيم المجتمع الألماني، القائمة على احترام الحريات الشخصية للأفراد، وخاصة المرأة باعتبارها فردًا كامل الأهلية، فقد كشفت الأحداث السابقة عن قصور صارخ في وعي كثير من الشباب المشرقي الذي تربى على قيم ثقافية تحط من قيمة المرأة مجتمعيًا، فهو لم يدرك بعد القيم الجمالية لملابس المرأة الأوروبية التي لا تتعمد إثارة الغواية الجنسية للآخر، لا بشكل صريح ولا موارب، فالأمر بكليته هو على عكس ما هو راسخ في تاريخ قيمنا الشرقية التي جعلت من اللباس أو الحجاب بمثابة رمز دلالي، يتم من خلاله التمييز بين المرأة الحرة والمستعبدة التي تركت مستباحة لفحولة الذكر العدوانية أنى شاء.

الشيء الآخر الذي لم يتمكن من فهمه شباب أحداث كولونيا بعد، بأن ممارسة الجنس في المجتمعات الغربية تندرج تحت مفهوم الحق الشخصي للمرأة بوصفها شخصًا حرًا تمتلك حق الموافقة أو الرفض، وأن كل ما عداه من تحرش لفظي أو جسدي هو بمثابة عدوان على كرامتها الشخصية كإنسان أولًا يتمتع بكامل الأهلية القانونية والأخلاقية. الأمر الأخير واللاأخلاقي هو تستر البعض وراء حالة السكر من أجل القيام بسلوك جنسي، ظاهره عربدة جنسية وباطنه عدوان محض على أشخاص آخرين. الأمر الذي سيمنح الأطراف المعادية للاجئين بالمطالبة بالحد من استقبالهم وحتى ممارسة العدوان ضدهم.

كان رد المجتمع الأهلي في مدينة كولونيا متوازنًا فهو إلى جانب استنكاره الشديد لمثل هذه الحوادث الغريبة على قيمه الاجتماعية التي وصفتها الصحافة المحلية بأوسع ممارسة للجريمة المنظمة على نطاق واسع، إلا أنه لم يصْب بعمى ألوان يمنعه من التمييز بين السلوك العدواني للبعض والسلوك الإنساني لمجمل اللاجئين الذين لا يمكن لهم الموافقة على مثل هذه الممارسات العدوانية. 

ستمنح التصرفات الرعناء الأطرافَ المعادية للاجئين الحق بالمطالبة بالحد من استقبالهم، وحتى ممارسة العدوان ضدهم

أما على صعيد الضحايا فقد فضلوا ترك معالجة هذا الهيجان الجماعي لسلطة القانون التي يثقون بها. وكذلك فعلت ميركل التي شددت على رد صارم على هذه الأفعال وفقًا "لسلطة القانون". في إصرار واضح منها على عدم الانجرار وراء الرغبات العنصرية لدى البعض بتحميل جميع اللاجئين عاقبة هذا السلوك الذي قام به البعض.

لا شك في أن أحداث مدينة كولونيا سوف تترك ندوبًا في نفوس بعض الألمان الذين يشعرون بمقدار كبير من الحسرة والألم على الطريقة التي كوفئوا بها من قبل البعض على هذا الاحتضان والتسامح تجاه اللاجئين الذين كان يحدوهم الأمل، وما زال بأن يكونوا جزءًا من المجتمع الذي يحلمون ببنائه معًا.

هذه الجروح يجب أن تثير لدى اللاجئين كل الوعي بخطورة التجاوز على قيم المجتمعات التي يعيشون بين ظهرانيها. فقد آن لهم أن يبدوا احترامًا حقيقيًا لقيم المجتمع الذي يعيشون فيه، وليعملوا على تقليص مساحة النوازع العدوانية والاستعلائية ضد الآخر الذي يصفونه بالكافر تارة، والمنحرفة تارة أخرى، كي لا يكونوا ضحايا تلك النوازع التي قد تتردد عليهم. أما آن لنا أن ننتبه أن أولويات الاندماج في تلك المجتمعات هو احترام الحريات الشخصية لأبنائها بدلًا من التحريض الدائم عليها.

اقرأ/ي أيضًا:

مرافعة لاجئ

الالتفات إلى ألم الآخرين