"البلد بخير" لعلها الجملة الأكثر استخدامًا، خلال السنوات الماضية، من قبل الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز لدى خرجاته الإعلامية المثيرة. يحاول الرئيس بهذه الجملة طمأنة الفقراء والمطحونين من أبناء الشعب وما أكثرهم. وحين يريد تفصيلها أكثر يقول إن الخزينة العامة للدولة ملأى بأموال الشعب؛ وإن الوضع الاقتصادي جيد. ولأن "البلد بخير" صنفت مجلة "غلوبال فاينانس" في تقريرها الأخير موريتانيا على أنها الأفقر عربيًا، وهي الأولى عربيًا في نسبة البطالة.
في موريتانيا، نسبة التضخم في ارتفاع مستمر، ويتهدد الجوع نحو 70% من السكان
تشير الأرقام إلى أن نسبة التضخم في ارتفاع مستمر والغلاء المعيشي ينهك آلاف الأسر، ويتهدد الجوع نحو 70% من سكان موريتانيا، وفق آخر إحصاءات نشرتها منظمة الأغذية والزراعة، ومع ذلك فالبلد بخير! ليس واقع التعليم أفضل حالًا من الاقتصاد؛ وهذا وفقًا للإحصاءات التي تتحدث عن نتائج مزرية خلال "سنة التعليم"، التي كانت رغم ذلك أرحم من السنة التي تليها، والتي نعيش خلالها اليوم أزمة خانقة بفعل عجز الدولة عن توفير باصات لنقل طلاب الجامعة.
ومع أن البلد بخير؛ لم يكن أكثر المراقبين تفاؤلًا يتوقع أن تتجاوز موريتانيا الأمراض الوبائية التي انتشرت خلال الأشهر المنصرمة، في ظل عجز تام حتى عن الكشف في الوقت المناسب عن سر الحميات التي أصابت أكثر من ثلث السكان في ظرف لا يتجاوز ثلاثة أشهر، ناهيك عن التصدي لها ومواجهتها.
تتكشف خيوط جديدة وعديدة لفساد ينخر عماد الثروة في البلد، فالفضائح المالية والرشاوي والشركات الوهمية التي تنهب أموال الشعب والصفقات التي تمنح بالتراضي ليست إلا دليلًا على أن البلد بخير. يوميًا تقريبًا تضيف الدولة ضرائب جديدة، وتراجع أخرى في جهة الزيادة، وكأنها تحاول محاصرة وخنق المواطنين الذين يدفعون هذه الضرائب دون توفير خدمات مقابلها، كل ذلك من أجل أن يظل البلد بخير.
ولأننا نعيش في بلد بخير؛ فنحن نتقاسم الكهرباء مع جيراننا وأحيانًا مع أنفسنا؛ تتحمل بعض أحياء عاصمتنا الظلام الدامس "مؤقتًا" لتضاء أخرى نتيجة الفائض في الإنتاج الذي نزود به الجارتين السنغال ومالي؛ سكانهما لهم الحق أيضًا في أن تكون بلدانهم "بخير".
لن يكون البلد بخير إلا إذا أصبح الجميع يتحدث عنه؛ من أجل ذلك تم توقيف مباراة السوبر بعد انتصاف وقتها، فأن يقول العالم إننا أبدعنا أفضل من أن يقول إن ملاعبنا ليست مضاءة. ومن إبداعاتنا أيضًا أن "البلد بخير" لكن مواطنيه ليسوا كذلك!
اقرأ/ي أيضًا: