27-أغسطس-2015

ناشطات من مبادرة "اتكلمي" في وقفة احتجاجية في نواكشوط (الترا صوت)

ما تزال صورة الطفلة زينب الخضر، ذات العشر سنوات، التي تم اغتصابها وحرقها، نهاية العام الماضي، في أحد أحياء العاصمة نواكشوط، ماتزال عالقة في أذهان الموريتانيين. زينب التي اختطفها أربعة شبان، وهي في طريقها إلى كتّاب لتحفيظ القرآن الكريم، وتناوبوا على اغتصابها قبل إضرام النار في ملابسها، ليست سوى واحدة من بين مئات ضحايا العنف ضد النساء الذي يتزايد بشكل مقلق في موريتانيا.

وصل معدل الاغتصاب في موريتانيا إلى 16 عملية في الشهر الواحد

فما بين التحرش والمضايقة والاغتصاب والعنف الأسري، سجلت منظمات المجتمع المدني المدافعة عن حقوق النساء تناميًا كبيرًا للاعتداءات ضد النساء بمختلف أعمارهن. وتشير آخر الإحصاءات التي نشرتها المنظمات غير الحكومية إلى أن الربع الأول من العام الجاري شهد تسجيل أكثر من 50 حالة اغتصاب في العاصمة نواكشوط وحدها، أي بمعدل 16 عملية في الشهر الواحد، متجاوزًا ما تم تسجيله خلال الفترة ذاتها من العام الماضي، ما جعل المنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان تدق ناقوس الخطر مُبديةً قلقها حيال الأمر، ومطالبة باتخاذ إجراءات أكثر صرامة وفاعلية، من أجل الإسهام في تقليل العنف المستشري ضد النساء الموريتانيات.

وبلغة الأرقام؛ شهد مؤشر العنف ضد النساء ارتفاعًا مطردًا خلال السنوات الخمس الماضية، حيث كشفت منظمة النساء معيلات الأسر أنه تم تسجيل أكثر من 412 عملية اغتصاب خلال سنة 2010، و703 سنة 2011، فيما سُجل أكثر من 789 حالة في 2012، و797 في 2013، بينما مثلت 2014 عامًا "أسود" بالنسبة للمرأة الموريتانية، إذ شهدت حدوث أكثر من 2172 حالة اغتصاب في كافة أرجاء موريتانيا.

وأشارت رئيسة المنظمة آمنة بنت المختار إلى أن عام 2013 عرف تطورًا مُريعًا في الاعتداءات ضد المرأة، وسُجلت فيه أكثر من 14 حالة تم فيها قتل الضحية بعد اغتصابها بأساليب مختلفة، في محاولة لطي صفحة الجريمة ومحو أثارها بشكل كامل، مثلما حدث مع طفلة في الثامنة من عمرها بمدينة العيون في أقصى الشرق الموريتاني، حيث أقدم مغتصبها على تقطيعها إربًا إربًا، ورميها في منزل مهجور.

وقد كشفت متابعات قامت بها بعض الهيئات العاملة في مجال حقوق الإنسان، عن أن معظم ضحايا جريمة الاغتصاب قاصرات لم تتجاوز أعمارهن الثامنة عشرة، وينحدرن في الغالب من أوساط اجتماعية فقيرة.

واعتبر بعض المتابعين أن أبرز الأسباب التي ساهمت في استفحال "ظاهرة" الاغتصاب في موريتانيا، هو "غياب تطبيق القانون، وإفلات المجرم من العقاب"، بسبب القبلية والمحسوبية اللتين غالبًا ما تطبعان تسوية هذا النوع من القضايا، ما يوفر للجاني حضنًا يلجأ إليه عند الاقتضاء، دون أن تأخذ العدالة مجراها بهذا الخصوص، فضلًا عما اعتبرته الناشطة الحقوقية آمنة المختار "وقوف القضاء إلى جانب الجاني"، وتحميله المرأةَ المسؤولية الكاملة عما يحدث، "بسبب زينتها حينًا، ولباسها وهيئتها في أحايين أخرى".

وقد أشار كثير من الباحثين الاجتماعيين إلى أن سر ازدياد ظاهرة الاغتصاب يكمن خلف تراجع الجانب "القيمي" داخل المجتمع، وما ينجر عن ذلك من غياب الوازع الديني الأخلاقي، المؤدي إلى تقلص دور الأسرة باعتبارها حاضنة أخلاقية كبرى تسهم بشكل أساسي في تربية الأبناء، زيادة على انعدام التوعية والتوجيه اللازمين في هذا المجال.

كما أن خاصية البيت الموريتاني، المفتوح بطبيعته أمام الجميع، ساهم في إفراز مشكلة اجتماعية غريبة، تمثلت في تسجيل حالات اغتصاب متفرقة، كان أبطالها من الحاشية القريبة للضحية، كالأب والعم والأخ، حسب المختار.

ورغم أن "ظاهرة" الاغتصاب في موريتانيا وصلت إلى درجة مُفزعة فإن بعض المتابعين ما زالوا يعتقدون أن المعطيات المتوفرة لا تكشف إلا جانبًا ضئيلًا مما يتم ارتكابه في الأوساط الاجتماعية باستمرار، ذلك أن التقاليد والأعراف الاجتماعية المحلية تجعل الكثيرات من الضحايا يفضلن التكتم على الجريمة بسبب ما ينجرٌ عنها من نظرة اجتماعية سيئة للضحية ولأسرتها.

أما الباحثة الاجتماعية نجوى منت الكتَّاب فقالت لـ"الترا صوت" إنها ترى أن تغير المحيط الاجتماعي والانتقال المفاجئ من الريف إلى المدينة، يزيد من حدة العنف بشكل عام وخاصة العنف ضد المرأة، كما أن "هامش الحرية الذي تعيشه بعض النساء اللواتي تربين بشكل خاطئ" يفاقم الظاهرة.

واعتبرت الباحثة أن ثمة عوامل أخرى ساهمت بشكل لافت في زيادة العنف ضد النساء، مثل النظرة الاجتماعية السائدة التي تصور "المرأة بوصفها ضحية بدل توعية الرجال بحقوقها". وتعتقد منت الكَتّات أن "التركيز على تغيير السلوك الاجتماعي سيكون له تأثير إيجابي أكثر من اللجوء إلى القانون"، لأن "العلاقة بين المواطن الموريتاني والقانون يطبعها الكثير من الضبابية، ما يجعل محاولة حصول النساء على حقوقهن عبر القانون مبررًا لتحويلهن إلى مجرمات وهن ضحايا".

وفي سؤال لـ"التراصوت" حول مدى اقتناعها بالمعطيات التي تصدرها المنظمات الحقوقية الناشطة في مجال الدفاع عن المرأة بموريتانيا، والتي رأى البعض فيها نوعًا من المبالغة، قالت منت الكَتَّاب إنه "في ظل غياب الإحصاءات الرسمية لا يمكن سوى الأخذ بالمعطيات التي تفصح عنها هذه المنظمات".