13-ديسمبر-2016

جنود يقفون أمام مجلس النواب العراقي (صباح آرار/أ.ف.ب)

بعد تأجيل التصويت عليها لأكثر من مرة، ووسط صخب الخلافات السياسية حول حقوق إقليم كردستان العراق والمحافظات النفطية وموازنة الحشد الشعبي، أقر البرلمان العراقي الموازنة العامة لسنة 2017 باحتساب سعر برميل النفط بـ42 دولارًا، وصادرات النفط بمعدل 3.75 ملايين برميل يوميًا، منها 250 ألف برميل من حقول النفط في المناطق الكردية شمالي العراق.

موازنة العراق الجديدة تقشفية، تستقطع نسبة 3.8% من مخصصات القطاع العام لسد احتياجات نفقات الحشد الشعبي ودعم النازحين ونفقات أخرى

وحضر جلسة البرلمان 186 نائبًا من أصل 328 نائبًا، وبلغت قيمة الموازنة أكثر من 79 ترليون دينار (68 مليار دولار) وقيمة عجز إجمالية بلغت 21 مليار دولار.

اقرأي أيضًا: الانتخابات المحلية في العراق..إلى التأجيل

وجرى إقرار الموازنة في ظل احتجاج نواب محافظة البصرة، أكبر المحافظات المنتجة للنفط جنوبي العراق، المطالبين بتفعيل قانون البترودولار، الذي يمنح المحافظات المنتجة للنفط مبلغ خمسة دولارات مقابل كل برميل نفط يستخرج من حقولها، وأيضًا غاب عن الجلسة الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي قال محسن السعدون، رئيس كتلته في البرلمان، إن "تمرير الموازنة لم يحل القضايا العالقة بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان، بما في ذلك صادرات النفط، وأن الموازنة لم تخصص ما يكفي من الأموال لرواتب موظفي الحكومة ومقاتلي البيشمركة في كردستان".

وأعلنت حكومة إقليم كردستان، صراحة، أنها لن تكون ملزمة بقانون الموازنة الاتحادية إذا لم تؤخذ ملاحظاتها وتحفظاتها بنظر الاعتبار قبل تشريعه. وتقول حكومة الإقليم إنها بحاجة شهريًا إلى 880 مليار دينار عراقي (نحو 733 مليون دولار) لدفع رواتب الموظفين، وليس 317 مليار دينار (نحو 264 مليون دولار) التي تم تحديدها بمشروع الموازنة.

وبما أن الموازنة تقشفيّة بامتياز، إذ تستقطع نسبة 3.8% من مجموع الرواتب والمخصصات لجميع موظفي الدولة والقطاع العام والمتقاعدين لسد احتياجات الدولة من نفقات الحشد الشعبي ودعم النازحين ونفقات أخرى، فإن الخوف سرى في الشارع العراقي من قدرة الحكومة أساسًا على الإيفاء بوعودها بتسديد الرواتب، وتجدر الإشارة إلى أن عدد الموظفين في القطاع العام يشكّل أكثر من 6 ملايين نسمة، من أصل 36 هم عدد سكّان العراق، وهو ما يجعل الدولة "المعيل الأساسي" لعدد كبير من العائلات العراقيّة.

وقالت عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي نجيبة نجيب، إن "الاستقطاعات التي شهدتها موازنة العام الجاري برواتب الموظفين جاءت بسبب الظرف الاقتصادي الذي مر به البلد نتيجة انخفاض أسعار النفط وخوض القوات الأمنية معارك شرسة ضد الإرهاب مما استنزف أموالًا كبيرة، وجعل البلد بحاجة إلى السيولة النقدية".

اقرأ/ي أيضًا: أشباح تلاحق المالكي

وبدا أن الموظفين يشكّلون عبئًا حقيقيًا على الحكومة، إذ تضمّن بند في الموازنة منح الموظفين إجازة لمدّة خمسة أعوام مقابل تلقيّهم الراتب الرسمي كاملًا، وهو عادة لا يتضمن مخصصات الخطورة والزوجيّة، وبالتالي سيكون قليلًا جدًّا، وسرى خوف في بعض الوزارات التي تشهد تضخمًا في عدد الموظفين من أن تصبح هذه الإجازة "فرضًا" عليهم.

موازنة العراق لعام 2017 تستمر في استنزاف الثروة العراقية من النفط، إذ لا تزال تعتمد بنحو 97% على إيرادات النفط

ومنعت موازنة عام 2017 التوظيف في الدوائر الحكومية، إضافة إلى منع التوظيف "في الدرجات الخاصة" وهي وظائف قيادية بدرجة مدير عام فما فوق، وحددتها بالحاجة الماسة إلى ذلك، وفرضت الموازنة ضريبة مطار بمبلغ مقطوع مقداره 20 دولارًا للتذكرة الواحدة في جميع المطارات العراقية للسفر الخارجي وتُقيد إيرادًا للخزينة العامة، علاوة على الاستمرار بفرض ضريبة على الاتصالات تبلغ 20%.

إلا أن الأكثر خطورة في قانون الموازنة هو لجوء الحكومة إلى سدّ عجر 20 مليار دولار من الاقتراض الداخلي والخارجي، إذ سيتم سدّ العجز من أرصدة حسابات الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة لدى المصارف الحكومية والسندات الوطنية للجمهور وسندات وحوالات خزينة إلى المصارف الحكومية، فضلًا عن إصدار حوالات خزينة وسندات وطنية للجمهور وسندات وحوالات للمصارف الحكومية تخصم لدى البنك المركزي العراقي وقروض من المصارف التجارية، إضافة إلى الاقتراض من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والوكالة اليابانية للتعاون الدولي لدعم الموازنة وإصدار سندات وقروض خارجية.

واعتبر محللون اقتصاديون أن موازنة عام 2017، والموازنات التي سبقتها هي استمرار في استنزاف الثروة الوطنية العراقية من النفط، إذ لا تزال الموازنة تعتمد بنحو 97% على إيرادات النفط. وقال حامد الجبوري، الخبير الاقتصادي، إن "ما يدلل على اعتماد العراق على النفط هو نسبة الإيرادات النفطية من الإيرادات العامة التي لم تنخفض عن 97% كمعدل للمدة 2005-2013 لكنها سرعان ما انخفضت إلى 83.62% وإلى 85.40% من إجمالي الإيرادات العامة في عاميّ 2015 و2016، والسبب هو انخفاض أسعار النفط العالمية"، وأشار إلى أن "هذا ما تسبب في حساب موازنة هذين العامين على أساس 56 دولار للبرميل الواحد وبطاقة تصديرية قدرها 3300 ألف برميل يوميًا في عام 2015، و45 دولار للبرميل الواحد وتصدير 3600 ألف برميل يوميًا في عام 2016".

وفي الواقع، فإن واقع الاقتصاد والخدمات المترديّة لن يتطوّر في الموازنة العراقية المُقّرة حديثًا إذ إنها في غالبها تسعى إلى سد المرتبات، وتمويل الحرب المستمرة على تنظيم "داعش"، وهو ما يعني المراوحة في المكان ذاته على صعيد خفض مستويات الفقر والبطالة والسكن.

اقرأ/ي أيضًا: 

رغم الاعتراضات..الحشد الشعبي مقننًا في العراق