19-مايو-2016

غرافيتي لـ مهدي عامل في بيروت

تكفي ملاحظة سريعة "لمراسم" الاحتفاء بذكرى اغتيال مهدي عامل، على وسائل التواصل الاجتماعي أو على صحف، للقول إنها مراسم غريبة لا أخلاق فيها، وأنه احتفاء ناقص. لا معنى للوقوف مع الضحية وللتضامن معها بدون إدانة القاتل، هذه بديهية يحتاج الإنسان إلى التأكيد عليها في فترة مثل هذه، ولكن في نفس الوقت، لا معنى أيضا  لتذكر الضحية فقط، من أجل إحراج القاتل.

مراسم الاحتفاء بذكرى استشهاد مهدي عامل، على وسائل التواصل الاجتماعي أو في الصحافة، مراسم غريبة لا أخلاق فيها

لم أحب أيًا مما كتبه مهدي عامل يومًا، خاصة في الرد على إدوارد سعيد "القلب للشرق والعقل للغرب"، وأعتقد أن معظم كتبه يندرج تحت بند البيانات السياسية لا النصوص الأكاديمية، ولم أر فيه يومًا إلا رجل سياسة ورجل حزب. على أية حال، فأنا لم أعد من زمان أستطيع  قراءة من يكتبون باسم "القوانين العلمية الاشتراكية"، خاصة في مرحلة متأخرة مثل التي عاش فيها عامل. 

اقرأ/ي أيضًا: حاجتنا إلى مهدي عامل

لكن الوقوف معه، ليس وقوفًا مع موقف، ولا مع نظرية، الوقوف مع مهدي عامل هو الوقوف ضد الانغلاق والتطرف، هو الموقف الأخلاقي الذي لا تجاوز مفهومًا له، لأنه فقط، ضحية من ضحايا مشروع نواجهه يوميًا. لكن ثمة رسالتان لا بد من إرسالهما، رسالة إلى أولئك الذين يتغنون بالضحية، حاذفين قاتلها، أو لأولئك الذي اكتشفوا فجأة، أن هناك رجلًا في تاريخ لبنان والمنطقة، اسمه مهدي عامل، قتله الذهن المتطرف المنغلق.

الرسالة الأولى: لن أقول إن التغني بأمجاد الرجل، يستدعي بشكل بديهي تذكر قاتله، فهذه نسامحهم فيها، ولن نضحك على المتغنين بالقاتل والمقتول في اللحظة نفسها! ولكنها فرصة ممتازة ليعرفوا، أن أساس كل أحكامكم المطلقة شرًا وخيرًا، هي تحالفات غير مفهومة ومؤقتة، وأن من كان رمزًا للشر والإرهاب والتطرف في يوم من الأيام، صار اليوم رمزًا لأشياء أخرى. 

هذه رسالة إلى أصحاب المرجعيات المتناقضة، إلى من خاضوا في أدبياتهم صراعات كبرى ضد الإمبريالية والرأس مالية والسلطة والاستعمار، ووقفوا آخر ما وقفوا، مع الاستبداد والأنظمة. رسالة إلى من لهم تاريخ طويل من استلهام القاتل والضحية معا، إلى من استلهموا الشيوعيين وجمال عبد الناصر معًا. إلى من يخوضون صراعًا وجوديًّا مع الإسلام السياسي، ويتغنون بإيران بعد أن كانت هي في نظرهم أول ظهور الشر، وإلى من أرهقوا مسامعنا بمفاهيم الرجعية العربية، وصاروا أول الواقفين معها. رسالة لهم، أن اتقوا يومًا تنقلب عليكم فيه أحكامكم، ويصير عدوكم الذي لا عدو بعده، حليفًا لا حليف بعده، والتاريخ شاهد، ولا أمثلة أوضح من الأمثلة التي وهبها لنا التاريخ.

اقرأ/ي أيضًا: "كار" المثقف للمثقف

الوقوف مع مهدي عامل اليوم تحديدًا، هو وقوف ضد التطرف وضد الاستبداد، ضد الفكر الطائفي المنغلق

وهذه رسالة أخرى، إلى أولئك الذين تذكروا فجأة، شهيدًا اسمه مهدي عامل، إلى من تذكروا بعد ثلاثة عقود أن هناك من قتل باسم الدين المتطرف، والفكر المنغلق، فقط سبيلًا للنكاية، وإلى من حولوا الإنسان إلى مادة للمناظرة بين معارضي النظام السوري والمتواطئين معه، إلى أولئك الذين لم ينتصروا لمهدي عامل ضحية من ضحايا التطرف، إلا من أجل إحراج حزب الله والنظام السوريّ. لهم أن يتذكروا – خاصة منظري التطرف الذين تحولوا فجأة إلى ثوار- أنهم سيوضعون في مواقف كثيرة شبيهة، وأن الدم ليس كما فهمتموه دائمًا، ذخيرة للاتهام، وأن الجثث ليست كما تتعاملون معها دائمًا، وزن يرجح كفاتكم. 

هذا وقوف ضد التطرف أينما وجد، وقوف مع الضحايا باختلاف توجهاتهم، وإدانة للقاتل باختلاف الأحكام الجديدة عليه. الوقوف مع مهدي عامل اليوم تحديدًا، هو وقوف ضد التطرف وضد الاستبداد، ضد الفكر الطائفي المنغلق، وضد الديكتاتوريات التي خلقته. هذا موقف أخلاقي لا يتجزأ، ضد القتلة مهما اختلفت أسماؤهم ومواقعهم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

محمد الدخاخني.. لا لانعزالية الثقافة

اليسار كمعكوس للإسلام السياسي