07-مارس-2016

فرانكو على شرفته (Getty)

أراجع بهدوء بالغ مقطعًا مصورًا عن "يلعن روحه" فرانثيسكو فرانكو، دكتاتور إسبانيا، وأنا من الذين يعتبرون أن "يلعن روحه" هذه حين ترتبط باسم زعيم فهي ليست سُبة، بل هي من باب المديح في بدائع صنعه التي صبغت الزمان والمكان والعباد.

خلق فرانكو من خلفه، بطول البلاد وعرضها، مؤسسات عدة تستفيد من بقائه وسلطته

المقطع كان يتحدث عن فترة الفرانكيسمو وهي الفترة التي تؤرخ ممارسات فرانكو، في بداية السبعينيات حين اغتيل ذراعه الأيمن كابريرا بلانكو على يد منظمة إيتا الانفصالية، بدا فرانكو في المقاطع التي تليها عجوزًا شائخًا، بليد الطلة، مصابًا برعاش العجز. يخاف الدكتاتور حين تكون الرسالة الموجهة قاسية وعنيفة. الدموع التي شيعت بها "الجماهير العريضة" كابريرا كانت دموع خوف أكثر من كونها حزنًا وحدادًا.

اقرأ/ي أيضًا: اسم الله عليكِ يا مصر

خلق فرانكو من خلفه، بطول البلاد وعرضها، مؤسسات عدة تستفيد من بقائه وسلطته، بدأ سلطة انفتاحية بعض الشيء ليواجه سنوات الجوع 1946-1949 التي كان الناس يطبخون فيها لحوم بطونهم من الجوع، لينفتح الاقتصاد قبل أن تأكله الأفواه الجائعة التي وصل صداها إلى العائلات الفرانكية التي تقع في حماه.

حالفه الحظ لوقت طويل، لكن النسوة اللاتي وجب أن يحصلن على موافقة كتابية من آبائهن وأزواجهن لشراء سيارة أو للسفر أو كوثيقة أساسية للحصول على عمل، بدأن في قيادة حركات تمرد هنا وهناك غير مباليات بما كان يفعله فرانكو بهن حين يقبض عليهن. 

انسلت أجيال جديدة من تحت ربقة حكمه أطلقت الاحتجاجات الطلابية، وكانت ميليشا الفلانخيه التي أسسها الشاب النزق دي ريبيرا، التي كانت تعتقل عشوائيًا وتقتل وتنفذ أحكام الاعدام قد فقدت سلطاتها ونفوذها، ولم يعد فرانكو يسمع دي ربيبرا حين يحدثه وهو يلعب الجولف. يبيع المستبدون أذرعهم حين تنتهي مهماتهم التي طُلبت منهم.

 في مقال مترجم، جذب العديد من القراء على الميدل إيست آي البريطانية، تحدث المقال عن الكيفية التي بدأ بها السيسي يفقد مؤيديه، الأمر تجاوز الحظ العاثر. في السيرة الذاتية لفرانكو تُرجع المؤرخة كريستينا مورينيو ركوب فرانكو موجة الانقلاب إلى الحظ، بينما خدم عبد الفتاح السيسي غباء خصومه وسوء تخطيطهم.. ما علينا.

التمويل والتأييد هما العنصران اللذان يحظى بهما كل نظام لضمان استمراره، وهما بالضبط ما فرط فيه السيسي

السيسي في إجراءاته التقشفية يهدد ببطالة 6 مليون موظف حكومي من العمالة الزائدة الجالسين على مكاتبهم، وهم الأغلبية التي صوتت لصالحه في آخر انتخابات رئاسية هزلية جرت.

اقرأ/ي أيضًا: عنتريات فرعون صغير

التسريبات التي خرجت من مكتبه تصف فلوس الخليج بالرز، لم تمنحه شرعية الاستمرار في الحصول على الرز، حيث رفضت السعودية مؤخرًا مجموعة كبيرة من المشاريع التي عرضتها الإدارة المصرية وكانت أسباب الرفض براغماتية بحتة، لأن الرز لم يعد بالمجان.

احتاج فرانكو عشر سنوات ليعيد إسبانيا إلى الخريطة الدولية رغمًا عنه، رغمًا عن القوانين الكاثوليكية الطابع، والعتبات المغلقة، والبطريركية المجتمعية وآذان الجدران التي تكتب التقارير في ابن العم والخال والجار. هل سيبقى السيسي جاثمًا على المزاج المصري كل هذا الوقت؟ جال بخاطري الأمر وأنا أعيد المقاطع التي يرفع فيها الإسبان الموالون للزعيم أيديهم في تحية فاشية معروفة، كانوا يؤدون مثلها لهتلر في ألمانيا: "فيفا إسبانيا.. فيفا فرانكو".

في ظني لا يملك السيسي حظ فرانكو، وقد استنفد كل فرصة لإنعاشه. من الواضح أيضًا أنه لم يعد له ثقة في أي أحد "اسمعوا كلامي أنا بس". تلك في العادة أعراض الخوف والاضطراب. هناك أوضاع سياسية لا يمكن الاستمرار بها دون تمويل وتأييد، وهما العنصران اللذان يحظى بهما كل نظام لضمان استمراره، وهما بالضبط ما فرط فيه السيسي. أما النهايات فهي متشابهة؛ فرانكو أو السيسي.. إلخ.

اقرأ/ي أيضًا:

السيسي.. خُطب الدكتاتور المأزومة

كواليس النصب باسم الرئيس