12-مارس-2016

أبو الغيط في ضيافة إيهود باراك في دارته بتل أبيب/ صائفة 2007 (Getty)

لم يأت وقوع الاختيار على رجل حسني مبارك ووزير خارجية انقلاب السيسي، ومنقذ تسيبي ليفني ومبرر حروبها، وربيب رجل التسليح والاستخبارات الأمريكية اللواء محمد العصار أحمد أبو الغيط مفاجئا على صعيد طابع الشخصية ونوعيتها وموقفها ليشغل منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية خلفًا لمواطنه نبيل العربي.

تمثل مباركة استحواذ أبو الغيط على المنصب الجديد، جملة التوافق الإسرائيلي مع حلف الثورات المضادة

أثار ترشيح الاسم ومن ثم اختياره ليشغل موضع الأمين العام لجامعة الدول العربية، برضا سعودي أساسًا، بعض اللغط والجدل والتساؤل، بل الاستنكار والاستهجان، خصوصًا من طرف أصحاب وجهة النظر التي تدمج الرؤية المضادة للمشروع الاستعماري في فلسطين والمنطقة العربية بأهمية تحقيق الديمقراطية والمواطنة عربيًا.

اقرأ/ي أيضًا: "صديق إسرائيل" أميناً عاماً لجامعة الدول "العربية"

بعيدًا عن الشعارات والاصطلاحات السياسية - السوسيولوجية، سواء بشأن الاستعمار أو الديمقراطية والمواطنة، يتضح أن اختيار أبو الغيط أمينًا عامًا لجامعة الدول العربية ما هو إلا ترميز أو تشفير لمرحلة، إنها تلك المرحلة التي طغت فيها مصالح وإكراهات حلف/أحلاف الثورة المضادة على المصلحة الأساسية للتحرك الثوري العربي منذ منتهى 2010.

فيما يتعلق بالديمقراطية والمواطنة والعدالة، سجلّ الرجل المُعلن شفيع بتقديم صك براءة غير قابل للطعن بشأن معاداته لكل ما يأتي عبر مطالب الشارع طوال فترة إسناده لمبارك ومن ثم انقلاب العسكر في مصر. كيف لا، وهو وزير خارجية مصر في أحد أظلم مراحل حكم نظام مبارك، منذ 2004 حتى حقبة "25 يناير"، وهو الذي قضى أكثر من أربعة عقود في سلك الدبلوماسية المصرية معبرًا عن مصالح النظام دومًا.

ربما يقول قول أن أبو الغيط ما هو إلا عبد مأمور لرؤسائه أثناء مراحل تأديته مهامه الدبلوماسية الطويلة، وقد يمتد التبرير ليشمل المرحلة التي أصبح يترأس الدبلوماسية المصرية فيها. لكن حركة التاريخ، سطحيًا أقله، تقول أن لا إسقاطات ولا إكراهات في المناصب الرسمية، خاصة في حالة مثل حالة النظام الدكتاتوري المتصلب الذي غذته حقبة مبارك، وأعادت إنتاجه حراب العسكر في حكم مصر بعد الانقلاب على الشرعية الديمقراطية التي جاءت بها خيارات الثورة. ففي الحالات الدكتاتورية إما يكون المنصب في السلطة مكافئة على جرائم وتدليسات خدمت النظام، بالتالي تصبح تسمية المنصب مستحقة، أو تمهيدًا وارتقابًا لوقوع هذه الشوائن على يد القادم الجديد إلى عتبة المنصب، وانتظارًا منه أن يقوم "باللازم" صيانة لمصلحة النظام.

اقرأ/ي أيضًا: اليوم العالمي للمرأة.. بنات مصر في المعتقلات

إذًا، لا متسع لتبرئة أو قبول أي تبرير لماضي أبو الغيط السياسي، خاصة في حال استكمل الحديث ليتجاوز النقاش حول التاريخ المظلم لأبو الغيط في معاداة الشعب المصري وكل مطالبه الحيوية والسياسية، إلى المنطقة التي يمكن فيها رؤية ما للرجل وجولاته العالمية من دور جوهري في صيانة المصالح الإسرائيلية، ليس أمنيًا فقط، أي الشراكة مع ليفني في إعلان العدوان على المقاومة الفلسطينية من القاهرة مثلًا والحروب الاستخبارية والإعلامية المتكررة التي خاضها أبو الغيط كرمى لمصالح الاحتلال ورضا ساسته، بل في الجانب المرتبط بالصناعات والتجارة والاقتصاد أيضًا.

لم  يرشح نظام السيسي أبو الغيط إلا بعد ضمان الرضا الإسرائيلي – السعودي عن الخيار

حتى مياه النيل  لم تسلم من عبث أبو الغيط، الذي تقاعس كثيرًا وتساوق مع المصالح الذاتية للنظام منذ ما قبل اتفاق عنتيبي، لتأتي  كل الخطوات على حساب الصالح الوطني المصري في مياه النيل، وها هي أديس بابا تستكمل مشروعها لبناء سد النهضة، وتعلن عن مشاريع أخرى بصدد توليد الطاقة عبر سدود تقام على مجرى النيل الأزرق، 85% من الإمداد المائي للنيل في المصب المصري، في ظل تعمية وتضليل ولا مبالاة يمارسها انقلاب السيسي بعون أبو الغيط وأمثاله من مرتزقة الديكتاتور وصبيته.

لم يأت ترشيح واختيار أبو الغيط من فراغ ولا من المنطقة الزرقاء المجهولة، فالوقائع تقول بخطوات شاهقة حققها حلف الثورات المضادة للربيع العربي أصابت النضال الديمقراطي في عدة مقاتل. ولا تمثل خطوة من صنف وضع أبو الغيط موضع الأمين العام لجامعة الدول العربية إلا استكمالًا وتتميمًا لمحاولات هذا الحلف شرعنة عدائه للشعوب والقضايا العربية ومنها فلسطين، مؤهلًا ومسهلًا، أي الحلف عينه، بالمنجل الإسرائيلي في الحصاد المر لمحاولات اغتيال النضال الديمقراطي وخطاب الحرية والمواطنة وعداء الاستعمار عربيًا.   

اقرأ/ي أيضًا: 

طرد عكاشة من البرلمان وألعاب مقاومة التطبيع

السلطة الفلسطينية.. نظام بوليسي؟