14-سبتمبر-2016

مشهد من اشتباكات قوات تابعة حكومة الوفاق الوطني ضد داعش (Getty)

حينما كان يستعدّ الليبيون لعيد الأضحى الذي يفترض عرفًا وضمنًا إيقافًا وقتيًا للأعمال العدائية بين المجموعات المتصارعة في البلاد، تحرّكت قوات خليفة حفتر باتجاه الشرق لتتوالى أولى الأخبار حينها عن اشتباكات في مشارف الحقول النفطية.

أكّدت العملية العسكرية الأخيرة لحفتر في الهلال النفطي، فشل اتفاق الصخيرات في تحقيق التسوية المبتغاة بين القوى الرئيسية المتصارعة في البلاد

وبينما ذهب الظنّ إلى أن معركة عسكرية جديدة قد بدأت حتى فندتها التطورات المسارعة على الأرض حينما حسمت قوات حفتر المعارك في ساعات قليلة لتسيطر على أهم ثلاثة موانئ في الهلال النفطي، وهي موانئ راس لانوف والزويتية والسدرة. ليمثل هذا التطور "انقلابًا مباغتًا" على الوضع المتأزم بطبيعته في البلاد.

اقرأ/ي أيضًا: كيف مولت "الأمم المتحدة" بشار الأسد

تأكيد متجدد لفشل اتفاق الصخيرات

أكّدت العملية العسكرية الأخيرة فشل اتفاق الصخيرات في تحقيق التسوية المبتغاة بين القوى الرئيسية المتصارعة في البلاد، وذلك بعدم قدرة المسار السياسي الانتقالي على استيعاب هذه القوى من جهة وتوفير أطر متفق عليها لحلّ الخلافات فيما بينها.

حيث لم يكن التحرك العسكري الأخير إلا تأكيدًا إضافيًا لفشل اتفاق تم تجاوز بنوده منذ أول أيام إمضائه، بداية من جدل المادة الثامنة المتعلقة بالمناصب العسكرية، وصولًا لرفض البرلمان قبل أيام منح الثقة للحكومة، وذلك مرورًا بالخلافات حول تركيبة المجلس الرئاسي والحكومة طيلة الفترة المنقضية وبالتالي تواصل الانقسام المؤسساتي في البلاد.

وبذلك باتت الضرورة للعودة لنقطة الصفر بين الفرقاء الليبيين للوصول لاتفاق أي تسوية جديدة ما يستلزم تعديلًا جذريًا لاتفاق الصخيرات وهو ما يعني نسخه وإن كان يسعى المبعوث الدولي لتحقيق هذه التسوية في إطار ورقة الصخيرات نفسها لحفظ ما تبقى من ماء الوجه بعد مسار أممي أثبت فشله "الذريع".

تحرّك مباغت في توقيت فارق

تجيء سيطرة قوات حفتر على حقول الهلال النفطي بالتزامن مع تطورات محورية على المستوى السياسي-التفاوضي أو المستوى العسكري. بخصوص المستوى الأوّل، انعقد قبل أسبوع اجتماعًا للفرقاء الليبيين في تونس لتجاوز أزمة البلاد، وطُرح في كواليسها تكوين مجلس عسكري أعلى كآلية لحسم صراع الصلاحيات بين "مجموعة طبرق" ويُقصد بها مؤسسة البرلمان والحكومة الوقتية والقيادة العامة لما يسمى الجيش الليبي بقيادة حفتر، وبين "مجموعة طرابلس" ويُقصد بها مؤسسة حكومة الوفاق الوطني والمجلس الأعلى للدولة المنبثقين عن اتفاق الصخيرات. ووسط الحديث عن رفض حفتر لهكذا مقترح قبل أسابيع، تتعدد الترجيحات حول وجود توجه لدعم هذا المقترح والوصول لهيكل عسكري واحد يجمع قيادات المجموعتين المتصارعتين.

الفشل في تسوية سريعة للنزاع الليبي، التي يجب أن تبدأ بالاتفاق حول الجهة التي تدير منطقة الهلال النفطي، سيعزّز من فرص خيار المواجهة العسكرية

من جانب آخر، قرر المجلس الرئاسي تكوين حكومة جديدة مع رفض مجموعة الشرق لتركيبتها وتحديدًا ما يتعلق بوزارة الدفاع المحجوز مقعدها ضمنًا لقائد عسكري من مجموعة الشرق، ويتولى المنصب حاليًا العقيد مهدي البرغثي وهو حليف سابق لحفتر انقلب عليه. وتعهّد قبل أيام رئيس الحكومة فائز السراج بالقيام بالتعديلات اللازمة غير أن المسألة تتجاوز في الأصل مجرد التسميات في الوزارات لتتعلق بوجود خلل عامّ في ظلّ عدم تحقيق ورقة الصخيرات لأرضية جامعة متفق عليها وكذلك فشل ما يمكن تسميته بـ"المنظومة المؤسساتية" المقترحة في رأب الصدع الحاصل في أجهزة الدولة.

من جانب آخر وفيما يتعلق بالمستوى العسكري، تحركت قوات حفتر شرقًا في الوقت الذي أطبقت فيها قوات البنيان المرصوص سيطرتها على مدينة سرت ما يعني توسيع حكومة الوفاق الوطني لمجال نفوذها باتجاه الشرق.

حيث يخشى حفتر مواصلة العملية لتوسعها شرقا خاصة وأن منطقة الهلال النفطي كانت تحت سيطرة قوات حرس المنشآت النفطية الموالية لحكومة الوفاق، بيد أنه لم يكن من المرجح توجه الحكومة نحو فرض سيطرتها بالقوة على المنطقة الشرقية وإخضاعها بالإجبار لمجال نفوذها وهو ما عكسه وجود مفاوضات معلنة بين الطرفين في الفترة السابقة، إضافة أن تسوية الصخيرات تهدف في جوهرها لمنع اندلاع هذا النزاع المسلح "المؤجل".

وبالتالي لم يكن تحرك حفتر نحو الهلال النفطي إلا بغاية تعزيز نفوذه على الميدان بالتوازي مع المفاوضات الجارية في الغرف المغلقة في ظل حرصه لفرض شروطه على خصومه، وقبلها فرض نفسه في المعادلة السياسية بعد الصدح بالرغبة في "عزله" عن مشهد ما بعد الصخيرات.

اقرأ/ي أيضًا: مأزق الخليج في مصر

تغيّر خريطة نفوذ القوى المتصارعة ومآلات النزاع

في بسط خريطة النفوذ على الساحل الليبي بين القوتين المتصارعتين، تسيطر حاليا القوات المنضوية في إطار حكومة الوفاق الوطني من الحدود التونسية غربًا إلى مدينة سرت شرقًا بعد تحرير قوات البنيان المرصوص لهذه المدينة من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية. كما اتسع نفوذ حكومة الوفاق عبر قوة عسكرية ذات استقلالية نسبية وهي حرس المنشآت النفطية التي يقودها إبراهيم الجضران، لتشمل منطقة الهلال النفطي مجال سيطرتها الهلال النفطي وذلك قبل التحرك الأخير.

وفي المقابل، تسيطر قوات حفتر من الحدود المصرية غربًا لمشارف مدينة أجدابيا شرقًا. وبالسيطرة مؤخرًا على منطقة الهلال النفطي، توسّع قوات حفتر باتجاه الغرب لتشمل منطقة حيوية استراتيجية قضمتها بالنهاية من مجال سيطرة حكومة الوفاق الوطني.

في بداية هذه السنة، كان يفصل بين مجالي نفوذ أهم مجموعتين متصارعتين، أي قوات حفتر والقوات المؤيدة لحكومة الوفاق، منطقة الهلال النفطي التي تسيطر عليها قوة حرس المنشآت النفطية التي أيدت حفتر في عملية الكرامة ثم انقلبت عليه هذه السنة بإعلان تأييدها لحكومة الوفاق، وكذلك مدينة سرت التي كان يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية.

بعد انطلاق عملية البنيان المرصوص والتحرّك الأخير لقوات حفتر، تقاربت الحدود الفاصلة بين المجموعتين مع تمثل منطقة الهلال النفطي كمجال صراع بينهما في الوقت الحاضر. وهو ما تتزايد معه الخشية من حصول "المعركة المؤجلة" التي يسعى الجميع لتجاوزها بما فيها المتخاصمون، خاصة وأن مسرحها الأساسي سيكون منطقة الهلال النفطي، وربما ذلك ما عكسه البيان غير العدائي الأخير لحكومة الوفاق.

الفشل في تسوية سريعة للنزاع عمومًا الذي بات مبتدؤه بالضرورة الاتفاق حول الجهة التي تدير منطقة الهلال النفطي، سيعزّز من فرص خيار المواجهة العسكرية، خاصة وأن لم تعد إلا بضع عشرات الكيلومترات التي تفصل بين قوات حفتر من جهة وقوات الحكومة من جهة أخرى.

هل ستتحرك قوات وزير الدفاع المهدي البرغثي، أم تستعيد قوات المنشآت توازنها، أم سيصدر الأمر لقوات البنيان المرصوص للتوسع شرقًا؟ قد تتحرّك فرادى بدرجات مختلفة أو كقوة واحدة بتوجيه من السراج "القائد الأعلى للجيش الليبي"، إلا أنه من المرجّح قبل خيار المواجهة العسكرية، ستعمل حكومة الوفاق، وبدعم من القوى الدولية، على تسوية بصيغة غير عنفية للتطورات الأخيرة. أما "تسليم" حكومة الوفاق بهزيمتها وبسيطرة قوات حفتر على منطقة الهلال النفطي و"السماح" له بدخول المفاوضات الجديدة بورقة "حاسمة"، فذلك يظلّ من المستبعد إلا إن قررت القوى الداعمة لحكومة الوفاق تخفيض سقف مطالبها وتحجيم طموحاتها لحساب حفتر ومشاريعه.

اقرأ/ي أيضًا:

صفقة أسلحة تاريخية بين أمريكا وإسرائيل

رجل المخابرات الأمريكية الذي يسبب صداعًا لأمريكا