09-أكتوبر-2015

مشهد من بيت إيل (الأناضول)

بيت إيل، أي بيت الله، تقول نصوص دينية قديمة إن هذه البقعة أقرب بقعة إلى السماء، لهذا سميت بيت الله، تلال صغيرة ومستعمرة من أقبح ما بنى الصهاينة، لا شك أن تلة المستوطنة هي الأجمل بين التلال القريبة، هكذا يتعامل اليهود الصهاينة مع بيت الرب، يبنون فيه معسكر جيش واعتقال ومستوطنة قبيحة، ربما هذه طريقتهم الوحيدة في تقديسه.

هنا تخاض جولات مواجهات مع جيش الاحتلال، الجنود على التلة والشبان في سفحها، الضابط قائد المنطقة وحاشيته في الأعلى يراقبون، في البقعة الأقرب إلى السماء يراقب قائد المنطقة، وفي البقعة الأخفض يحاول جنوده إثبات كفاءتهم واستعراض تعدد أساليبهم في السيطرة على الجموع الغاضبة.

لا يخطر المعيار العسكري لأحد على بال، لا الشبان الغاضبون ولا قائد المنطقة. هنا منطق خاص، يليق بمكان سموه قديما بيت الله

على الأغلب التل مليء بالقناصة المتوارين، ومن يُترَكون للنزول لمواجهة الشبان هم جنود مبتدئون يحاولون تملق قائد المنطقة.

عسكريا المواجهة ساقطة، لا يصح أن نسميها مواجهة أصلا، ولكن المعيار العسكري لا يخطر لأحد على بال، لا الشبان الغاضبون ولا قائد المنطقة. هنا منطق خاص، يليق بمكان سموه قديما بيت الله.

لم يحدث يوما أن كانت نتيجة المواجهة مغايرة للنتيجة الثابتة، شهداء وجرحى ومعتقلون من الشبان الفلسطينيين، وجنود يعودون إلى معسكراتهم منهكين من الوقوف الطويل، لا أكثر ولا أقل. هل فكر الشبان بهذه النتيجة يوما، بالتأكيد لا، هل منعتهم القناعة بأن النتيجة واحدة ثابتة عن القدوم إلى بيت إيل كل يوم، بالتأكيد لا. ماذا يمكن وصف هذا المنطق إذن؟! لا أظنه منشغلين بتوصيفه.

هنا النموذج العملي لاتفاقية أوسلو، هنا نقاتل في الجغرافيا التي يريدها الاحتلال، وبالطريقة التي يفضل، هنا كبّلتنا السلطة وقيادة منظمة التحرير، ثم قالت لنا انزلوا إلى حلبة الملاكمة، قاتلوا إن شئتم. ثم جلست تغلق أذنيها على بعد شارعين، هناك حيث بيت الرئيس قريب جدا من بيت الرب.

لا يفكر الشبان في الجغرافيا المعادية ولا بالتاريخ المكتظ في بيت إيل، لا يفكرون حتى بمن يراقب في أعلى التلة، ومن يراقب مِن الأعلى، من اعتبرت المنطقة بيته.

يكاد صواب المرء يطير حين يفكر بالمراقبة مثل البقية، يفكر بمنطق هذه المواجهة العجيبة، يفسرها باليأس، فيخجل من نفسه حين يرى عيون الملثمين، يفسرها بالجنون فيذهل من تطور تقنيات المواجهة لدى فتية بالكاد نبت شعر في وجوههم. يفسرها بقبح الواقع وضيق الخيارات، لا يجد أن ما يجري هناك يقل ضيقا وقبحا. لا منطق يصلح لتفسير ما يجري في بيت الرب.

ربما لأنه بيت الله، له منطق خاص، منطق إلهي يدركه الشبان، ويستعصي فهمه على المراقبين. قائد المنطقة وأنا، أما صاحب البيت… فلا أحد يعلم.

اقرأ/ي أيضًا: جمعة جماهيرية والانتفاض متصاعد