18-فبراير-2016

أول اجتماعات الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور الليبي (أ.ف.ب)

في خضم التطورات في ليبيا، بين الجدل حول التدخل العسكري المرتقب وتركيبة حكومة التوافق، قدّمت لجنة العمل بلجنة الستّين، المسوّدة الجديدة للدستور التي لم تحظ بعد بالقدر الكافي من الاهتمام والنقاش في الشارع الليبي ولدى الطبقة السياسية، رغم محورية التأسيس الدستوري في مرحلة الانتقال الديمقراطي. وقد تضمنت المسوّدة الجديدة 220 فصلًا إضافة إلى ديباجة تتكوّن من فقرة واحدة. وفيما يلي عرض عام لخطوطها العريضة:

3 عواصم لـ "الجمهورية الليبية"

اعتمدت مسودة الدستور الليبي على ثلاث عواصم للدولة، وهي طرابلس كعاصمة سياسية، وبنغازي كعاصمة اقتصادية، وسبها كعاصمة ثقافية وسياحية

اعتمدت مسوّدة الدستور على ثلاث عواصم للدولة، وهي طرابلس (غرب) كعاصمة سياسية، وبنغازي (شرق) كعاصمة اقتصادية، وسبها (جنوب) كعاصمة ثقافية وسياحية. ويمثّل عدم اعتماد عاصمة واحدة للبلاد، بتسمية ثلاث عواصم موزعة جغرافيًا على الأقاليم الثلاثة للبلاد، العنوان الأساسي لمعالجة ملفّ المركزية في الدستور.

وهو توزيع يتوازى مع عدم اعتماد نظام فيدرالي تطالب به بعض القوى في إقليم برقة شرق البلاد. وقد شدّد الفصل الأول من المسودّة على وحدة البلاد مع تسمية الدولة باسم "الجمهورية الليبية".

كما تمّ توزيع مؤسسات الدولة بدورها على عواصم البلاد، حيث ستكون طرابلس مقرًا لرئاسة الجمهورية والحكومة والمجلس الأعلى للقضاء، فيما ستكون بنغازي مقرًّا للبرلمان بغرفتيه، وسبها مقرًّا للمحكمة الدستورية والمجلس الأعلى للحكم المحلّي.

من جانب آخر، ورغم تنصيص المسوّدة على الإبقاء على العلم الحالي للبلاد، وهو علم الاستقلال، والنشيد الحالي "يا بلادي"، فقد نصت على حكم خاص بهما يتمثّل في ضرورة عرضهما على الاستفتاء قبل انتهاء الدورة التشريعية الثانية للبرلمان المقبل.

تفصيل لـ"مقوّمات الدولة" والحقوق والحريات

حرصت المسوّدة على تفصيل "مقوّمات الدولة" والحقوق والحريات، عكسها تضخم عدد المواد المتعلقة بها والتي بلغت أكثر من 60 فصلاً. حيث خاضت المسوّدة في شروط اكتساب الجنسية وإسقاطها، وخصصت فصولًا للسياسة الخارجية، وللعلاقات الدولية، ولأسس الاقتصاد، وللاستثمار، وحماية الآثار، وغير ذلك من مسائل لم يُعتد تناولها في الدساتير بهكذا تفصيل.

وفيما يتعلّق باللغة، نصت المسوّدة على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد، مع اعتبار بقية اللغات المحلية كلغات وطنية مع إمكانية استخدامها وتعلّمها وواجب الدولة في حمايته.

نصّت مسودة الدستور الليبي على عدد من الأحكام، يرى مراقبون أنها تحمل جرعة إسلامية خالصة، ويخشون عدم ملاءمتها مع مستلزمات النظام الديمقراطي

من جانب آخر، نصّت المسوّدة على عدد من الأحكام، يرى مراقبون أنها تحمل جرعة إسلامية خالصة، يخشى البعض منهم عدم ملاءمتها مع مستلزمات النظام الديمقراطي، حيث نصّت على أن الأحكام القضائية تصدر بـ"اسم الله الرحمن الرحيم"، على عكس ما ذهب إليه مثلًا الدستور التونسي، الذي نصّ على صدور الأحكام باسم الشعب بما أنه هو مصدر الشرعية وصاحب السلطات.

كما نصّت المادة 30 على إشراف الدولة على تحصيل الزكاة "وإنفاقها في المصارف الشرعية" دون خلطها مع الإيرادات العامة للدولة. ونصت المادة 31 على حرمة الأوقاف وفصلها عن أموال الدولة. وبدأ نصّ الفصل المتعلق بـ"دعم حقوق المرأة"، بالحديث النبوي الصحيح "النساء شقائق الرجال".

نظام رئاسي وبرلمان بغرفتيْن

اعتمدت المسوّدة نظامًا رئاسيًا حيث تتكوّن السلطة التنفيذية من رئيس للجمهورية يتمّ انتخابه انتخابًا عامًّا، وحكومة يترأسها رئيس للوزراء. فيما تتمثّل السلطة التشريعية عبر برلمان سمّي مجلس الشورى، يتكون من غرفتين هما مجلس النواب ومجلس الشيوخ، يتمّ انتخاب الأول وفق المعيار السكاني أساسًا، فيما يتمّ انتخاب الثاني وفق المعيار الجغرافي حصرًا حيث يتكون هذا المجلس من 74 مقعدًا موزّعًا بالتساوي بين الأقاليم الثلاثة.

اعتمدت مسودة الدستور الليبي نظامًا رئاسيًا وللرئيس، حسبه، صلاحيات واسعة

ويمارس رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة حيث يحدّد ويوجّه السياسة العامّة، ويعيّن رئيس الوزراء ويعتمد تشكيل حكومته، ويعيّن ويعفي في المناصب العليا للدولة إضافة إلى حق تقديم مشاريع قوانين وحق إصدار مراسيم بقوة القانون في حالات خاصة. كما يتمتع بحق الردّ وهو حقّ يمكّنه من رفض المصادقة على قانون إلا بعد الترفيع في نصاب الموافقة عليه التي تبلغ الأغلبية المطلقة من أعضاء البرلمان. كما له إمكانية عرض حلّ البرلمان على استفتاء شعبي لأسباب "وجيهة" تقدّرها المحكمة الدستورية. ويكفي موافقة ثلث أعضاء مجلس النواب زائد واحد لمنح الثقة للحكومة وذلك دون اشتراط الأغلبية المطلقة.

وفيما يتعلق بالبرلمان، يمارس مجلس النواب، الغرفة الأولى، ولاية تشريعية عامّة، فيما يمارس مجلس الشيوخ، الغرفة الثانية، ولاية تشريعية خاصة بحيث يُراجع فيما يتعلق بعدد محدد من القوانين أهمها قوانين المالية، والحكم المحلي، والانتخاب، والثروات الطبيعية، وتعديل الدستور. ويرشح مجلس النواب ويصادق من بعده مجلس الشيوخ على ترشيحات قضاة المحكمة الدستورية المختارين من السلطة التشريعية، ورؤساء وأعضاء وإدارة الهيئات الدستورية، ومحافظ البنك المركزي ونائبه. ويختص مجلس الشيوخ بالمصادقة على تعيينات رئيس الجمهورية في مجال الشؤون الخارجية.

وموازاة مع إمكانية رئيس الجمهورية التوجه لاستفتاء لحلّ البرلمان، يمكن للبرلمان، بأغلبية ثلثي أعضائه، إصدار لائحة اتهام ضده ومحاكمته أمام محكمة خاصّة، ويتم عزله بثبوت الإدانة.

وقد نصّت المسوّدة على انتخاب رئيس الجمهورية وفق نظام انتخابي مختلط يأخذ بالمعيارين السكاني والجغرافي على حد السواء. ويأتي هذا التنصيص الدستوري لضمان أن يكون رئيس الجمهورية شخصية وطنية تحظى بأكبر قدر من الدعم بين الأقاليم الثلاثة، لأنه لو يتم اعتماد المعيار السكاني فقط، وهو المعيار المعتمد في الأنظمة الانتخابية العادية، فسيستفرد عمليًا ناخبو المنطقة الغربية بتحديد رئيس الجمهورية نظرًا لوزنهم السكاني مقارنة بإقليميْ الشرق والجنوب.

وقد تم الفصل بين مدة ولاية رئيس الجمهورية التي تمتدّ لخمس سنوات ومدة ولاية مجلس الشورى بغرفتيه التي تمتدّ لأربع سنوات. ولضمان التداول على السلطة، تم منع ترشح رئيس الجمهورية لأكثر من دورتين رئاسيتين سواء متصلتين أو منفصلتين.

السلطة القضائية والحكم المحلي والهيئات الدستورية

نصّت المسوّدة على استقلالية السلطة القضائية مع إنشاء مجلس أعلى للقضاء "يضمن حسن سير القضاء واستقلاله". ويتكون المجلس من اثني عشر عضوًا منهم اثنين من خارج السلطة القضائية. وتم حظر إنشاء المحاكم الاستثنائية.

كما تم إنشاء محكمة دستورية تتولى الرقابة على دستورية القوانين ومراجعة المعاهدات قبل التصديق عليها والبت في دعاوى الطعن بعدم الدستورية وغير ذلك. وتتكوّن المحكمة بدورها من اثني عشر عضوًا، يختار المجلس الأعلى للقضاء ستّة، فيما يتم اختيار بقية الأعضاء مناصفة بين رئيس الجمهورية والبرلمان.

وفيما يتعلّق بالحكم المحلّي، تمّ التنصيص على مبدأ اللامركزية الموسعة مع اختيار مجلس المحافظات والبلديات بالانتخاب العام، وتمتيع وحدات الحكم بصلاحيات ذاتية إضافة إلى الصلاحيات الممنوحة من السلطة المركزية، مع منح الاستقلالية لهذه الوحدات.

تنص مسودة الدستور الليبي في باب خاص بالثروات الطبيعية، على ملكية الشعب لها وإجبارية عرض العقود المتعلقة بها على السلطة التشريعية بغرفتيْها

وفي هذا الإطار، تم إنشاء مجلس أعلى للحكم المحلّي مقرّه في سبها، يبدي رأيه في المشاريع المتعلقة بالتخطيط والميزانية والحكم المحلي، مع التنسيق بين الوحدات المحلية وحل الخلافات بينها.

وفيما يتعلق بالهيئات الدستورية، تم إنشاء إحدى عشرة هيئة مستقلة أهمها هيئة الانتخابات، وهيئة البحوث الشرعية، وديوان المحاسبة، ومجلس حقوق الإنسان، ومجلس للموروث الثقافي واللغوي، وهيئة للإعلام. وتم إقرار مسار للعدالة الانتقالية مع واجب الدولة في تنفيذ آلياته دون إنشاء هيئة مستقلّة بذلك على غرار المثال التونسي المجاور.

وقد تم التنصيص على باب خاصّ بالثروات الطبيعية، ينصّ على ملكية الشعب لها، وإجبارية عرض العقود المتعلقة بها على السلطة التشريعية بغرفتيْها، وإنشاء مشاريع بديلة بعوائد الثروات في المناطق الأكثر إنتاجًا ثم في المناطق الأقل نموًا. وقد نصّت المسودة في بابها الأخير المتعلّق بالتدابير الانتقالية، على حلّ جميع الأحزاب السياسية خلال فترة أربع سنوات من نفاذ الدستور يصدر خلالها قانون لتنظيمها.

اقرأ/ي أيضًا: 

المحاصصة المناطقية في ليبيا.. الخطر الأكبر

الدستور الليبي الجديد في عيون الليبيين..

ليبيا ومخاض التأسيس..