25-سبتمبر-2015

مسافر قاسم في محترفه (ألترا صوت)

منذ آب/أغسطس 2014، يواصل الفنان التشكيلي الكردي العراقي مسافر قاسم (1990) الرسم مصورًا في لوحاته المأساة التي تعرض لها سكان جبل سنجار الذي ينحدر منه، على يد داعش، الآفة المتمددة في الشرق. الأعمال التي أنجزها قاسم عرضت في شمال العراق وجورجيا وأرمينيا، للتضامن مع ضحايا هذه المأساة التي لا تزال مستمرة.

لم تحجب لوحات مسافر قاسم ملامح المكان اليزيدي ولا أهله، بل طمست ملامح وحوش داعش المسعورة

كان الصيف يلقي بكلكله على سفوح جبل سنجار القديم، وكان كل شيء حارًا كالحجيم. لم تعلم منحدرات الجبل الهادئ أنها ستكون مسرحًا لغزوة قادمة من زمن القرون الوسطى، حين ظهر أناس أجلاف ملتحون، يسبون النساء وينهبون الأشياء. صرخ رجل مسنّ: ما الذي يحدث؟ فجاءه الجواب الجماعي: لقد سقط الجبل، انجُ بنفسك أنت ومن تحب، قبل أن تصبحوا غنائم حرب. قالت امرأة مطعونة: سقطت العدالة.

في اليوم الأول للغزوة القروسطية قتل الآلاف، وجرح الآلاف، وقام الأجلاف باغتصاب آلاف النسوة والفتيات. نزح نصف مليون إنسان، بيعت الفتيات في أسواق النخاسة الجديدة الممتدة من الموصل العراقية إلى الرقة السورية بـ100 دولار. ولا تزال الحمى الجنسية الدينية مستعرةً بجنون، والمغتصبون يتباهون بجرائمهم في شرائط فيديو يبثونها على الإنترنت.

مضى عام وشهران على مسلسل أحد أكبر أسواق الدعارة والتجارة بالبشر والاغتصاب الجماعي للفتيات والنسوة السبايا، على يد مرضى نفسيين ساديين قادمين من كهوف التاريخ. هذه الدراما التراجيديا الإجرامية دفعت الفنان الشاب مسافر قاسم إلى أن يختار طريق الرسم والفن التشكيلي لتذكير العالم بالمأساة دفاعًا عن فتيات ونساء جبل سنجار، ولتذكير العالم بواجبه نحو هؤلاء الناس الذين استباحتهم ذئاب بشرية تحركها فتاوى دينية تبيح السبي والاغتصاب.

من هن بطلات مسافر قاسم؟ لا نكاد نعرفهن عن كثب، هن جريحات ومأزومات ومتألمات. هويتهن بالأسى حسب اللوحات، فالنساء اللواتي لا نعرف أسماءهن بالطبع نستطيع أن نعرف هول الألم الذي انصب عليهن كاللعنة. قاسم الذي يعرف سيماء الوجوه التي عايشها منذ طفولته في الحي والمدرسة، استطاع أن يجعل تتكلم لوحاته، بكل تكاد تصرخ وتتوثب بحياةٍ كانت هناك، قبل أن تهبط المسوخ المسعورة.

اللوحات التي جاءت غالبيتها في ظلام يشبه ظلام عقول حملة الرايات السود، لم تحجب ملامح المكان اليزيدي ولا أهله، رغم البلاء والموت المحيقين بهما، بل طمست ملامح وحوش داعش المسعورة، وكأنها تريد أن تقول لنا إن هولاء متشابهون، متطابقون، وهذا الظلام الكالح هو معناهم واسمهم.

في اللوحات؛ أناس يفرون من الموت، يختبئون في كهوف الجبل، يعيشون على أوراق الشجر، صبايا تنتهك باسم الله. كذلك هناك الفتاة الحافية التي قادت أطفال الحي في مسير فدائي عبر الجبل ودافعت عنهم ببندقية يتيمة، وأيضًا ثمة نساء عاريات يتعرضن للتحرش الجماعي من كل صوب، وصراخ يكاد يشق قماش اللوحة لأمهات وأطفال يطلبون نجدةً يعرفون أنها لن تأتي. وقبور جماعية لأطفال ماتوا جوعًا وعطشًا في العراء.

أبرز لوحة في مشروع قاسم هي تلك التي تصور فتاةً عارية تم تكميمها وربطها في الجبل، بينما تنزل من مقلتيها دمعتان من الدماء القانية في مشهد مفعم بالرمزية. لعل الفتاة الباكية هي جبل سنجار نفسه، ولعلها أيضًا الفتيات المسبيات كلهن.

تواصل ريشة مسافر قاسم تصوير أولاء المجهولات، وتقوم لوحاته بسرد حكاياتهن في معارض متعددة، لتقول لمن بقي فيهم ضمير: أنقذونا، أين إنسانيتكم؟ لماذا أشاحت الحضارة والمدنية بوجهها وتركتنا في محفل السكس الجماعي المريض كهذا العالم؟