قالت صحيفة "الغارديان"، اليوم الإثنين، إن وزارة الخارجية البريطانية تجري محادثات سرية مع "قوات الدعم السريع"، أحد طرفي الصراع في السودان الذي دخل عامه الثاني.
وأوضحت الصحيفة أن الأخبار التي تفيد بأن الحكومة البريطانية منخرطة في مفاوضات سرية مع "قوات الدعم السريع"، المتهمة بارتكاب جرائم تطهير عرقي في السودان، أثارت مخاوف وتحذيرات من أن تُضفي هذه المحادثات الشرعية على هذه الميليشيا سيئة السمعة، وأن تقوّض مصداقية بريطانيا في المنطقة.
ووصفت إحدى منظمات حقوق الإنسان استعداد لندن للتفاوض مع "الدعم السريع" بأنه "صادم"، نظرًا للجرائم التي ترتكبها الأخيرة وتشمل القتل والاغتصاب والتطهير العرقي ضد الأقليات الإفريقية في السودان، مثل قبيلة المساليت في إقليم دارفور غرب البلاد.
وصفت منظمات حقوقية المحادثات السرية بين الحكومة البريطانية و"قوات الدعم السريع" بمثابة خطوة فظيعة وصفعة حقيقية على الوجه بالنسبة للسودانيين
ومن بين هذه الجرائم جريمة قتل ما لا يقل عن 15 ألف مدني في الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور، التي أعادت إلى الأذهان الإبادة الجماعية التي شهدتها المنطقة قبل عقدين من الزمن. عدا عن نهب المساعدات، واغتصاب النساء والأطفال، وغيرها من الانتهاكات.
وتتزامن هذه الأنباء مع حلول الذكرى السنوية الأولى للحرب التي اندلعت بين "قوات الدعم السريع" والقوات المسلحة السودانية في منتصف نيسان/أبريل 2023، وخلّفت عشرات الآلاف من القتلى، وأكثر من 8 ملايين نازح، وما يقرب من 18 مليون شخص يعانون من الجوع.
وبحسب الصحيفة، فقد حرّض كبار المسؤولين في وزارة الخارجية والكومنولث والتنمية البريطانية على إجراء محادثات مع قوات الدعم السريع كان آخرها في آذار/مارس الفائت، حيث اجتمع مسؤولون من وزارة الدفاع مع ممثلين عن المجموعة شبه العسكرية.
وبشأن نتائج هذه المحادثات، قال شاراث سرينيفاسان، المدير المشارك لمركز الحوكمة وحقوق الإنسان في جامعة كامبريدج، إنها لم تؤد إلا إلى تأجيج العنف السودان، مضيفًا: "التحدث مع الرجال الذي يحملون الأسلحة كان جزءًا من استمرار العنف والاستبداد في السودان على مدى العقدين أو الثلاثة عقود الماضية"، وتابع: "البراغماتية لم توصلنا إلى أي مكان".
وأضاف سرينيفاسان الخبير بالشأن السوداني بأن "قوات الدعم السريع" ترتكب أعمال عنف لا حصر لها ضد المجموعات العرقية، النساء والأطفال، وأنها بذلك تضع الكثير من المصداقية الأخلاقية على المحك.
وأشار إلى أن المشكلة في السودان: "هي أننا تحدثنا إليهم (حميدتي والبرهان) من قبل وطلبوا تقاسم السلطة، وهو الأمر الذي أعاد وضعهم في مركز الحكومة"، ولذلك فإن: "الخطر يكمن في أنه باسم إنهاء العنف، فإنك تتحدث معهم وتضفي عليهم الشرعية وتعيدهم إلى موقع السلطة".
واعتبرت مادي كروثر، المديرة المشاركة لمنظمة حقوق الإنسان "Waging Peace"، المحادثات بين البريطانيين و"الدعم السريع" خطوة فظيعة وصفعة حقيقية على الوجه بالنسبة للسودانيين.
وقالت إن المغتربين السودانيين سيعبرون هذه المحادثات: "إساءة كاملة للثقة التي وضعها الناس في المملكة المتحدة والقوى الأخرى للتفاوض أو الدفاع نيابة عنهم"، مشيرةً إلى أنه سيكون هناك: "هناك صدمة مطلقة، وشعور حقيقي بالخذلان التام من قبل حكومة المملكة المتحدة".
ولفتت إلى أن التاريخ أثبت أن الحديث مع "قوات الدعم السريع" لم يسفر عن إيجابيات تُذكر، مؤكدةً أن الحديث معهم لم يسفر أبدًا: "عن النتائج التي تقول المملكة المتحدة إنها تريد تحقيقها في السودان. ليس لدي أي فكرة عن سبب تغير ذلك في الوقت الحالي".
في المقابل، زعمت وزارة الخارجية البريطانية أن الهدف من المحادثات محاولة زيادة إمكانية الوصول إلى المساعدات الإنسانية وإنهاء القتال ضد القوات المسلحة السودانية.
وقال متحدث باسم الوزارة: "تواصل المملكة المتحدة اتباع جميع السبل الدبلوماسية لإنهاء العنف لمنع وقوع المزيد من الفظائع، والضغط على الطرفين للتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية دون قيود، وحماية المدنيين، والالتزام بوقف إطلاق النار".
وتحل اليوم الذكرى السنوية الأولى للحرب وسط تصاعد التحذيرات الأممية والدولية من مجاعة كارثية تهدِّد حياة 5 ملايين سوداني، من أصل 18 مليون يعانون من الجوع الحاد.
ويحذّر عمّال ووكالات الإغاثة من مجاعة واسعة النطاق في السودان تُنذر بحدوث وفيات جماعية خلال الأشهر القليلة المقبلة، نتيجة انهيار شبكات إنتاج وتوزيع الغذاء، وعجز وكالات الإغاثة عن الوصول إلى المناطق المتضررة.
وفي ظل استمرار القتال وعرقلة وصول المساعدات، تبدو المجاعة أقرب من أي وقت مضى. وقد حذّر رئيس مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في السودان، جاستين برادي، من احتمال وفاة عشرات بل ومئات الآلاف في الأشهر المقبلة بسبب سوء التغذية.