22-يناير-2016

ميدان التحرير 2011

شكّل الانقلاب العسكري الذي نفذه عبد الفتاح السيسي، ضد الرئيس محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيًا في مصر، ضربًة موجعة لدول الربيع العربي، التي كانت تسعى لتغيير وضعها الاجتماعي – السياسي – الاقتصادي، بعد اصطدامهم بإرادة دولية ترفض تغيير الأنظمة العربية، عمدت إلى خلط الأوراق، ريثما تستيقظ من الصدمة التي تعرضت لها، عندما شاهدت التونسيون على شاشات التلفزة وهم يطالبون بن علي بالرحيل.

شكّل الانقلاب العسكري الذي نفذه عبد الفتاح السيسي ضربًة موجعة للربيع العربي

منذ أن بدأت الثورة التونسية، والسوريون يراقبون الحالة السياسية في العالم العربي بشكلٍ أكبر، وبدأ الحديث في إطارٍ ضيق يناقش إمكانية التظاهر، لتأتي ثورة 25 يناير، وتعلن أن الربيع العربي قد جاء، وآن أوان التغيير، هي معطيات حقيقية لا يمكن نكرانها، تباعًا بدأت دول الربيع العربي تتظاهر بعد أن شاهدت الجموع المحتشدة في ميدان التحرير، اليمن ومن ثم البحرين التي تعرضت لتدخلات خارجية عديدة، وليبيا التي سيطر عليها حلف الناتو، سوريا وتلاقي المصالح العالمية على إفشال ثورتها، وأخيرًا الحراك السوداني الذي قضي عليه منذ أيامه الأولى، دون أن يلتفت إليه أحد.

في سوريا كان الوضع آخذًا بالغليان، وكان هناك دعوتان في الرابع والخامس من شباط للاعتصام إلا أنهما لم ينفذا، لتنطلق الثورة في آذار، بعد أن كانت النتائج تدل على أن رياح التغيير بدأت. ميدان التحرير الذي كان رمزًا للديمقراطية الجديدة، أحدث تأثيرًا كبيرًا في ذاكرة السوريين، الذين حاولوا مرارًا وتكرارًا الاعتصام في أحد الساحات الرئيسية كساحة الأمويين في دمشق، أو ساحة سعد الله الجابري في حلب، في سعيهم لاستعادة التجربة المصرية، لكنهم لم يستطيعوا نتيجة السيطرة العسكرية التي كان يفرضها النظام السوري على الساحات الكبرى، وعندما تمكنوا من ذلك اعتصموا في ساحة العاصي في مدينة حماة لأيامٍ قليلة، قبل أن يقتحم النظام السوري الساحة بالمدرعات.

حاول السوريون قبل أن تنطلق ثورتهم، استغلال ما يحصل في مصر، ونفذوا أكثر من اعتصامٍ أمام السفارة المصرية في دمشق، تضامنًا مع المتظاهرين في ميدان التحرير، وأصبحت الثورة المصرية حديث المقاهي ووسائل النقل العامة، فيما كان يناقشها طلاب الجامعات ومعتقلي الرأي والمعنين بالتغير الجذري بشكلٍ سري، في محاولة إسقاطها على الواقع السوري، وكيفية كسر حاجز الخوف لدى السوريين.

وتحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلى ساحات نقاش لما يحدث في مصر، وأصبح الكلام في السياسة أكثر من سابقه على صفحات الدردشة، وبدأوا ينقلون ما يحدث في مصر بشكلٍ أكبر، الصفحات امتلأت بصور الاعتصامات المنفذة في الدول العربية والغربية تضامنًا مع الشعب المصري، الآراء الفردية، الصور ومقاطع الفيديو القادمة من ميدان التحرير كانت شاغلهم الأول، وتصدرت أغاني الشيخ إمام صفحاتهم، وعلى رأسهم كانت أغنية "يا مصر قومي وشدي الحيل".

عندما ظهر عمر سليمان وأعلن تنحي مبارك، أصبح السوريون أكثر يقينًا بأن فرصة التغيير حان وقتها

عندما ظهر عمر سليمان وأعلن تنحي حسني مبارك عن الرئاسة، أصبح السوريون أكثر يقينًا بأن فرصة التغيير حان وقتها، طالما أن الدول الكبرى تخلت عن أحد أهم حلفائها في الخريطة العربية، التحرك العفوي الذي حصل في حي الحريقة في 17 شباط/ فبراير، أي بعد ستة أيام من تنحي مبارك، زاد السوريين يقينًا بأن المناخ العام بات جاهزًا للتظاهر، ومطالبة النظام السوري بالرحيل، تظاهر السوريون، لكن التجربة اختلفت.

إذ، وعلى عكس ثورة 25 يناير، التي لم تشهد عنفًا دمويًا موجهًا من المؤسسة العسكرية، إنما شهدت مطالبة المتظاهرين الجيش المصري بعدم مغادرة ميدان التحرير لحمايتهم من هجوم بلطجية حسني مبارك، كان السوريون يبذلون جهدًا كبيرًا على جذب المؤسسة العسكرية لصالحهم، كما حدث في مصر، وقبلها تونس، لكنهم جوبهوا بالرصاص والقذائف، والبراميل المتفجرة، التي كثف النظام السوري من استخدامها، بالتزامن مع انقلاب السيسي، وأصبح المشهد واضحًا، حيث لم يمض أكثر من شهر ونفذ طيران النظام السوري مجزرة الكيماوي في الغوطة الشرقية والغوطة الغربية.

قبل أن يحصل الانقلاب العسكري، كانت أم الدنيا ملجًأ آمنًا لعدد كبير من السوريين، بعد أن أقفلت معظم الدول العربية أبوابها في وجه المعارضين المطلوبين للموت في أقبية المخابرات السورية، كان السوريون يجدون فيها نوعًا من الاستقرار الآني، ورخصًا في الحياة المعيشية، وساعد في ذلك إصدار الرئيس محمد مرسي لبعض القرارات التي سهلت من عملية تنقلهم داخل مصر، ما جعل السوريين المعارضين يجدون في مصر سندًا كبيرًا لهم، كان الظن العام يشير إلى أن الديمقراطية الشعبية عادت إلى الساحة السياسية، أو الأصدق أنها انتصرت.

لكن الآمال تغيرت، الرئيس محمد مرسي الذي انتخب بإرادة شعبية اعتقل، والعسكر عاد للسلطة بديكتاتور آخر ليحارب الإرهاب، الذي تجلى بشكلٍ واضح بعد إعادة العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري.   

اقرأ/ي أيضًا:

25 يناير الخامسة.. كي لا يكون الندم

مصر الانقلاب.. كوكتيل المنع والفقد