21-سبتمبر-2016

صورة أرشيفية / getty

ببلادة لا متناهية، يُجيب الاحتلال الإسرائيلي على السؤال أعلاه، بالقول إنّ "الحجارة التي يتم إلقاؤها على المستوطنين، هي السبب". فمكالمة قصيرة من هاتف مستوطن إسرائيلي، يدّعي فيها تعرّض مركبته لإلقاء حجارة أثناء مروره على شارع حوارة الرئيس، كفيلة بخنق قرى جنوب نابلس، والتنكيل بأهلها أيامًا وأسابيع.

منذ بداية أيلول/سبتمبر الجاري، يعمد الاحتلال إلى التنكيل بأهالي ريف نابلس الجنوبيّ، وخاصة تلك التي تبدأ بعد حاجز حوارة خروجًا من نابلس، وصولًا إلى حاجز زعترة الذي يفصل شمال الضفة الغربية عن وسطها.

الاحتلال حوّل حياة الأهالي في تلك البلدات إلى جحيم، بفعل حصارها، وإغلاقها بالمكعبات الإسمنتية، بذريعة إلقاء الحجارة

حوارة، التي يشطرها الشارع إلى نصفين، وبلدات وقرى أخرى قريبة منها تقع إلى يمين ويسار الشارع، مثل بورين، عينابوس، أودلا، عورتا، قوزا، بيتا، حوّل الاحتلال حياة أهلها إلى جحيم، بفعل إغلاق منافذها بالمكعبات الإسمنتية، والسواتر الترابيّة، أو بوضع حواجز عليها يفتّش الجنود كل داخل إليها وخارج منها.

فبلدة بيتا، مثلًا، والتي يبلغ عدد سكانها وفق آخر إحصائيّة نحو 13 ألف نسمة، أغلق الاحتلال جميع منافذها الرئيسية والفرعية (مع عورتا، وأودلا، وحوارة)، أو حتى تلك الوعرة، التي اضطر المواطنون لخلقها، وسلوكها، بعد إحكام حصار الاحتلال لبلدتهم في المرّة الأولى قبل عيد الأضحى المبارك، حين استمرّ الإغلاق مدّة أسبوع كامل، وشمل أيضًا إغلاق مفترق بلدات بورين، وأودلا، وكذلك عورتا، وأيضًا المفترق المؤدي إلى قرى عينابوس وعوريف وجماعين، والذريعة الإسرائيلية جاهزة في كلّ مرة: "إلقاء حجارة وزجاجات حارقة".

إغلاق مدخل بلدة بيتا، جنوب نابلس

اقرأ/ي أيضًا: عملية "كريات أربع".. المقاومة ممكنة

توجّهنا بالسؤال إلى "الارتباط الفلسطيني" في نابلس، لعلّنا نحظى بإجابة واضحة، أو أخرى غير تلك التي يسوقها الاحتلال الإسرائيلي، لتبرير إغلاق حاجز حوارة المستمر، وحصار القرى المحيطة، بهذا الشكل المريب، خلال الفترة الأخيرة، فلم نجد سببًا إلّا الذريعة الإسرائيلية وفق ما يتم إبلاغهم، وحين السؤال عن ما يُشاع بأن الاحتلال يعتزم إنشاء طرق بديلة في المنطقة بذريعة تأمين حركة المستوطنين، كان الردّ: هُناك أقاويل بهذا الشأن، لكن لم يتم إبلاغنا بأيّ مشاريع، بشكل رسمي من الطرف الإسرائيلي.

القائم بأعمال بلدية بيتا، واصف معلا، يقول في حديثه لـ "ألترا صوت"، إنّ ما يحدث هو معاقبة قرىً بأكملها، بذريعة حجر!، معتبرًا أنّ الهدف الحقيقي للإغلاقات المستمرّة والحواجز والجنود المنتشرين على جانب الطريق، يهدف لإخلائها، وتركها للمستوطنين فقط.

ويشير معلا إلى أنّ ما لا يقل عن ألف شخص يخرج من البلدة يوميًا، سواء كانوا موظفين أو عمال أو طلبة، وباتت حركتهم صعبة جدًا، حيث يضطرون لسلوك طرق ترابيّة وعرة، وأحيانًا الالتفاف عبر عقربا شرقًا وأوصرين جنوبًا، والعودة إلى حاجز زعترة، والانطلاق منه لمدينة رام الله، أو العودة شمالًا باتجاه حوارة، مرورًا عن مفرق بلدتهم المغلق، كي يصلوا مدينة نابلس، ما يضاعف مسافة السير إلى ضعفين أو ثلاثة.

مخطط توضيحي لقرى جنوب نابلس

معاناة الإغلاقات، شملت أيضًا تجّار سوق الخضار والفواكه في البلدة، وهو السوق الذي كانت تصله وتخرج منه مئات الشاحنات المحملة يوميًا، لكنّ هذا الحال لم يعد كذلك هذه الأيام، فبالكاد ترى عددًا من الشاحنات التي يغامر أصحابها، ويسلكون طرقًا أخرى بديلة، للإتيان ببضائع جديدة أو توزيع المتوفّر على باقي مدن الضفة الغربيّة.

"هدونا وهدّوا السوق"، يقول التاجر زياد عطا الله، الذي يعمل في سوق الخضار والفواكه في البلدة، منذ 17 سنة، مضيفًا أنّه اضطّر لإلغاء طلبيات البضائع التي كان ينتظرها بسبب الإغلاق. وتحدّث لـ "ألترا صوت" عن أنّه لم يستطع الإيفاء بطلبات زبائنه وإخراج بضائعهم من البلدة، لافتًا إلى أنّ الحركة التجاريّة باتت مشلولة، ودون المستوى بنسبة 70%.

تجّار سوق الخضار والفواكه في بيتا جنوب نابلس، تضرروا من الإغلاقات بشكل لافت

اقرأ/ي أيضًا: نابلس.. عقدة مدينة

وللتغلّب على هذه المعضلة، يقول معلا إنّ أهالي ومؤسسات بلدات جنوب نابلس، نظّمت اعتصامًا على الشارع الرئيس قبل عيد الأضحى، للمطالبة بفتح الشارع، وهو ما حدث فعلًا في اليوم التالي للاعتصام، لكنّ وبعد أسبوع من فتح المنافذ، عادت الجرافات الإسرائيلية، وأغلقت المنافذ مرّة أخرى، وهذه المرّة بذريعة تعرّض حافلة إسرائيلية لإطلاق نار. لكنّه يشير إلى أنهم لن يتوقفوا عن محاولاتهم لانتزاع حقّهم في الحركة والتنقل.

أهالي المنطقة، يتخوّفون من أنّ هذه الإجراءات قد تمهّد للسيطرة على المكان بطريقة ما!

الأمر ذاته فيما يتعلق بقرى جماعين وعوريف وعينابوس، الواقعة غرب شارع بلدة حوارة، حيث أغلق الاحتلال مدخلها الرئيس بالمكعبات الإسمنتية، والمداخل الفرعية بالسواتر الترابية، وهو ما حدا بالمواطنين لسلوك طرق أخرى، أو الوصول إلى حيث المكعبات ثم الانتقال من مركباتهم إلى مركبات على الجهة الأخرى، بما في ذلك المعاناة جرّاء نقل أمتعتهم، وتحميلها.

ويعد هذا الشارع حيويًا جدًا بالنسبة لأصحاب الشاحنات الثقيلة التي عادة ما تنقل أحجار البناء الضخمة، من مقالع الحجر في بلدة جماعين، فيقول السائق زهير أسعد صاحب معدات شحن ثقيلة، في حديثه لـ "ألترا صوت" إنهم يضطرون لسلوك طرق التفافية وعرة وخطيرة، وغير مهيّأة لمرور الشاحنات، لإيصال أحمالهم، لافتًا إلى أن الخطر يكمن في الطرق الضيّقة المليئة بأطفال المدارس، مضيفًا: "صحيح خطيرة، ومتعبة، بس ما في حلّ قدامنا غير هيك".

المدخل المؤدي إلى عينبوس وعوريف وجماعين

ويروي صاحب صالة أفراح في بلدة حوارة، لـ "ألترا صوت" أنّ أهالي زفاف ما، اضطرّوا للتأخر عن موعد العرس الذي كان مقررًا، بسبب عدم مقدرتهم الوصول في الوقت المناسب، نتيجة الإغلاقات الإسرائيلية.

ويشتكي أهالي بلدة حوارة تحديدًا، من أنّ المستوطنين بدؤوا مؤخرًا ممارسة طقوس يهودية، في مكان إقامة الدوار الجديد عقب تأهيل الشارع، معلّقين بسخرية: هل اكتشفوا أن الزيتونة في المكان لها قدسيّة عندهم في التوراة، تمهيدًا للسيطرة على المكان، وطردنا منه؟!

اقرأ/ي أيضًا: 

تفاصيل لعبة ليبرمان في الضفة.. سياسة العصا والجزرة

السلطة الفلسطينية.. فشلت حتى في زراعة البطيخ