26-نوفمبر-2015

جندي مصري في حراسة أحد مراكز الاقتراع في القاهرة، في الثاني والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر (Getty)

بدأ الحديث منذ فترةٍ ليست ببعيدة عمَّا يُسمى "بالاصطفاف" بين رفقاء "25 يناير"، الذين فرّقتهم سنواتُ ما بعد الثورة إلى أن وصل بهم الحال إلى ما هو عليه الآن، وذلك أملًا في "25 يناير" جديدة، تطيح بهذا الانقلاب العسكري الذي أحكم قبضته على البلاد. 

المطلوب تفكيك تحالفات ما بعد "30 يونيو"، واسترداد "السياسة" التي استلبها العسكر

ثمّة شعور عام عند من يتحدثون الآن عن ضرورة "الاصطفاف"، أن الوضع السيئ الذي تعيشه مصر على كافة المستويات وسوء الإدارة وتكرر الأزمات الداخلية والخارجية، وهذا المستوى غير المسبوق من الفساد والانحطاط الذي تمر به البلاد يشبه بدرجة أو بأخرى أجواء 2010، وأن هذا الوضع ما هو إلا مقدمة لثورةٍ جديدة. 

بالإضافة إلى بعض القضايا الحقوقية التي حدث حولها توافق بين أطياف المعارضين للحكم الحالي كقضية إسراء الطويل ومحمد سلطان، مما يذكرنا بحالة خالد سعيد قبل الثورة. إلا أن هذه الرؤية للتغيير لا تزال حبيسة "25 يناير"، ولا ترى أي أفق للتغيير خارجه على الرغم من المتغيرات الاجتماعية والسياسية وتجاوز الواقع فعليًا لـ"25 يناير"، التي لم تكن لحظة عفوية بنت صدفة، بل كانت تتويجًا لسنواتٍ من التحرك في المجال العام، ولا يمكن النظر إلى "25 يناير" بمعزلٍ عن تظاهرات حركة كفاية التي انطلقت في 2004، وتظاهرات القضاة في 2005، وتحركات شباب السادس من أبريل في الفترة من 2008 وحتى قبيل الثورة، وختامًا ببروز أفق جديد للتغيير متمثلًا في الجمعية الوطنية للتغيير وظهور محمد البرادعي كشخصية بديلة لمبارك، وإجابة على سؤال من بديل مبارك؟ الذي ظل مسيطرًا على أذهان المصريين.

لا يعني الاصطفاف على الإطلاق التوافق الكامل وتجاوز الاختلافات والفروقات بين الأطراف المختلفة. ومن العبث محاولة تجميع أطراف ينظر كلُّ واحدٍ منهما للآخر باعتباره سبب ما نحن فيه الآن. ولا يعني أيضًا العمل سويًا مع الاحتفاظ بهذه الفروقات، فما يحمله كل فريق للآخر سيفسد أي عمل تشاركي بين هذه الأطراف. غير أن معنى آخر للاصطفاف يجعله ذا معنى، وهو التوحد على أهداف مرحلية يسعى كل فريق بما يستطيع لتحقيقها بوسائله وأدواته الخاصة، ولو بمعزل عن الآخر، وعلى رأس هذه الأهداف: تفكيك كل تحالفات ما بعد "30 يونيو"، والعمل على الإنقاص من رصيد هذا النظام الحاكم واسترداد "السياسة" التي استلبها العسكر، ورفض أي ظلم يقع على أي فريق وتجريم الانقلاب على إرادة واختيار الشعب فيما بعد. 

علينا أن نعي جيدًا أننا لا زلنا ندفع ضريبة الانقلاب على إرادة الشعب، وأن استدعاء العسكر في النزاعات السياسية لن نجني من وراءه أي خير. وأما الأحلام الوردية بالعمل جنبًا إلى جنب فلن تجدي ولن تلقى إلا رفضًا من كلا الفريقين حيث ستظل مطالبات كل فريق باعتذار الآخر عن أخطائه السابقة، ومطالبته بتقديم تنازلات هي سيدة الموقف. فضلًا عن المعايرة المتبادلة بين هذه الأطراف عند كل ذكرى ارتُكب فيها خطأ ما من قبل أحد الأطراف.

حاليًا، سيُقابل أي حراك بالرصاص مؤيدًا بشوفينية الجماهير، وسيتم تبرير أي فعل دموي تحت مظلة "الحرب على الإرهاب"

لا يزال نموذج "25 يناير" هو المسيطر على عقولنا حتى الآن، ويظهر ذلك في تلك الدعوات الفيسبوكية المتزامنة مع ذكرى الثورة، التي تدعو للنزول إلى الميدان مرة أخرى. غير أن التفكير في "25 يناير" أخرى، في هذا الظرف، أمر غير مفهوم. 

ففي ظل الوضع الحالي سيُقابل أي حراك في الشارع بالرصاص مؤيدًا بشوفينية مصرية من "الجماهير"، وسيتم تبرير أي فعل دموي تحت مظلة "الحرب على الإرهاب"، وهو أمر سيُحتفى به عالميًا في الظرف الحالي. كل الفصائل المعارضة للنظام الحالي تم استنزاف رصيدها الاجتماعي في سنوات ما بعد الثورة، ولن تجد أي دعم شعبي، بل ستتحمل ضريبة فشل النظام الحالي في إدارة شئون البلاد. 

بالإضافة لصفرية المعادلة عند نظام السيسي، فبعد انكشاف الدولة العميقة وتحالفاتها بهذه الوقاحة وإفلاسها من كل الحيل التي يمكن أن تحتوي أي حركة تغيير، ستنظر إلى أي حراك باعتباره المقصلة التي ستودي بحياتهم للأبد. وسيظنون أن الثورة قد تعلمت من أخطائها وستنهي على كل عنصر شارك في تحالفات النظام الحالي. فالجنرال لديه القابلية لأن يكون بشارًا جديدًا، وسيلقى دعمًا من أطرافٍ خارجية لإخماد أي سيناريو يريد الإطاحة به.

وعلى الرغم من غياب أي تصور لسيناريو ما بعد السيسي، وطبيعة العلاقات المدنية العسكرية وكيفية التعامل مع أجهزة الدول فيما بعد، إلا أن هذا الأمر سابق لأوانه. ويمكن العمل من الآن على تعرية هذا النظام أمام الشعب وأمام الخارج وبيان فشله في الإدارة، بالإضافة إلى ملفه سيئ السمعة في مجال الحريات، وذلك ليس طمعًا في ثورة من الشعب، لا سمح الله، فهذا الشعب لن يثور من أجل الحرية والكرامة، ولكن باعتبار ذلك إنقاصًا من رصيد الخصم في هذه المعركة وكتمهيد لخطوة أخرى أكبر.

سيكون من المهم الوعي بأنه علينا تجاوز رموز المرحلة السابقة، وأنه يجب التفكير في قيادات بديلة عند كافة الأطراف. فتلك العقليات لاتزال أسيرة العقلية الإصلاحية التي ليس لها أي مكان في أي نضال مستقبلي. وعلينا أن نأخذ بعين الاعتبار ما وصل إليه الشباب من إحباط ويأس ونفور من أي حديث عن "التغيير". وأن أي مكاسب بسيطة على المستوى الحقوقي ستكون دفعة لمواصلة أي حراك فيما بعد.

اقرأ/ي أيضًا:

مصر التي تنتحر

مصر ترقص للكفيل