28-يناير-2016

التماثيل بعد تغطيتها (Getty)

سيغضب الإيطاليون كثيرًا لما حلّ بتاريخهم بسبب 17 مليار دولار ثمن صفقات اقتصادية مع إيران، والأهم أنهم سيندمون على احترام مشاعر الرئيس الإيراني روحاني أكثر مما يجب، وخصوصًا أن الأمر يتعلق بتاريخهم الحضاري الفكري الذي يدفع لأجله الجمهور المال والجهد ليقفوا أمام حضارة غارقة في القيمة والتاريخ.

تغاضى العالم عن التدمير الجائر الذي يطال كل التراث الإنساني في سوريا من بصرى الشام إلى تدمر

ماثيو رينزي، رئيس الوزراء، ربما يكون الأكثر ندمًا وتأثرًا، لأنه أوصى بتغطية التماثيل الأثرية العارية في متحف "كابيتوليني"، كرمى لرئيس لا يصافح النساء ويغض النظر عن عورة تمثال أصم.

المعارضون وأحزاب يسارية أخرى اتهموا رئيس الوزراء بالتغاضي عن ذكر سجل إيران في مجال حقوق الإنسان في المؤتمر الصحفي المشترك مع روحاني، وأنه تخلى أيضًا عن الهوية الثقافية للبلاد عندما غطى تماثيل النساء العاريات.

على كل يبدو هذا شأنًا إيطاليًا محضًا في تعاطيهم مع تاريخهم، ولكنه يستدعي أسئلة عن تعاطي الغرب والمسلمين مع التاريخ البشري بشكل عام في تجارب قريبة وقف العالم فيها صامتًا أمام انتهاكات كبيرة، هدمت قيّمًا إنسانية لا تعني شعوبًا بعينها وإنما تمثل إرثًا بشريًا هامًا.

الغرب صمت عن تدمير طالبان لتمثالي بوذا في أفغانستان بالديناميت عام 2001 بحجة أنهما أصنام تدعوا إلى الشرك وتقول عنهما "ويكيبيديا": "هما تِمثالان أثريان ضخمان منحوتان على منحدرات وادي باميان في منطقة هزارستان في وسط أفغانستان، على بُعد 230 كم 140 ميل شمال غرب العاصمة كابول، ويعود تاريخ بِنائها إلى القرن السادس الميلادي، حيث بُني التمثال الأصغر سنة 507 ميلادي والأكبر 554 ميلادي عندما كانت منطقة باميان مركز تجارة بوذيًا، وهي مثال على الفن الهندو-أغريقي الكلاسيكي في تلك الحقبة.، وتعتبر المنطقة جزءًا من ما يعرف بممر الحير أو طريق الحرير التاريخي".

تغاضى العالم أيضًا عن التدمير الجائر الذي يطال الآن كل التراث الإنساني في سوريا من بصرى الشام، إلى تدمر، وصولاً إلى المدن المنسية في إدلب، وكل هذا الإرث مسجل كإرث إنساني في اليونسكو، وما زال الهدم والتدمير يطال كل حجر ناطق في بلاد الـ 7000 سنة.

أيضًا وفي جانب آخر طال شخصيات لها قيمتها الإنسانية، تغاضى العالم الحر والثالث على إهانة شخص محمد كأهم رجالات التاريخ البشري، بعيدًا عن البعد الديني لها في كونها تمثل خمس سكان الأرض روحيًا، ولم تزل "شارلي إيبدو" تمارس هذا الهدم حول كل معتقدات هذه المليارات.

كل هذا التنكيل الذي يمارس الآن بحق القيم الإنسانية أيًا كان متبعها ومعتنقها يذهب إلى أبعد من هذه الاعتداءات، ويعطي تصورًا عن مرحلة قادمة لمسح كل ما هو إنساني وذا معنى، والذهاب نحو ترسيخ ثقافة عدوانية تؤمن بالاستهلاكي، وتسعى لإنجاز إنسان جديد يبني قيمه فقط بتدمير إرثه.

الحدث الإيطالي تجاوز تغطية التماثيل إلى حذف النبيذ من قائمة الطعام في العشاء الرسمي، وهذا اعتبر مهينًا من بعض الإيطاليين، وأوامر رينزي ليست هي الأولى كما يقول منتقدوه فقد غطى لوحاتٍ تصور أشخاصًا عراة في مبنى بلدية فلورنسا الذي يعود لعصر النهضة بمناسبة زيارة ولي عهد الإمارات.

الحدث الإيطالي لا يهمنا بشيء إلا أنه يستدعي منا أن ندمر تماثيلنا التاريخية بأيدينا بعد أن طغى السواد على مرحلتنا المعاصرة، فأولى أن نفعلها نحن.. وإلا فالرايات السود ستكمل مشوار تدمير ما أمكن بعد الموصل ومتحف تدمر ومعبد بل.

اقرأ/ي أيضًا:

تنقيب إلهة الجمال كرمى لعيون الظلاميين

الأخلاق كموقف سياسي، وليس العكس