22-مارس-2016

السيد/ تونس

من فترة إلى أخرى، يظهر مصطلح التنوير على المشهد العام بقوة، ويتم الحديث عن ضرورته في المجتمعات العربية للخروج من سجن الموروثات الفكرية المعوقة للتفكير الحر، خصوصًا الموروث الفقهي وما يحتويه من جمود وخلط، بين ما هو جوهري ثابت وما هو نسبي متغير.

ظهور "التنويريين" في وسائل الإعلام والندوات يعتمد على إعادة تدوير ما كتبه غيرهم

ومن خلال هذا المصطلح يخرج أشخاص يصنفون أنفسهم بالتنويريين، وهنا يجب إضافة "الجدد" إلى تعريفهم، لأنهم مجرد تابع يدعي انتماءه إلى ميراث ثقافي أسسته رموز فكرية، ورغم سعيهم في نقد الموروث والتنظير للتجديد ورفضهم الخضوع لحالة الحذر الدائم المفروضة على الأحاديث في تلك الموضوعات، لكنهم لم يحصدوا نجاحات فعلية يستطيعون من خلالها إيجاد مكان لأطروحاتهم وتكوين بيئة جماهيرية تحتضنهم بشكل مؤثر. ولذلك يجب طرح التساؤل التالي: لماذا يفشل التنويريون الجدد؟ والبحث عن إجابة له.

اقرأ/ي أيضًا: السيسي.. خُطب الدكتاتور المأزومة

قبل الحديث عن الإصلاح/التجديد المنشود من أجل تحقيق الانخراط في التنوير، يجب في البداية امتلاك رؤية بحثية متخصصة ودقيقة، تساعد في دراسة واستيعاب الموروث الفقهي والأصولية الإسلامية بتعمق وإجادة، للوقوف على أرضية معرفية صلبة تمكن من التجديد والتطوير، على سبيل المثال، قبل أن يشرع كارل ماركس في التنظير لنظريته الجديدة "الشيوعية" قام بدراسة وفهم الرأسمالية، ثم بعد ذلك تحليلها وبعدها قام بطرح بديله، وفي الواقع هذا ما يفتقده التنويريون الجدد.

ظهورهم في وسائل الإعلام والندوات يعتمد على إعادة تدوير ما كتبه غيرهم والاستعانة بمقتطفات منه، خصوصًا من الذين سبقوهم في هذا الاتجاه، إلى جانب اللجوء إلى ممارسة الاقتطاع والاجتزاء من كتب التراث ومن يخالفهم، صحيح أن ظهورهم استطاع جذب "قلة قليلة"، لكنه جمهور في الأساس يعتمد على "الثقافة السمعية"، يبحث عن المعلومة السريعة دون البحث والقراءة والتدقيق، شيء أشبه بثقافة المانشيت.

وعندما دخل هؤلاء التنويريون الجدد في مناظرات وحوارات مع ممثلي التيارات/المؤسسات الأصولية التي لا تعرف إخضاع الموروث للمراجعة والنقد، كانوا يستخدمون طريقة "الألعاب اللغوية" و"الأجوبة التلفيقية" والجدل عديم الجدوى، ليظهر الفقر والإفلاس المعرفي لديهم والجهل بكثير من المواضيع المختلفة، التي تعتبر من ركائز ما يتعلق بالشريعة الإسلامية والفقه.

وعند توجيه أطروحاتهم للعامة لم يمتلكوا الوعي بالتعقيدات والصعوبات التي ستواجههم، وضرورة التعامل معها بمنتهى العقلانية والهدوء دون الدخول في نفق التصادم، خصوصًا في ظل مجتمعات تغلغلت بداخلها التأويلات الرجعية والهيمنة الأصولية.

وبالنسبة لهم البحث عن النجومية والشهرة وتمجيد وتضخيم "الأنا"، أو التكسب أهم من بناء أنفسهم عن طريق امتلاكهم منهج علمي موضوعي وقراءة تفصيلية، ووضع أسس متينة لتأسيس مشروع تنويري ناجز متكامل ينتج عملًا تراكميًا للمستقبل.

اقرأ/ي أيضًا:

قل لي من أين تؤكل الكتف؟

الشوفينية المصرية الصاعدة.. من يكبح جماحها؟