03-يونيو-2016

عناصر من وحدات حماية الشعب الكردي 2016 (Getty)

"سنحرر الرقة من داعش". بهذه الكلمات أعلنت الإدارة الذاتية الكردية، في الرابع والعشرين من أيار/مايو الماضي بدء معركة الرقة، التي سيشنها مقاتلو "قوات سوريا الديمقراطية"، وتحديدًا "قوات حماية الشعب الكردي" و"تجمع عشائر الجزيرة" في شمال شرق سوريا. هذا الإعلان الذي ظهر فجأة، دون إرهاصات تسبقه، جاء عقب زيارة، وُصفت بالتاريخية، لقائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال جوزيف إل فوتيل الذي حط في سوريا مؤخرًا.

يقدم التوافق الحاصل بين الأكراد والولايات المتحدة صورة لفهم التحول في أولويات الصراع في الشمال السوري

بدأت المعركة بتقدم طفيف في ريف الرقة الشمالي إلا أنه سرعان ما رد تنظيم الدولة الإسلامية على تلك الهجمات موقعًا أكثر من 100 قتيل في صفوف القوات المهاجمة، فتحولت نبرة الأكراد إلى ضرورة المحافظة على القرى التي سيطروا عليها والتخلي عن الهدف المعلن، فلماذا لم يتقدم المهاجمون إلى وجهتم بعد كل هذه الضجة الإعلامية؟ وهل الولايات المتحدة وراء تغيير وجهة المعركة؟

اقرأ/ي أيضًا: هل ستسقط القاهرة مثل بغداد؟

لا شك أن إدارة أوباما "المتخاذلة" باتت تعتبر الأكراد حصانهم الأسود في سوريا، فهم وحدهم من يقاتلون تنظيم الدولة الإسلامية دون أية شروط مسبقة، أضف إلى ذلك دورهم المميز في استنزاف أردوغان وتطويع قرارته لصالح رؤية الولايات المتحدة، ناهيك عن عدم ولائهم لأي طرف إقليمي في ما يخص الأزمة السورية.

وإذا انطلقنا من نقطة التوافق الكبير الحاصل بين الأكراد والولايات المتحدة الأمريكية، سنستطيع محاولة فهم حالة التحول في أولويات الصراع في الشمال السوري، من حيث المناطق أولًا، ومن جهة العدو ثانيًا.

أدركت واشنطن متأخرة أن الاتجاه نحو الرقة ليس بتلك السهولة التي تعتقد، فمن ناحية عدد المقاتلين والعتاد والخطط ما زال الأكراد مبتعدين عن قدرات تنظيم الدولة الإسلامية، كما أدركت أيضًا أن التقدم باتجاه الرقة خيار لا يبدو صائبًا في ظل تواجد كنتون حدودي يسيطر عليه "داعش" يدعى منبج، يستطيع التنظيم من خلاله إدخال مقاتليه ومؤنه منه دون عناء يذكر، خاصة أن تركيا متهمة بتسهيل حركة أفراد التنظيم من مبدأ عدو الأكراد هو صديق لأردوغان، ويبدو أنهم تنبهوا إلى أن إشعال حرب جذرية مع التنظيم، في هذا الوقت، ليس من مصلحتهم، خصوصًا في ظل نهاية حقبة الديموقراطين واستعدادهم للانتخابات الرئاسية المقبلة.
 
اقرأ/ي أيضًا: شبح ديمقراطية المحاصصة في ليبيا

من هنا بدأ الأمريكيون بتوجيه حلفائهم بالذهاب بعيدًا عن الرقة ومصاعبها نحو منبج، التي يبدو أن تركيا تخلت عن تحذيراتها بشأن دخول الأكراد إليها انصياعًا إلى موقف واشنطن التي ما زالت تطمئِنُ أنقرة بأن القوات المشاركة في منبج أغلبها من العرب، وأن الأكراد المنضمين تحت "حزب الاتحاد الديموقراطي" لن يتواجدوا لفترة طويلة فيها.

ما زالت رؤية الولايات المتحدة للمنطقة تنطلق من تجنب التورط عسكريًا، واستدامة حضور وفعالية الأطراف المتنازعة

الموقف التركي الجديد "اللين" الذي عبّر عنه نعمان كورتولموش، نائب رئيس الوزراء والناطق باسم الحكومة، أمس بشأن الأزمة السورية يوضح كمية ونوعية الضغوضات التي تمارس على أنقرة من قبل واشنطن، فقد صرّح الوزير  أن تركيا تدعم عملية سياسية تفضي إلى حل للمشكلة السورية تشمل كافة السوريين دون الحديث عن مستقبل الأسد، وتكلّم عن دعم "قوات تيار الغد السوري"، بقيادة أحمد الجربا، لدخولها معركة منبج، فيما بدا نوعًا من إعادة التموضع هكليًا في الأزمة السورية، بعيدًا عن التوافق السعودي التركي في المسألة.

ما زالت رؤية الولايات المتحدة الأمريكية للمنطقة تنطلق من تجنب التورط عسكريًا، واستدامة حضور وفعالية الأطراف المتنازعة، وإذكاء الصراع الهوياتي والطائفي، وهذا ما يحدث في تحالفهم الوثيق مع الأكراد من جهة، وغض النظر عن محاولة إنهاء تواجد تنظيم الدولة الإسلامية من جهة، منعًا لسيطرة إيران وميلشياتها، ودعمها وامتناعها المتكررين للحكومة العراقية وميلشياتها.

بالعودة إلى ما يحدث في الشمال السوري؛ لن يحقّق الأكراد نصرًا يقلب موازين القوى هناك، فمعركة منبج ليست سوى بداية، أظنها لن تنتهي قريبًا في ظل متغيرات تظهر آنيًا على الساحة السورية. لن يغير أوباما نهجه اللامبالي تجاه المنطقة، فمن بدأ ولايته بذلك لا يستقيم أن يتحول عنه في النهاية.

اقرأ/ي أيضًا:

معركة الرّقة.. أوباما اللاهث خلف التّاريخ

مناضلون قدامى.. مخبرون جدد!