11-أغسطس-2016

سعد الحريري (Getty)

شكّلت الانتخابات البلدية الأخيرة، ضربة قاصمة لظهر ما تبقى قائمًا من مؤسسات تيار "المستقبل". التيار الأزرق تعرّض لهزيمة كبيرةٍ في طرابلس، لا من خصمٍ له، بل من ابن البيت، اللواء المتقاعد أشرف ريفي، وفي العديد من الضيع والقرى الشّمالية والبقاعية. مع أنّ "المستقبل" انتصر في بيروت وصيدا، لكن انتصاراته كانت بطعم الهزيمة، بفارقٍ ضئيلٍ عن منافسيه، ونسبة إقبالٍ ضعيفةٍ لا تتعدى 24٪.

 ربط الحريري نفسه بالقرار السعودي، وغياب بديل جدي عنه كزعيم سني، في بلدٍ تعتبر فيه الطّائفية شرطًا للحكم، أدخل السياسة اللبنانية في حالة جمود

يحاول الحريري متعثرًا النهوض من جديد، بعد سلسلة انتكاساتٍ مُني بها الرجل، بدأت باستقالة حكومته عام 2010، يومها كان الرّجل في زيارةٍ للبيت الأبيض، دخل لمقابلة أوباما رئيسًا للحكومة وخرج رئيسًا لحكومةٍ مستقيلة، بعد أن استقال وزراء الثامن من آذار. 

اقرأ/ي أيضًا: أردوغان في روسيا..رسالة للغرب

كما وصل الحال المادي المتردّي بالحريري، إلى عجزه عن دفع الرواتب لآلاف الموظفين في شركته السعودية، مما ولّد حالة غضبٍ عند هؤلاء تجلت بإحراقهم ممتلكات الشركة تارة، ورفع الصوت دبلوماسيًا تارة أخرى، وأُجبر الحريري على الدفع للموظفين الفرنسيين، بينما وجدت الهند نفسها مضطرةً لتأمين آلاف الحصص الغذائية للهنود الموظفين في شركة "سعودي أوجيه"، لأن الشّركة لم تدفع لهم مرتباتهم، حالهم حال موظفي المستقبل، التلفزيون والجريدة، الذين لم يحصلوا على أي بدلٍ من 7 أشهرٍ وأكثر، وإن دُفع لهم، يُدفع نصف مرتبٍ لا يكفيهم سداد ديونهم أو تكاليف وأقساط بيوتهم وسياراتهم ومدارس أولادهم.

الحريري في عام 2010، وفي حكومةٍ تململ جمهوره أصلًا من تشكيلها، الجمهور الذي شدّ عصبه بعد نتائج انتخابات 2009 البرلمانية وفوز الحريري وفريقه بها، وجد نفسه مجبرًا لإعطاء ثلث معطّل لقوى كانت حتى الأمس القريب عدوة هذا الجمهور، اقتحمت عاصمته وبيوته في 7 آيار 2008، وتتهمها المحكمة الدولية بالضلوع بدورٍ رئيس باغتيال والد سعد الحريري، رئيس الوزراء الأسبق، رفيق الحريري.

نكسة الـ 2010 نجم عنها سفر الحريري للسعودية، وغيابه عن لبنان وجمهوره لقرابة الأربع سنوات، إلى أن بدأت أوضاعه المالية بالتّردي، فلا موظفو المستقبل يقبضون معاشاتهم الشّهرية، ولا موظفو الشّركات الأمنية والمستوصفات "المستقبلية" ولا حتى موظفي "سعودي أوجيه" في السّعودية.

إصرار الحريري على ربط نفسه بالقرار السّعودي، بالإضافة لأزمته المالية الخانقة، وغياب بديل جدّي عنه كزعيم سنّي، في بلدٍ تعتبر فيه الطّائفية شرطًا أساسيًا في الحكم، أدخل السياسيين والسّياسة في حالة جمود، تظهر للجمهور كخلافٍ على تأييد أطراف الحرب السّورية، وتنعكس على مركز رئاسة الجمهورية الشّاغر إلّا من أحلام ميشال عون، الذي يمتلك الفراغ للآن حظوظًا بالبقاء أكثر من حظوظه بالرّئاسة، ولو حظي بتأييد شريحةٍ وازنة من الشّعب اللبناني.

اقرأ/ي أيضًا: حلب..الشرقية تلتقي بالغربية

الحريري لا تعنيه الرّئاسة ولا الرّئيس، مشاكله أكبر من أن تحدّها معضلةٌ سياسية، أو ينهيها مركزُ رئاسة

الحريري يعاني من موت تياره سريريًا، لا مال سياسي يضخه في أوردته الخدماتية كي يحيا، ولا دائرةً محيطةً صادقة، توجّه له النّصيحة، بل تُسمعه فقط ما قد يرضيه، ولو كان مجافيًا للواقع، مع بروز زعاماتٍ ورؤوس أموالٍ يمكن أن تصنّف بالطّفيلية، فهي نمت على جذع آل الحريري وتغذّت من أموال تيّارهم، وترعرعت على مشاريعهم ودخلت صناديق الإنماء والبرلمان ومجلس الوزراء على لوائحهم، لكنها تجلس اليوم، بيدها سيجارٌ وكأس، تتأمل المشهد "المستقبلي" الأخير، وإسدال السّتارة على زعامةٍ أضاعها الحريري الابن، ليرثها مجهولٌ قد يكون التّطرف، أو الاعتدال الفاسد، أو المنتفعون من رجال الأعمال والمال.

وفي الأثناء، يستعد السنيورة، المشنوق او ريفي لإطلاق الرصاصة الاخيرة على زعامة الحريري بإعلانهم زعامتهم، يرافقهم رؤوس أموال المتمولين الذين يدورون في فلك المستقبل، بالتوازي مع هجمةٍ ميقاتية -صفدية- مرادية على شعبية الحريري، منتزعين جزءًا منها بقوة المال والنّفوذ الخدماتي.

اقرأ/ي أيضًا: 

النازحون في العراق..مخيمات الموت المهملة

2016..النظرية التي تفسر عامًا سيئًا للغاية