27-أغسطس-2016

التقطت هذه الصورة يوم 1/2/2011بميدان الساعة بمدينة دمنهور وهو اليوم الثامن من ثورة 25 يناير

بعد فشل محاولة الانقلاب في تركيا بمنتصف تموز/يوليو الماضي، كتب أنس حسن، أحد قيادات الإخوان على فيسبوك: "المستفاد من انقلاب تركيا الفاشل، هو أن القوى العقلية للإنسان المصري لم تصل بعد لمرتبة الإنسان"، كثير من قيادات الإخوان ذهبوا أكثر من ذلك، فكتب بدر محمد بدر، قائد الإخوان في الجيزة: "أتمنى أن أرى جثث المشاركين في انقلاب تركيا معلقة في أكبر الميادين حتى تنتهي الانقلابات للأبد، وبإذن الله يحدث هذا مع عصابة العسكر في مصر".

نفس النبرة في التعامل مع المنافس السياسي في مصر، يتبعها الموالون للرئيس الحالي، عبد الفتاح السيسي، حتى إنها وصلت للكثير من التيارات الثورية، التي عمدت عقب ثورة يناير على بث بروباجاندا مناهضة للإخوان وتصويرهم على أنهم أقل عقلانية وأقل فهمًا بالمقارنة بباقي المصريين، بل ومثل الخراف في القطيع، هذه النبرة كشفت عن الأزمة الحقيقية للعملية السياسية في مصر، ليس على مستوى النخبة، ولكن تشمل الشعب المصري بمختلف توجهاته والأطراف التي يؤيدها، وهي صعوبة التعايش السياسي بين الأطياف المختلفة.

في مصر، الاختلاف السياسي ليس أمرًا مقبولًا، فاختلافك عني سياسيًا، يجعلك بمثابة عدو حقيقي، وربما يصل إلى اعتقادي أنك تمثل تهديدًا ضد الوطن أو الدين

في مصر، الاختلاف السياسي ليس أمرًا مقبولًا، فاختلافك عني سياسيًا، يجعلك بمثابة عدو حقيقي، وربما يصل إلى اعتقادي أنك تمثل تهديدًا ضد الوطن أو الدين، كل طرف في مصر يرى الآخر بريبة، ويعتقد نفسه بأنه الوحيد على صواب وأن الباقي متآمرون لا يصح لهم البقاء أو المشاركة السياسية، فالإخوان يرون النظام الحالي بأنه خائن ومتواطئ مع إسرائيل وأمريكا، والثوار يرون في الإخوان بأن هناك قوى أخرى في المنطقة تحركهم، ويعلون مصالح أخرى على مصلحة الوطن، وبالتالي فإن التنافس معهم بمثابة وصمة.

اقرأ/ي أيضًا: السيسي.. فرعونٌ بلا أهرامات

أما مؤيدوا النظام الحالي فيرون متآمرين في كل ركن، فمن إخوان خائنين يسعون لبيع مصر لدول أخرى، ومن ثوار متآمرين وممولين من الخارج، مثلما يردد رموز ومقدمو البرامج الموالية للنظام، كل هذه التوجهات أدت إلى قتل العملية السياسية التنافسية الهشة التي تولدت في مصر عقب ثورة يناير، وصعوبة حدوث منافسة سياسية موضوعية تصب في مصلحة البلاد، كما ساهمت بشكل أكبر في تسهيل مهمة الجيش والرئيس عبد الفتاح السيسي في الإجهاز سريعًا على الدولة المدنية الوليدة، واستغلال حالة عدم التقبل بين النخب السياسية لعودة الجيش للمشهد وتولي شئون البلاد من جديد.

أزمة العملية السياسية في مصر، ليست جديدة، لكنها وليدة النظام العسكري الذي سعى منذ مجيئه عقب 1952 إلى قتل الحياة السياسية في مصر وتركيز السلطة في يديه.

تاريخ العملية السياسية في مصر
يمكن القول إن مصر لم تحظ بمشاركة سياسية وعملية تنافس سياسيًا ناضجًا في تاريخها، مثلما كان الوضع عليه إبان الحكم الملكي. فعلى الرغم من الاستبداد الذي طال الحكم الملكي وفرض الإنجليز قبضتهم على البلاد، إلا أن العديد من الأحزاب المعارضة لهما استطاعت تحقيق العديد من الإنجازات بل والوصول لتولي الحكومة، ووضع دستور جديد للبلاد والتفاوض مع الإنجليز من أجل الاستقلال، مثل حزب الوفد بزعامة سعد زغلول، ثم مصطفى النحاس. من هنا أدرك القصر والإنجليز، رغم تدخلهما المتزايد لإقالة الحكومات، أهمية أن يكون هناك حياة حزبية حية وعملية سياسية ولو بسيطة، تؤطر صوت الجماهير، بدلًا من تلك الشعبوية غير الخاضعة للتحكم التي لا يمكن التكهن بما ستفعله غدًا.

غير أن هذه التجربة الناضجة للعملية السياسية في مصر، قتلت بشكل مروع مع ثورة 23 يوليو بقيادة الضباط الأحرار، فأول القرارات التي اتخذها الحاكمون الجدد بقيادة عبد الناصر هو حل الأحزاب السياسية بدعوى أنها أفسدت الحياة السياسية للبلاد، فقاموا بتشكيل مجلس "ثوري" لم يضم عضوًا مدنيًا واحدًا، حتى الرجل الذي طرح فكرة الحكم الديمقراطي تم إقصاؤه، وقام هذا المجلس بحكم البلاد من خلال تنظيم سياسي واحد فقط على الساحة وهو "الاتحاد الاشتراكي"، ووضعوا دستورًا جديدًا، وصادروا أي صحيفة معارضة، وأصبحت البلاد كلها خلف هذا المجلس ومن يخالف ليس له مكان في جمهورية عبد الناصر الوليدة.

اقرأ/ي أيضًا: ضرائب بالجملة في مصر.. والمشرعون معفون منها!

استمر الحال على ذلك حتى في عهد الرئيس الأسبق، أنور السادات، فعلى الرغم من أن الرئيس الجديد أعاد تشكيل الأحزاب السياسية، وانضم للحزب الوطني باعتباره الحزب الحاكم، إلا أن العملية السياسية كانت صورية أكثر منها صحية، فلم تطرح المعارضة نفسها على الساحة ولم تغير من طبيعة حكم الرجل الواحد القائم في البلاد.

لم يغير مجيء مبارك من الوضع كثيرًا، فعلى الرغم من أن الإخوان المسلمين أصبحوا قوة لا يستهان بها في الحياة السياسية في مصر، واستطاعوا التنافس بقوة على المقاعد البرلمانية بشكل فردي بسبب حظر نشاطهم الحزبي، إلا أن الحزب الحاكم ظل في صدارة العملية السياسية، ولولا الفساد والتزوير الانتخابي في نهايات حكم مبارك ورغبة الحزب في أن يكون المسيطر على كل شيء، لكان من الممكن أن نرى بعض الانفتاح والتنافس السياسي بين التيارات المختلفة.

ثورة يناير وعودة العملية السياسية في مصر
جاءت ثورة يناير لتحيي الأمل في العملية السياسية في مصر، فبعد الإطاحة بالنظام الحاكم، سارعت العديد من التيارات إلى تشكيل أحزاب تمثل صوتها ولتكون لها يد في صنع القرار في مصر الجديدة، وشهدت أول انتخابات برلمانية في مصر في 28 نوفمبر، مشاركة واسعة، وتنافسية قائمة على البرامج والوعود لإرضاء أكبر قدر من الجمهور للتصويت لصالحها. وأعقب هذه الانتخابات أخرى رئاسية، لم تشهدها مصر في تاريخها من حيث عدد المتنافسين أو مشاركة الجمهور والتي انتهت بفوز مرشح جماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي.

غير أن هذه العملية سرعان ما تعرضت لشرخ كبير، لاسيما مع محاولة الإخوان لإقصاء المعارضة عن الحياة السياسية وتشويه صورتها لدى الجمهور، في الوقت الذي عمدت الجماعة للتغلغل في المؤسسات والتقارب مع الجيش والشرطة وحماية العديد من رموزهما من المطالبة المدنية لمحاكمتهما في الجرائم التالية للثورة، وانجرت المعارضة أيضا لهذا المسار، وبدلا من المنافسة السياسية الشريفة، اتبعت أسلوب تشويه الجماعة ووصف الموالين لها بأنهم خراف يسيرون خلف الراعي، هذا الخروج عن المسار سهل مهمة السيسي في استقطاب العديد من الرموز تمهيدًا للانقلاب على الدولة المدنية الوليدة وعودة الجيش لتصدر المشهد السياسي من جديد.

تكمن أهمية العملية السياسية في أي دولة من أنها المحدد لمن يستحق تصدر المشهد السياسي عن طريق المنافسة القائمة على البرامج ومدى قدرتهم على تلبية مطالب الجماهير، مع لعب الأطراف الأخرى دور المراقب السياسي للقوى الحاكمة، وهذه تمثل روح الديمقراطية التي تمنع أي طرف من لعب السياسة وحيدًا والتحول إلى استبدادي يتصرف دون أي رقابة أو معارضة، ومن أجل الوصول لهذه المعادلة السياسية في مصر، فإن القوى بحاجة إلى التوافق والتوصل إلى ميثاق اجتماعي ومصالحة يمكن من خلاله إعادة ولادة هذا التعايش السياسي الحيوي الذي يمكن أن يسمح بإعادة الضغط على النظام الحاكم.

اقرأ/ي أيضًا:
الليبرالية العربية المحتاجة إلى التطرف
الثورة المضادة.. والطريق المسدود