30-أغسطس-2016

دبابة إسرائيلية خلال حرب أكتوبر 1973 (Getty)

نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية تقريرًا عن وثائق لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) تتعلق بحرب السادس من أكتوبر 1973 تم الكشف عنها مؤخرًا. حوى التقرير الكثير من التفاصيل عن التقديرات الأمريكية قبيل الحرب وعن الجدل الذي أحاط ومازال يحيط بها.

السادس من أكتوبر 1973: "تصاعد التوترات على الحدود الإسرائيلية مع مصر وسوريا بسبب جسر جوي سوفيتي يدخل يومه الثاني. لا يبدو أن أيًا من الإسرائيليين أو العرب عازمين على بدء أعمالٍ عدائية، لكن خطر الاشتباكات يكون أكبر من المعتاد في هذا المناخ... يزداد قلق كلًا من الإسرائيليين والعرب بشأن أنشطة خصومهم العسكرية، لكن لا يبدو أيًا من الطرفين عازمًا على بدء أعمالٍ عدائية".

"لا يبدو أيًا من الطرفين عازمًا على بدء أعمالٍ عدائية"، كان هذا ما قالته الاستخبارات الأمريكية قبل بضع ساعات من بداية حرب أكتوبر 1973

كان هذا ما قالته الاستخبارات الأمريكية قبل بضع ساعات، ربما بضع دقائق (بالنظر إلى فرق التوقيت بين واشنطن وتل أبيب) من بدء الهجوم المصري السوري المشترك على سيناء وهضبة الجولان.

اقرأ/ي أيضًا: مأزق الخليج في مصر

هناك الكثير من الأخطاء في فقرةٍ واحدة: ارتباطٌ سببي بين الجسر الجوي السوفيتي وزيادة التوترات (في الواقع، لقد كان العكس: بسبب التوترات -أي علم السوفيت بأن سوريا ومصر على وشك التحرك -كان يتم إجلاء عائلات الخبراء السوفيت من القاهرة ودمشق-، القول بأنه لا يبدو أيًا من الطرفين عازمًا على بدء أعمالٍ عدائية (كان ذلك صحيحًا في السياق الإسرائيلي، لكنه خاطئ للغاية فيما يتعلق بالعرب)؛ ونسبة "خطر الاشتباكات" إلى المناخ لا الخطة السرية التي كانت على وشك دخول التنفيذ.

ربما افترضت السي آي إيه في صباح ذلك اليوم من شهر أكتوبر أن السوفيت كانوا خائفين من اندلاع حرب، أو أن علاقاتهم السيئة بالفعل مع الرئيس المصري أنور السادات قد ساءت أكثر وأن التوترات كانت في الواقع عذرًا سوفيتيًا لتقليص وجودهم في مصر، بدون إثارة غضب السادات بشدة.

تابع التقرير: "لن يكون لأي مبادرةٍ عسكرية من طرف القاهرة أو دمشق الكثير من المنطق. إن جولةً جديدة من الأعمال العدائية سوف تدمر جهود السادات المضنية لإنعاش الاقتصاد المصري وتضر بمحاولاته لضم الدول الغنية بالنفط الأقل تشددًا إلى جبهةٍ عربية موحدة. يبدو الرئيس السوري الحذر حافظ الأسد مستعدًا لضربةٍ أخرى من إسرائيل بدلًا من السعي إلى الانتقام من خسارته الأخيرة لـ13 طائرة ميج في مواجهة المقاتلات الإسرائيلية. يعكس البث الإذاعي في دمشق المخاوف السورية".

ويمضي تقرير الصحيفة الإسرائيلية قائلًا إن الفشل الاستخباراتي لإدارة نيكسون قبيل الحرب أسطوري، حتى إنه وفر عملًا للجان تحقيق وأنتج آلاف الوثائق حتى بعد أربعة عقود من الحرب. لكن فصلًا مهمًا أضيف يوم الخميس من مجموعة نشرات الإحاطة اليومية للرئيس خلال فترتي رئاسة الرئيسين الأمريكيين ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد، من يناير 1969 حتى يناير 1977.

نشرت السي آي إيه ومكتبة نيكسون نسخًا من جميع نشرات الإحاطة اليومية إلى الرئيسين، وإن كان تم حجب أجزاء منها. لا تلعب إسرائيل الدور الرئيسي، بسبب وجود فيتنام والصين والسوفيت والناتو وكوبا والآخرين أيضًا في المشهد. لكنها مهمة بما يكفي لشغل نيكسون وفورد ورؤساء مخابراتهم – ريتشارد هيلمز وجيمس شليزنجر وويليام كولبي وجورج بوش الأب.

كان الهدف من نشرة الإحاطة الرئاسية اليومية هو تشذيب ملايين الأشياء التي تلتقطها المكنسة الكهربائية العملاقة لوكالات الاستخبارات الأمريكية -جواسيس، أقمار صناعية، مراقبة خطوط تليفونية، فك شفرات- حيث يقوم بذلك باحثون ومقيّمون. كان الملخص يُعطى لصانع القرار النهائي، والذي لم يكن دائمًا يملك الوقت لقراءة المواد الخام. لذا ففي النهاية، ما كان مهمًا هو ما كان يطفو على السطح.

كان سر السي آي إيه الكبير هو أنه لم يكن لديها سر. لقد كانت تعلم أقل القليل من مصادر سرية. أُخذت العديد من الفقرات في نشرة الإحاطة الرئاسية اليومية من برقياتٍ لسفراء وخطبٍ لزعماء ومقالات صحفية. الكثيرون في إسرائيل أغوتهم أسطورة السي آي إيه كأخطبوطٍ تصل أذرعه إلى كل مكان. في ذلك الوقت، كان الإسرائيليون يعتقدون بوجود جاسوسٍ أمريكي كبير يعمل في إسرائيل. حسب الروايات التي أبلغت للرئيس لم يكن هناك مثل ذلك المصدر، على خلاف شائعةٍ انتشرت من دون تحقق وتم دحضها في اليوم التالي.

اقرأ/ي أيضًا: لماذا دخلت تركيا إلى الحرب السورية

سبق نشرة الإحاطة الرئاسية اليومية ليوم السادس من أكتوبر، والتي استشهدت بـ"البث الإذاعي في دمشق"، في غياب مصدرٍ على اتصالٍ بالأسد، نشرة الإحاطة الأسبوعية. في الأول من أكتوبر، تم حجب النشرة بكاملها، لكن عنوانها -إسرائيل/سوريا/الأردن- يكشف عن مضمونها: تحذير عاهل الأردن الملك حسين ورؤساء مخابراته (الذين كان لديهم مصادر سورية جيدة) من أن الجيش السوري على وشك التحرك. كان هذا هو التحذير الذي سمعته رئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير من الملك حسين في لقائهما يوم الخامس والعشرين من سبتمبر في جليلوت، وهو ما جعل وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر يقفز ويطلب من كولبي الحصول على مزيدٍ من التفاصيل من الموساد والمخابرات العسكرية الإسرائيلية.

كان هناك هلع في القيادة الإسرائيلية ولدى موشيه دايان، يوم 9 أكتوبر إلى حد الرغبة في الاستعداد لاتخاذ أقصى إجراء (استخدام القنابل النووية)

كان كولبي -مثل رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية إيلي زعيرا- ضابطًا كبيرًا، لكنه صغير مقارنةً بنيكسون وكيسنجر وشليزنجر. كانت مائير ووزير الدفاع موشيه دايان، يعلمون أكثر من زعيرا، بكل تأكيد فيما يتعلق بالسياسة. وكان نيكسون وكيسنجر، اللذان كانا يعقدان محادثاتٍ سرية، يعلمان أكثر من كولبي. لقد كانا يتوقعان منه أن يعطيهما تحذيرًا قاطعًا بشأن الأزمة، وليس تقييمًا مبدئيًا.
بعد نشرة إحاطة الأول من أكتوبر وأخرى مشابهة في اليوم التالي، قل انتباه السي آي إيه، فقط لتستيقظ مجددًا في نهاية الأسبوع. يوم الجمعة الخامس من أكتوبر، كان العنصر الرئيسي يتعلق بالحاكم الليبي معمر القذافي، والذي استقال (اعتقد الأمريكيون أنه كان جادًا هذه المرة).

كان العنصر الثاني يتعلق بعلاقة إسرائيل مع النمسا، عقب الهجوم الإرهابي على قطارٍ مليء باليهود السوفيت والتهديد لمخيم عبور شويناو (في لقائها مع لجنة الشؤون الخارجية والدفاع بالكنيست باليوم السابق، تعاملت مائير مع ذلك الحدث على أنه أكثر أهمية من مواجهة مصر وسوريا).

فقط العنصر الثالث من نشرة إحاطة السي آي إيه قال: "المناورات العسكرية التي تقوم بها مصر حاليًا أكبر وأكثر واقعية من سابقاتها، لكن الإسرائيليين ليسوا قلقين".

الميل إلى الثقة في الرضا عن النفس لدى هؤلاء الذين يفترض أن يكونوا أكثر المهتمين كان واضحًا أيضًا في نشرة إحاطة يوم الحرب نفسه: "لقد تغير موقف الإسرائيليين بشكلٍ ملحوظ منذ يوم الاثنين عندما كانوا يعتبرون، هم أيضًا، النشاط في مصر طبيعيًا، وذلك الذي في سوريا دفاعيًا. رغم ذلك، قد تقود المخاوف السورية إلى حشد دفاعاتهم، وهو ما قد يؤدي إلى تنبيه وتحفيز الإسرائيليين. مثل تلك الدائرة من الفعل ورد الفعل سوف تزيد من خطر الاشتباكات العسكرية التي لم تكن مقصودة من كلا الطرفين".

حسب نشرة الإحاطة، لم تجيد تقارير السي آي إيه خلال الحرب ذاتها تحليل وفهم الموقف. لولا مصادر كيسنجر، ومن بينها السفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة، لكانت الإدارة تعمل في ضبابٍ كثيف من المعلومات المتاحة لأي قارئ ومشاهد.

كان مقيّمو السي آي إيه غير مطلعين على التطورات وفاتهم تحركاتٍ مهمة على كلا الجانبين. من بين ذلك (رغم أنهم أوردوا أن المناخ العام بين القادة الإسرائيليين كان كئيبًا)، أنه ليس هناك ذكر للهلع في القيادة الإسرائيلية ولدى موشيه دايان وبعض ضباط الجيش قبل فجر التاسع من أكتوبر إلى حد الرغبة في الاستعداد لاتخاذ أقصى إجراء (استخدام القنابل النووية). كما أنه ليس هناك أي ذكر لقرار مائير بقبول توصية رئيس أركان الجيش الإسرائيلي ديفيد إلعازار بالسعي إلى التوصل إلى هدنةٍ مع المصريين على الضفة الشرقية لقناة السويس، وهو ما كان بمثابة استسلامٍ للرئيس المصري أنور السادات.

فيما يتعلق بالقضية التي كانت مثار جدل بين المخابرات العسكرية (والموساد والمخابرات الجوية الإسرائيلية) والسي آي إيه، كان على الأمريكيين الاعتراف لاحقًا بأن الإسرائيليين كانوا على حق: صواريخ سكود أرض-أرض التي نشرها السوفيت في مصر. في 31 أغسطس 1973، شُرح لنيكسون أن "السكود يمكن مقارنته بصاروخ جيريكو الذي يطوره الإسرائيليون"، لكن الأدلة على أنه قد وصل إلى مصر كانت ضعيفة. كانت جميع أنظمة جمع الاستخبارات في حالة تأهب، لكن السحب أعاقت "محاولات تصوير نيكوليف (الميناء الروسي الذي كان يشحن بضائع عسكرية إلى الشرق الأوسط) في أوائل أغسطس للتأكد مما إذا كانت ما زالت هناك، حسبما أُبلغ نيكسون. قبل الهدنة، أطلق مشغلو الصواريخ السوفيت صواريخ السكود الضعيفة تلك على رأس جسر الجيش الإسرائيلي.

بعد حرب أكتوبر، وبينما كانت السي آي إيه تنسخ برقية من بيروت بشأن عزم مصر والسعودية والكويت على عقد سلامٍ مع إسرائيل، أخطأ الملحق العسكري الأمريكي في تل أبيب في تقييمه بأن "قادة الجيش الإسرائيلي لا يرغبون في استئنافٍ للحرب" (كان دايان وإلعازار يرغبون في حرب؛ كان ما أعاقهم هو نائب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي يسرائيل طال).

اقرأ/ي أيضًا:

صفقة أسلحة تاريخية بين أمريكا وإسرائيل

رجل المخابرات الأمريكية الذي يسبب صداعًا لأمريكا