21-يونيو-2017

محمد بن سلمان، أو كما يُوصف بـ"الإسكندر الأكبر"، أصبح وليًا للعهد (فايز نورالدين/ أ.ف.ب)

رسميًا، وبعد القليل من الجُهد في الحقيقة، أصبح نجل الملك ولي العهد الأول له. إنّه محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، الذي كان قبل يومٍ ولي ولي العهد في حُكم الألقاب الرسمية، لكنه في حكم الواقع كان ضليعًا بسياسات المملكة العربية السعودية، تقريبًا منذ تولي والده الحكم في 2015. والآن وبعد صدور القرار الملكي بتنحية محمد بن نايف من ولاية العهد الأولى ومن كافة مناصبه، أصبح محمد بن سلمان أول الملوك المحتملين للسعودية من جيل أحفاد الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود.

اقرأ/ي أيضًا: أبرز 5 قرارات ليلية للعاهل السعودي.. هنا الرياض بتوقيت واشنطن

لم يكن هذا الصعود لابن سلمان وليد مفاجأة فجرية استيقظ عليها السعوديون والعالم، وإنّما جاء بتدريج صوري. في الحقيقة كانت المفاجأة الأولى أن يُعيّن الشاب الثلاثيني المغمور مستشارًا للملك ورئيسًا للديوان الملكي، مع بداية تولي والده الحكم، قبل أن يصبح وزيرًا للدفاع ثم وليًا لولي العهد، وقائمًا على رؤية السعودية 2030، وقبلها مسؤولًا عن غرفة عمليات ما تُعرف بـ"عاصمة الحزم". وقد اتضح من حينها، وبمرور الوقت أن محمد بن سلمان يُمسك بمقاليد الأمر فعليًا بالنيابة عن والده، مدعومًا من أبوظبي المقرب من أمرائها وعلى رأسهم محمد بن زايد، وأخيرًا مدفوعًا بمباركة أمريكية بعد تولي دونالد ترامب الرئاسة، وتقديم السعودية له نذور الطاعة في هيئة مئات مليارات الدولارات.

ابن سلمان على لسان الأمريكان.. "السيد كل شيء" وأشياء أخرى

منذ سطوع نجم محمد بن سلمان، وأقلام كتاب وصحفيين أمريكيين لم تكف عن الصرير، ربما لأنه شخصية مثيرة للجدل كونها خرجت بهذه الهيئة من بلد "لا يُمكن التنبؤ بها"، بوصف صحيفة الغارديان، وربما أيضًا لأن هناك ما يدفع إلى استمرار صرير الأقلام التي تكتب عن محمد بن سلمان و"مشروعه".

ربما يكون فألًا سيئًا أن يُطلق على الأمير الشاب محمد بن سلمان لقب الإسكندر الأكبر، خاصة أن الأخير قُتل مسومًا في الـ32 من عمره

حظي محمد بن سلمان، في الولايات المتحدة، بدعاية مضاعفة عن أي دعاية قد يحظى بها سياسي صاعد، ما بدا للبعض أن مما لا شك فيه أنّها دعاية غرضية لا تحكمها تمامًا حرية القلم. مدفوعة بالمال السياسي الضاغط، إذ يبدو غريبًا أن يُلقّب شابٌ في النهاية هو نجل الملك في بلاده، بـ"الإسكندر الأكبر"، بعد أن كان يُلقب بـ"الأمير الطائش"، في تحوّل لا يُمكن وصفه تمامًا بالدراماتيكي، فما تصرفه إمارة أبوظبي من مال على تدابيرها في واشنطن ليس بالهيّن، فضلًا عن توجيه الآلة الإعلامية السعودية في الداخل والخارج للدفع بابن سلمان في خانة "شبيه جده المؤسس عبدالعزيز آل سعود"!

وصفته وكالة بلومبيرغ بـ"السيد كل شيء"، وهو وصف يجمع تناقض المبالغة والواقع، فمن جهة المبالغة هناك التعظيم الذي قد يُرى أنّه مدفوع الأجر أو بالضغط، ومن جهة الواقع فمحمد بن سلمان، وقبل أن يُصبح وليّ أول للعهد، كانت بحوزته عديد المناصب التي يُوزعها المليك كيفما شاء، وهو الذي وصفته صحيفة نيويورك تايمز بأنه أكثر الأمراء "سلطة ونفوذًا"، بطريقة لم يجري عليها العُرف، وبوتيرة سريعة في مملكة بطيئة و"متكلّسة".  

مع ذلك يبدو أنّ الأمير الشاب يُفضل لقب "الإسكندر الأكبر" كما أفادت مصادر، لكن ألا يُعد ذلك فألًا سيئًا؟ فقط مات الإسكندر الأكبر مقتولًا وهو لا يزال في الـ32 من عمره.

اقرأ/ي أيضًا: حزمة أوامر العاهل السعودي.. خطة محمد بن سلمان للسيطرة على كل شيء

وذهبت صحف ووسائل إعلام أمريكية إلى توصيف محمد بن سلمان كحلّال للمشاكل، واعتبار أنّ لديه "تصورًا وتوصيفًا للدولة السعودية المتكلسة ومشاكلها"، رغم أن السرعة التي جرّ بن سلمان السعودية إليها لم تعد عليها بنفع مشهود، فالحرب اليمنية لم تُحسم للسعوديين، ولا يبدو أنها في طريقها لهكذا حسم، كما تبدو المملكة العجوز متصابية في علاقاتها مع جيرانها، وفي اندفاعها إلى اتخاذ مواقف ربما لا تُعبّر تمامًا عن كنه سياساتها، أو المفترض لسياساتها أن تكون، بقدر ما هي تبعية متواطؤ عليها لإمارة أبناء زايد. 

يُضاف إلى ذلك أنّ الخطوات الاقتصادية التي تُسمى بـ"الإصلاحية" التي قادها ابن سلمان بوجهٍ مكشوف، لا تُنبئ حتى الآن عن تغيّر إيجابي في البناء الاقتصادي للدولة الريعية، فلا تزال الموازنة تشهد بعجزها، كما أنّ كل تغيير سياسي بقرار ملكي يصحبه إعادة صرف لكافة البدلات والمكافآت والمزايا المالية لموظفي الدولة، التي كانت قد اُلغيت في سياق "الإصلاح الاقتصادي".

ولقد أُوقف العمل بهذه الجزئية من "الإصلاح الاقتصادي" منذ حزمة الأوامر الملكية في نيسان/أبريل الماضي، وتأكّد إيقاف العمل بها مع قرار تعيين بن سلمان وليًا للعهد، وعلى هذا يُمكن النظر إلى "الإصلاح الاقتصادي" المزعوم الذي يقوده محمد بن سلمان، كرهن لتمرير إجراءات تصعيده السريع.

وللعجب أنّ مجلة نيويوركر وصفت محمد بن سلمان بـ"الفتى العبقري"، فمن جهة لم يتخل الأمريكان عن نزقهم بوضع "الأمير" في خانة "الفتيان"، ومن جهة أُخرى يبدو أن الدفع للترويج للرجل كان قويًا لدرجة وصفه بالعبقرية لأنه اجتمع بمؤسس فيسبوك، مارك زوكربيرغ، وكان يرتدي ملابس بنفس الألوان التي اعتاد زوكربيرغ ارتداءها! مُعتبرةً أنّ ذلك اللقاء بمثابة رسالة من ابن سلمان يُؤكد فيها على مضيه نحو "التحديث".

محمد بن سلمان مع مارك زوكربيرج في مقر فيسبوك بكاليفورنيا
محمد بن سلمان مع مارك زوكربيرغ في مقر فيسبوك بكاليفورنيا

إلا أن عمليات "التحديث" تلك التي يُروّج لها ابن سلمان، وتطال المواطن السعودي كخاسر أوّل؛ لم تشمل مصروفات الأمير الشخصية والتي كان من بينها على سبيل المثال شراءه يختًا بنصف مليون دولار، بالتوازي مع خفض رواتب موظفين في الجهاز الحكومي، بالإضافة إلى خفض دعم الطاقة.

تجاوز الأمر للغزل، بقلم بلال صعب، وهو باحث في قضايا الأمن بالشرق الأوسط، في مقال له على فورين أفيرز، قال فيه عن محمد بن سلمان: "كانت قيادته للقضايا صلبة، ردات فعله أفضل. ودلت لغة جسده على الثقة، على الرغم من أنه كان أصغر شخص وأقل خبرة في الغرفة. كانت لديه الكاريزما. ولكن الأهم من ذلك كله، أنه جعل قضية بلاده الأكثر حضورًا وقوة بشكل لم يُقدم عليه أي مسؤول سعودي من قبل".

يُذكر هنا من قبيل الإشارة التي لا يمكن تجاهلها، أن تسريبات البريد الإلكتروني لسفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة، تضمنت مراسلات بينه وبين بلال صعب، حول دعم "الرؤية السعودية" في المنطقة بالمقالات والتقارير، فضلًا عن تضييق الخناق حول قطر.

الإمارات.. الراعي الرسمي لمحمد بن سلمان

عن الرجل المهم الذي يتحرك حركة دؤوبة وسريعة داخل مطبخ صناعة الأحداث. يوسف العتيبة، سفير أبوظبي في الولايات المتحدة الأمريكية. هو أيضًا شاب، نجمه صاعد، وترسٌ هام في الآلة الدائرة لتشكيل سياسات جديدة للخليج العربي والمنطقة.

ومع كل ما يُمكن أن يقال عن عتيبة، يبقى للذكي خطأ، وهو ماحدث في أول جمعة من حزيران/يونيو الجاري، من تسريب رسائل من البريد الإلكتروني ليوسف العتيبة، تكشف الكثير والكثير عن سياسات أبوظبي، وما كان يُحاك ضد قطر في الخفاء، وكذا، وهو مربط الفرس هنا، دعم محمد بن سلمان في دوائر صنع القرار الأمريكية.

تكشف تلك الرسائل المُسرّبة كيف عمدت أبوظبي، عبر العتيبة، لتجنيد أصوات دعائية لابن سلمان في الصحافة والإعلام الأمريكي، ضمن تحالفات الإمارات في الولايات المتحددة، فكان هناك على سبيل المثال ديفيد إيغناتيوس، الذي كتب في صحيفة واشنطن بوست، يصف محمد بن سلمان بأنه "زعيم بطبيعته"، مُضيفًا: "من الضعب عدم تشجيع زعيم شاب يسعى لتحويل بلد حكمته الأفكار المحافظة و الأصولية الدينية وكانت تشكل عائقًا في سبيل تغييره لأجيال". 

​هذا الرجل، إيغناتيوس، كشفت الرسائل المسربة من بريد العتيبة، أنهما كانا على اتصال، حتى أنّ العتيبة توجه له بالشكر على مقاله هذا، وقائلًا: "يجب أن ندفع كل خطوات التغيير في السعودية، وننتظر ماذا سيحدث بعد عامين"!

ومن الدوائر التي موّلتها أبوظبي، مُؤسسة المجلس الأطلنطي (Atlantic Council)، وهي مؤسسة بحثية، تضع ضمن قائمة داعميها من الفئة الأولى الإمارات، بمبالغ تبدأ من مليون دولار فأكثر. أمّا في الفئة الثانية للداعمين لهذه المؤسسة فهناك شركة أبوظبي الوطنية للبترول. 

هذه المؤسسة المدعومة بملايين الدولارات من أبوظبي هي مثال لأوراق الضغط التي تستعين بها الإمارات للترويج لسياساتها، والتي من بينها كما قطع العلاقات مع قطر، أيضًا الترويج لـ"مشروع" محمد بن سلمان.

مراكز أخرى بالغة الأهمية تلعب أبوظبي بالمال على وتر جذبها لمربع مصالحها، مثل مركز مؤسسة راند، الذي يُوصف بأنه الذراع البحثي لوزارة الدفاع الأمريكية (بنتاغون). وللمركز فرع في أبوظبي، وتكشف تقارير عن تأثير السياسات المتبادل بينه وبين أمراء أبوظبي، خاصة في الموقف من الإسلام السياسي والترويج لما يُسمى بـ"الإسلام المعتدل"، وهو ما قد يُفسر النصيحة التي تلقاها بن سلمان بتخفيف أثر الوهابية في السعودية، انطلاقًا من أجندة إماراتية.

كشفت تسريبات العتيبة عن دعم الإمارات لمحمد بن سلمان في دوائر سياسية أمريكية، والترويج له في أوساط صحافية وإعلامية

فقد أشارت عديد المصادر إلى تلقي بن سلمان نصائح مباشرة من أمراء إماراتيين، ليكون "الخيار المفضل للولايات المتحدة"، وبالنظر إليه "كحاكم قادم للسعودية".

اقرأ/ي أيضًا: تسريبات العتيبة.. إرهاب أبوظبي "الدبلوماسي" برعايةٍ إسرائيلية

تركزت النصائح الأوّلية من الإمارات لابن سلمان، حول حصار "الأصولية"، لذا لم يكن غريبًا أن يكتب ديفيد إيغانتيوس أن محمد بن سلمان "القائد بطبيعته" يُحارب الأصولية، وما إلى ذلك.

النصيحة الثانية على ما يبو كانت حول فتح باب للعلاقات مع  إسرائيل، وهو ما بدأت السعودية فيه بخطوات حذرة وثقيلة نسبيًا، وأشارت إليه صحف إسرائيلية مُؤخرًا، عندما قالت إن العلاقات بين الطرفين شهدت تطورًا طفيفًا، على المستوى الاقتصادي تحديدًا، أدى بالسماح لعبور الطيران الإسرائيلي في المجال الجوي السعودية، هذا فضلًا عن التقارب في مواقف سياسية، مثل مقاطعة العلاقات مع قطر.

إذن فبالفعل محمد بن سلمان "واثق الخطوة يمشي ملكًا" بدعم كبير من الإمارات والولايات المتحدة الأمريكية. وعلى مُحبي مشاهدة المسلسلات الطويل من عدة أجزاء، مثل "حرب العروش"، الانتظار لأنّ الأحداث وخيوطها تنسج بسرعة كبيرة على غير المعتاد.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ترامب في السعودية.. ركضًا وراء المليارات وهربًا من الفضائح

لماذا تراجعت السعودية عن سياستها النفطية؟