23-فبراير-2016

حلب 2014 (Getty)

كيف يكون للموت شكل الفرح، وكيف يرش الأرز على رؤوس القتلة، وتصب اللعنات على أشلاء القتيل، وما الذي يجعل من الإنسان كائنًا ملتذًا بحب الدم، الدم الآخر ربما ذاك المشبع بصفيحات طائفة ما، ونكهة ابتهال مخالف؟

هنا في البلاد القتيلة للموت بعض الخصوصية، ولا يشبه الموت بشكله البشري

هنا في البلاد القتيلة للموت بعض الخصوصية، ولا يشبه الموت بشكله البشري الموزع بالتساوي كنهايات لكائنات لها ما لها من حجم وهالة على سطح الأرض ولو كانت بمساحة سرير في غرفة في شارع في تجمع مخالف فقير في ضواحي العاصمة دمشق.

هو الدم السوري برائحة الفضيحة الأخلاقية عندما يعلن انتصار الموت على القيمة، وهكذا لا يمكن لك أن تستغرب منظر من يأكل اللحم، أو يوزع الحلوى، أو يضع قدمه القذرة على رأس إنسان كان يلقي عليه التحية ذات صباح.

الأحياء التي تنفجر بأحيائها، والحواري التي تضيق على رائحة الدم اللزج المحروق، والبيوت التي لم تعد تتنفس الياسمين والنرجس صارت تتنفس حكايات الغائبين في حفل الشواء المقدس بالسيارات والأحزمة الناسفة... كل هذا كيف كان وطنًا ثم صار مشرحة؟

كان الدم نائمًا من أفزعه؟ وكان المغفلون يعتقدون لوهلة أنه مات منذ تاريخ بعيد، ولكن يدًا هزت سرير الوريد فانفتح، وصيحات النقمة الغافية حركتها ولولات الأئمة بعمائم فاحمة، وكانت أناشيد الغائبين القتلى على الرمل تغفو في قلب البحر العاري فانفضت موجات الموت المختبئ... كان الدم نائمًا فقط بانتظار المذبحة.

الجيران استلوا سيوفهم، وزملاء المدرسة كلٌ حمل صورة مثاله ومسدسه، وصار الموت نشيدًا وطنيًا، والأعلام أسقطت كل نجومها، والكلمات السوداء والبيضاء وطنان يبتعدان... كان الدم نائمًا على الجبهات الجديدة.

اقرأ/ي أيضًا:

غزوة مانهاتن.. الجهاد في زمن العولمة

سُوريّا.. هُوِيّة الوَحدة أم وَحدة الهُوِيّة؟

لم تكن الفتنة نائمة، وكنا شعوبًا تتغذى بالثأر، وأمهات يرضعن أبناءهن شكل الأشلاء التي يصيرونها، ويأرجحن الأجنحة بالخناجر، وبعضنا كان ساهيًا في كونه أمة لا تخترقها الأقليات التي تنتظر فرصة لتأريخ انتقامها، ومن بعيد كان الغول الكبير يرسم إمبراطوريته الأسطورية على الأرض التي استكانت في (سوبر ماركت) التنزيلات الدائم.

المدن الصغيرة صارت دويلات في القلوب، والخرائط رسمتها الخطوات المرتجفة التي لم تعد تعبر بيوت زمان، والشعب الواحد صار شعوبًا عادت إلى زمنها القبيح البعيد، وأما النسوة فخبأت كل واحدة رحمها بانتظار عودة الشهيد، وعند الحاجز الترابي الشاهق ستلد المغتصبات أجنة يحملون الثأر والحلوى والرايات الجديدة، ويبدأ الزحف المقدس لاستنهاض الدم الذي كانوا يعتقدونه.. نائمًا.
 
اقرأ/ي أيضًا: 

اسمي جهاد.. هنا الحكاية

قمر على بلادي البعيدة