20-ديسمبر-2015

خالد البيه/ السودان

مجاميع نخبوية انتهازية ظهرت في مختلف مجالات العمل العام، بمختلف فروعه السياسية والحقوقية والصحافية، تتسم بالغطرسة والتكبّر، تفضل المصلحة الفردية على حساب الجموع، وتجدها سلمًا للوصول إلى عالم الشهرة والمال، تنتقد وتهاجم الجميع لكنها لا تقبل ولا تحترم مجرد رأي يختلف معهم، فهم أصحاب البوصلة التي لا تخطئ.

يدعون الثورية فيما ينتجون انتهازية توظف الشعارات الثورية من أجل الاسترزاق السياسي

تعيش تلك المجاميع في حالة شللية بائسة، فمن يبتعد عنهم يكون أدنى منهم ودون المستوى الثقافي والاجتماعي، يدافعون عن حقوق معارفهم والمشاهير فقط، أما المجهولون الذين لا يعرفونهم ليس لهم أهمية، تضامنهم غالبًا ما يكون انتقائي، يرفضون المحسوبية التي تمارسها السلطة الاستبدادية الحاكمة، لكنهم يستخدمونها كمعيار أساسي لهم بعيدًا عن الكفاءة، الكثير منهم يعيش حالة من "البرجزة"، يريد الحصول على مكان وسط البرجوازيين الذين تعرف عليهم، ويتهرب من أصله كفرد كان ينتمي للطبقة الرثة، فتنطبق عليهم المقولة التاريخية "يعرفون من أين تؤكل الكتف".

يدعون الثورية فيما ينتجون انتهازية توظف الشعارات الثورية من أجل الاسترزاق السياسي، فموقفهم الأساسي من السلطة يحدد عبر مصالح أفراد الشللية، يشاركون في العملية الانتخابية، وعندما ينحاز الناخب لغيرهم، يتهمونه بالجهل وفقدان البصيرة، وكأن المشكلة دائمًا في الناخب وليست بهم، لا يلتزمون بقواعد الحوار الموضوعية أبدًا، وعندما يكونوا أضعف من مناقشة غيرهم يحظرونه من صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، أو يتحدثون له بنبرة استخفاف وشخصنة، كوسيلة للخروج من المناقشة.

ينبهر بهم البعض وينظر لهم كنجوم، ويحلم أن يكون بين صفوفهم دون أن يعرف أصل حقيقتهم، وعندما يقترب منهم ويتعرض للإيذاء، يكتشف مبادئهم المصطنعة الفارغة، لينطبق عليهم مقولة الكاتبة الراحلة أروى صالح: "وقد استحق المغفلون أن يمتطيهم الأفاقون".

على مستوى تنظيماتهم السياسية، يكون الطريق الوحيد للصعود في المناصب الحزبية العليا الولاء الكامل للعصبوية المسيطرة على مقاليد الحزب، فلا مكان للتنافس من أجل الارتقاء بالمنظومة الحزبية، بل الاختيار بين الخضوع التام للسلطوية المتحكمة بمقاليد الأمور أو الإقصاء، وفي المؤسسات الصحافية التي تسيطر عليها تلك النوعية النخبوية الانتهازية، وما أكثرها، يكون مصدر استمرارية العمل بالمؤسسة وعدم التعرض للفصل النفاق والتملق وتوظيف الكتابة لخدمة رؤيتهم ومصالحهم، والتلميح بالإعجاب بتفوقهم الوهمي، فلا مكان لديهم للكفاءات، والطاقات ممارسات فاسدة تنتج مؤسسات جوفاء ليس لها علاقة بالمصداقية والاحترافية.

عند الحديث عن منظمات المجتمع المدني التي يسيطر عليها هؤلاء، يكون دور مؤسس المنظمة الذي يعرف كيف يحصل على التمويلات، كالإله الذي لا يجوز الخروج عن تعليماته، فهو ضمانة الحصول على الراتب الشهري، والدفاع عنه مهمة وظيفية، وعندما تتحدث ضد مشاريع "الأنجزة"، ومشاريع الهيمنة الثقافية، يجعلونك في خندق السلطة الرافض للحقوق والحريات، وعندما تناقش قضية التمويلات التي يحصلون عليها، بدلًا من أن يدافعوا عن أنفسهم، يستخدمون الإنكار والتكذيب غير المعتمد، على أسس الشفافية والنزاهة.

اقرأ/ي أيضًا:

في انتظار "28 يناير".. في انتظار الثورة

رسالة الحرب.. تسلح بالمعرفة