29-مارس-2016

مقتدى الصدر (AP)

وحدها جماهير التيار الصدري القادرة على إسقاطِ العمليةِ السياسيةِ العرجاء، لما تمتلكُ من مقوماتِ الثورةِ والاحتجاج لا سيما عبر الصعيدين "النفسي والاجتماعي"، بروليتاريا، طبقات فقيرة، تمتلكُ حسًا جسورًا، يؤهلها لكسرِ حواجزِ الخوف التي يُصدرها لنا دائمًا إعلام التشيع السياسي، كما أنها تشعر بنفسها كتلة متجانسة ذات إطار تنظيمي وقيادة واضحة المعالم.

يدور الحديث عن جماهير أوغلتها جراح الاستبداد الطائفي، لكنها لا تعمل على تثويرِ تلك الجراح

جماهير أوغلتها جراح الاستبداد الطائفي، لكنها لا تعمل على تثويرِ تلك الجراح، مسلمة بخضوعٍ مطمئن للفردِ المقدس، والأخير غالبًا ما يستلُ جراحهم سوطًا على أساطين العراق وحاكميه، وفق متطلبات المزاج السياسي وانبعاثات الانفعال.

اقرأ/ي أيضًا: الليل في أبي غريب

الاعتصامات الصدرية الأخيرة كشفت بوضوحٍ سلطانية الرمز وهيمنتها على الذات العراقية، ناهيك عن اتصافِ تلك السلطانية بصبغة الأرستقراطية الدينية التي غالبًا ما تمتاز بالنزعة الفردانية، إذ تكفي متابعة سبابة مقتدى الصدر المتوعدة لمن يخرج عن أمره من الجمهور المعتصم بالنفي من الشجرة الصدرية، بل ومن عراقيته.

فالزعيم السياسي الشاب ذو الأربعين عامًا، أظهر بسلوكياتهِ الأخيرة عري وهشاشة الدولة العراقية بأكملها، فما إن دعا أنصاره لوجوب الاعتصام قِبالة المنطقة الرئاسية الخضراء، حتى اعتصمت حياة العاصمة بغداد برمتها، وما رافقها من شللٍ حياتيٍ واضح في جميع مدن ومناطق العاصمة، فضلًا عن إفراز المؤسسة الأمنية سلوكيات قلقلةٍ شابها توترٌ عال، ورضوخٌ مبطن لإرادةِ المعتصمين التي اجتاحت أكثر من حاجزٍ أمنيٍ بُغية إيصال الصوت الناقم إلى السلطة الحاكمة خلف منطقةِ الجدارِ العازل.

دعواتُ ساسة المذهب إلى ضرورةِ الحفاظِ على الكيان السياسي الواحد للطائفة، على الرغم من كل المظالم التي لحقت بجميع العراقيين عامة والقواعد الشعبية للطائفة الشيعية خاصة، جعل أبناء الطيف المذهبي دائمًا ما يركلون جراحهم لعيونِ الحكم الشيعوي، والتطلع نحو أملِ إصلاحٍ مرتقب، علهُ ينهضُ بهم والآخرين، علمًا أن أغلب ساسة التحالف الوطني الشيعي كانوا غير مكترثين لتظاهرةٍ هنا وهناك، لأنهم نخروا الطائفة وأبناءها بأفيونٍ فكري أحالهم كليًا نحو الارتكاسِ والجمود.

اقرأ/ي أيضًا: قصة حسين الراضي

فوران الزعامة الصدرية ودعواتها المناكفة لهرمِ السلطة المذهبي، جعل أكثرية الناس ترنو وتصغي لهذه الدعوات التي تجد فيها متنفسًا لوضعها المزري، وإمكانية حتمية للقضاء على آفات الفساد التي أجهضت حقوقهم والدولة.

لذا لاحظنا عبر هذا الاحتجاج الشعبي الصاخب انهيارًا واضحًا لقدسيةِ التشيع السياسي، فضلًا عن شيوعِ لغة التكفير والتخوين بين ساسةِ وقادةِ المكون الواحد، ما أصاب التحالف الشيعي الحاكم بـ"العجز" عن الصمود والتآلف من جديد، جراء أدائه السلطوي التبعي السيئ، ولا ننكر ثمة خشية من عواقب وخيمة نتيجة ما يجري في الساحة العراقية برمتها، فالمرويات الأدبية تحيلُنا إلى حكمةٍ لافتةٍ مفادها "إذا تصارع مقدسان سيكون العنف ثالثهما".

اقرأ/ي أيضًا: 

شرطة أم مليشيات مسلّحة؟

أن تكون اللاجدوى عراقية!