21-سبتمبر-2016

رجال سودانيين خارج محكمة في العاصمة الخرطوم يوم 28 مايو 2014 بعد وصول المتهمين لجلسة النطق بالحكم في وفاة سارة عبد الباقي والتى قتلت برصاص قوات الأمن خلال احتجاجات سبتمبر

قبل ثلاث سنوات، اصطاد رصاص القناصة أكثر من "200" قتيل، سقطوا في أزقة وشوارع مدن السودان، جلّهم من الأطفال وطلاب المدارس. تغير الكثير منذها في علاقة المواطنين بالنظام الحاكم، وبمعارضيه على السواء. مات أمل، وولدت آمال، وسار المأزق السياسي السوداني في منعرجات جديدة.

الإحباط الذي أعقب إجهاض الهبَّة، كان أثره عظيمًا على كثيرين، فتزايدت هجرة الشباب مع تضاؤل الأمل

التظاهرات التي بدأت نهار الاثنين 23 سبتمبر 2013، في "وَدْ مَدَنِي"، كبرى مدن وسط السودان، بعد مؤتمر صحفي "ليل الأحد" أعلن فيه البشير زيادة أسعار المواد البترولية؛ جوبهت بالقتل المباشر، وهو ما حدث أيضًا في تظاهرات الخرطوم التي بدأت في 24 سبتمبر واستمرت حتى نهاية الشهر.

الإحباط الذي أعقب إجهاض الهبَّة، كان أثره عظيمًا على كثيرين، فتزايدت هجرة الشباب مع تضاؤل الأمل. يقول لي أحدهم إنه قرر أخيرًا هجر البلاد بعد إذ فقد آخر أمل كان يبقيه فيها، يوم رأى الأطفال يموتون ولا يساندهم أحد؛ لا السياسيون ولا المواطنون الأكبر سنًا ممن كانوا يتفرجون عليهم، وكأن المعركة لا تخصهم، وأنها فقط بين العصابات الحكومية وطلاب المدارس الذين وصفهم النظام بـ"المتفلتين وأفراد العصابات"، و"الخونة وقطاع الطرق"؛ كتبرير لقتلهم.

اقرأ/ي أيضًا: السودان وإسرائيل.. المصالح المشتركة للأعداء

لكن برغم كل هذا، هناك ما تغيَّر سريعًا في السودان. فبجانب التأكيد على أن بذرة التمرد لم تمت بعد كل ذلك السكون الطويل الذي ضرب الشارع السوداني، نتيجة لقهر متطاول؛ أجد أن ثمة واقعًا جديدًا رسمته هبَّة سبتمبر، لا سيما في مركز التأثير الأكبر في السودان: الخرطوم.

فسكان المدينة الذين ظلوا بعيدين عن عنف النظام المفرط في الأطراف المطحونة بالحرب، لا مبالين أو معتنقين لوجهة النظر الرسمية عمّا يحدث هناك؛ لمسوا للمرة الأولى طرفًا مما يعانيه ساكنو تلك الأصقاع يوميًا من مليشيات النظام. فقبل هبَّة سبتمبر، لم تكن الخرطوم تلقي السمع لما يتم تداوله همسًا في "غيتوهات" المهاجرين من مناطق الحرب، تلك الملتصقة بأطراف المدينة مفتقرة لمقومات الحياة.

أيضًا قبل سبتمبر، كان موالو البشير يكررون برتابة وفي كل محفل، أن الرجل يحظى بشعبية جارفة بين المواطنين. مقولة صدقها الرجل كما صدقها من أطلقوها لكثرة ما رددوها على مسامع الناس، الذين نزعوا من ثمَّ إلى تصديق أن البشير ليس سيئًا، ملقين باللوم على بطانته في الفساد المستشري والضيق الخانق الذي يعيشونه. لكن بعد الهبَّة العفوية في سبتمبر، لم يعد لتلك المقولات مكان، فمثلما بينت الأحداث مدى وحشية النظام، فقد بينت أيضًا للبشير مقدار ما جمعه من حب الناس.

موقف السياسيين المعارضين من الهبَّة العفوية في سبتمبر؛ كشف عن زيف تلك الحدود بينهم والنظام، فظهروا بوضوح كطبقة واحدة متحدة المصالح في مواجهة الشعب. كانت الأحزاب المعارضة التي بنت خطابها على إسقاط النظام، وتلك التي تتبنى حلًا تفاوضيًا للمأزق السياسي؛ هي القاتل الأول، حين خذلت الآلاف التي خرجت تطالب البشير ونظامه بالرحيل. لم تقف تلك الأحزاب موقفًا ينجيها في ما بعد من تآكل الثقة الشعبية فيها، الذي تعيشه اليوم.

ثلاث سنوات مرت، ولا يزال أثر سبتمبر حيًا، وسط محاولات النظام لمحوها من الذاكرة الشعبية، ومحاولات السياسيين اختطافها بعد قتلها، بادعائهم أنهم مساهمون فيها، ومشعلوها. يحاولون كسب رصيد منها حتى وهي مجرد جثة للفرصة الأكبر لتغيير نظام يأكل لحم البلاد منذ ثلاثة عقود.

اقرأ/ي أيضًا:
الأغنيات السودانية.. المرأة في خانة المفعول
السودان.. صلوات من أجل اللصوص