05-أكتوبر-2015

إرهاب آخر من داخل أمريكا (Getty)

في أمريكا أيضًا، ما زال السلاح زينة الرجال. لكنه الخطر الأبرز الذي يهدد حياة الأمريكيين. 40000 حادثة إطلاق نار شهدتها الولايات المتحدة عام 2015، أسفرت عن مقتل أكثر من 10000 شخص وإصابة أكثر من 20000 آخرين. بين هذه الحوادث 294 صنفت في خانة المجازر الجماعية، التي أصبحت حدثًا يوميًا روتينيًا في أمريكا وفق تعبير الرئيس باراك أوباما خلال تعليقه  قبل أيام على مجزرة الحرم الجامعي في روزبرغ في ولاية أريغون التي قتل فيها عشرة أشخاص وأصيب سبعة آخرون.

يبتاع سفاحو الجرائم العنصرية في أمريكا أسلحتهم بشكل قانوني 

فالحق بحيازة السلاح منصوص عليه في البند الثاني من الدستور الأمريكي. وينظر إليه الأمريكيون المتشددون، الذين يمجدون التاريخ الأمريكي وفتوحات الرجل الأبيض في الأرض الجديدة على أنه رمز مقدس ومكوّن أساسي في بنية الثقافة الأمريكية، والدفاع عن هذا الحق هو بمرتبة الدفاع عن حرية الأديان وحرية التعبير التي يقوم عليها النظام السياسي.

الشغف الأمريكي بالسلاح والحق باستخدامه نراه مصورًا في أفلام هوليود، أو أنماط الأبطال التي روجت لها على مدى أجيال في الولايات المتحدة والعالم، بدءا بأفلام الوسترن والكاوبوي في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وصولًا إلى رامبو وكابتن أمريكا وغيرها من أفلام الآكشن التي شهدناها في السنوات القليلة الماضية.

ضف إلى ذلك أن ازدهار صناعة السلاح واتساع الاتجار به وازدياد الطلب عليه حقق أرباحا كبيرة على المستوى الوطني، بلغت مليارات الدولارات لعدد من الشركات الكبرى، فصار لهذه الشركات لوبي نافذ يؤثر على مواقف أعضاء الكونغرس الأمريكي والطبقة السياسية الحاكمة في واشنطن وفي باقي الولايات. ونجح لوبي السلاح في إعاقة كل محاولات تعديل القانون وأفشل كل الجهود والنضالات والتحركات التي نظمتها على مدى عقود حركة حماية الحقوق المدنية في أمريكا والمنظمات الأخرى الناشطة ضد العنف وانتشار السلاح وتفشي الجريمة. وبات قانون تنظيم حيازة الأسلحة في الولايات المتحدة الصادر في ثلاثينيات القرن الماضي مادة سجالية دائمة في وسائل الإعلام الأمريكي وبرامج المرشحين للانتخابات.

لكن تزايد عدد جرائم الكراهية التي تحرك مرتكبيها اعتبارات ودوافع عنصرية ودينية وعرقية، في مجتمع انكشفت تناقضاته وأمراضه التاريخية، بعد هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001، وانتخاب أول رئيس أمريكي من أصول أفريقية عام 2008، دق ناقوس الخطر، فالولايات المتحدة التي تصرف مليارات الدولارات سنويًا من أجل حماية أراضيها ومواطنيها من خطر العمليات الإرهابية تواجه مفارقة تتمثل بأن عدد الأمريكيين الذين قتلوا أو أصيبوا في عمليات إرهابية  خلال العقد الماضي، لا يتجاوز نسبة 1% من عدد الأمريكيين الذين سقطوا قتلى وجرحى في نفس الفترة الزمنية في حوادث إطلاق نار.

 طبعًا لا بد من الإشارة هنا إلى أن عدد كبير من هؤلاء سقط برصاص سلاح الشرطة الأمريكية، خصوصًا في مواجهتها المفتوحة مع الشبان ذوي الأصول الأفريقية في بالتيمور وفيرغسون ونيويورك ومدن أمريكية أخرى.

اقرأ/ي أيضًا: هوليود.. رقابة فاشية

والأرجح أن دخول السوشيال ميديا القوي إلى كافة مناحي الحياة الأمريكية في السنوات القليلة الماضية، قد زاد الطين بلة كونه شكل البيئة الحاضنة لولادة فئة جديدة من المجرمين، ممن يطلق عليهم "الذئاب المنفردة". من هؤلاء  الشاب الأمريكي العشريني كريس هاربر ميرسر، منفذ مجزرة أريغون الذي أطلق النار على نفسه بعد أن قتل تسعة من طلاب وأساتذة وموظفي جامعة "يو سي سي". الشاب الذي كان يسأل ضحاياه عن ديانتهم قبل إطلاقه النار على رؤوسهم، استخدم في جريمته 6 قطع سلاح، فيما عثرت الشرطة على ثمانية قطع سلاح أخرى لدى مداهمة منزله. وأظهرت التحقيقات أنه كان قد اشترى هذه الأسلحة بطريقة قانونية ونشرعلى موقع سجل باسمه على شبكات التواصل الاجتماعي صورًا لبنادق حربية ومسدسات وصورًا أخرى له في أوضاع قتالية فيما كشف على حساب إلكتروني آخر أنه من المحافظين الجمهوريين، وأنه يزدري جميع الأديان.

"ذئب منفرد" آخر يدعى ديلات روف، نفذ قبل أشهر قليلة مجزرة مشابهة، حيث أطلق النار على المصلين في كنيسة إيمانويل في تشارلستون بولاية ساوث كارولاينا الجنوبية، ما أدى إلى مقتل تسعة أمريكيين من أصول أفريقية. روف نشر على الإنترنت رسالة عنصرية ضد السود وأفريقيا قبل تنفيذ جريمته، كما عرض صورًا لأسلحته وعلم كونفدرالية الجنوب خلال الحرب الأهلية الأمريكية.

يبذل مكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي جهودًا كبيرة لتعقب نحو 1500 شاب أمريكي في غرف الدردشة ومواقع التواصل الاجتماعي للاشتباه بارتباطهم بتنظيمات إرهابية. ونجحت الأجهزة الأمنية الأمريكية بالإيقاع ببعض الشباب الأمريكيين الذين أغوتهم أرض الجهاد في سوريا والعراق. لكن عوائق كبيرة، أبرزها قانون حيازة السلاح، تعترض مواجهة مخاطر احتمالات تحول مئات الآلاف من الشباب المتسمرين خلف شاشات الكمبيوتر إلى ذئاب شاردة  تطلق النار عشوائيًا في المدن والبلدات الأمريكية.

اقرأ/ي أيضًا: بالتيمور وفيرغسون.. من الدولة عصاها