02-أبريل-2016

لاجئون شمال دارفور (Getty)

في شوارع الخرطوم، إن أوقفت أحدهم عشوائيًا وسألته: "ما مشكلة دارفور بالضبط؟"، فإنه على الأرجح لن يجد جوابًا واضحًا، ما لم يكن من وجهت إليه السؤال لصيقًا بالإقليم كونه ينتمي إليه، أو يقع ضمن دائرة اهتمامه العملية كصحفي أو باحث مثلًا. هذه الحيرة التي قد تراها في وجوه من فاجأهم السؤال على بداهته، سرعان ما يخرج منها المحتار باسترجاع الخطاب الرسمي المعلن عن دارفور، أو بالاستعانة بخطاب آخر، شعبي، تمييزي ضد الدارفوريين.

بعد 13 سنة على اندلاع الحرب، تبدو مشكلة دارفور باهتة في أذهان أكثرية سكان وسط السودان

بعد ثلاث عشرة سنة على اندلاع الحرب، تبدو مشكلة دارفور باهتة في أذهان أكثرية سكان وسط السودان، بل وتعتريها تشوهات تاريخية، وتلتصق بها تأويلات تُخرجها من دائرة الهم القومي إلى اختزالها في صورة صراع على المال، أو صراع عرقي "ضد" الوسط.

اقرأ/ي أيضًا: مرحبًا بك أيتها العصور الهمجية.. لقد وصلنا

في الخرطوم، باتت صورة الدارفوريين في الذهن العام، تشبه صورة الجنوبيين إبان الحرب الأهلية (1983-2005)، فيوسمون بـ"الحقد"، وصفات أخرى تمييزية سلبية، لتبرر العنف الواقع عليهم وحالة "اللا تعاطف" الأقرب إلى الإهمال التي يجدونها. فمن مشاهدات ونقاشات وأسئلة حرصتُ على طرحها في كل سانحة؛ حلَّت دارفور في خانة "العدو" التي خلت باستقلال الجنوب بدولته، ومن ثمَّ صارت المراوغة في إجابة سؤال دارفور هي السمة المشتركة لفئات مختلفة من سكان الوسط.

للحق، تتفاوت درجات "العنف الذهني" الجماعي تجاه دارفور، باختلاف الخلفيات الاجتماعية. فمن عنف "بسيط" ممن ينتمون لمجموعات ثقافية أو عرقية تحاول التموضع مركزيًا مع المسيطرين؛ حتى الوصول إلى الدرجة التي عبَّر عنها أحد سائقي عربات الأجرة حين اختزل مشكلة دارفور كلها في "شبق الدارفوريين لبنات الوسط العربيات"، وأنا هنا أخفف عباراته؛ بين هاتين الدرجتين، يدمغ كلٌّ مشكلة دارفور باعتقادات ذاتية غير متعاطفة، في غياب تام لصيغة موحدة -حتى في سلبيتها- للمشكلة، يضاف إلى هذا، التشويش الرسمي المتعمد على المعلومات واللعب الحكومي على الموتِّرات النفسية لكتلة الوسط السودانية المؤثرة.

اقرأ/ي أيضًا: الدينُقراطية!

نعم، تبدو قضية دارفور وكأنها اليوم تخص أهل الإقليم فقط، بعد أن بينت أحداث السنوات المنصرمة، أن ضمير "المركز" في حالتيه الرسمية والشعبية، أكثر تجاوبًا مع أحداث ومآس لا تختلف كثيرًا عما يحدث في دارفور، فقط هي أقرب لذلك "الضمير" بسبب تعقيدات هويويَّة، ليصبح المسلمون من خارج الحدود أقرب إليهم من مسلمي دارفور، ويصبح "الأشقاء العرب" أكثر أخوَّة ممن يقاسمونهم جغرافيا واحدة.

تتفاوت درجات "العنف الذهني" الجماعي تجاه دارفور، باختلاف الخلفيات الاجتماعية

بل حتى التعاطف الذي يجود به الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، لم يخرج في كثير من أحواله، من كونه "مكياجًا" يكمل الصورة الزاهية للمدافعين عن الحقوق هؤلاء، إذ خلا نشاطهم من فعل ذي أثرٍ، ورؤية موحدة واضحة للقضية، يمكن أن تقاوم الصورة السلبية شعبيًا ورسميًا، ولها القدرة على جمع أبناء دارفور مع بقية المهتمين من أقاليم السودان الأخرى، حولها.

إن كان اليأس بدأ يعتري الدارفوريين من الحصول على تعاطف يوازي الحدث، أكثر من ذلك الذي تبديه أصوات قليلة وشرائح نخبوية؛ فهو يأس مبرر. فكما أؤمن ويؤمن آخرون؛ ليس حل مشكلة دارفور فقط في التنمية، وتقاسم السلطة والثروة.. إلخ الدعاية الرسمية، بل هو حل ضمن حل شامل لمشكلة السودان المختلف حولها حتى اليوم، وأراها ليست مشكلة سياسية بقدر ما هي ثقافية اجتماعية، وهي قديمة، ولا يبدو أنّ حلها متاح حتى لو بدأنا اليوم، قبل مرور عدة أجيال.

يقول الروائي السوداني أحمد الملك، في روايته "سبعة غرباء في المدينة": "إن كنت تريد أن يعرف العالم بموتك، عليك أن تذهب وتموت في العاصمة. لكن حين تموت في الأطراف، يكون ذلك قضاء الله ولا يجادل فيه أحد". حسنًا.. ما مشكلة دارفور بالضبط؟

اقرأ/ي أيضًا:

اللاجئون السودانيون في الأردن.. الأزمة متصاعدة

أن تكون عربيًا في السودان