21-سبتمبر-2016

المفكر العربي عزمي بشارة

مثلت ثورة 25 يناير في مصر، ابتداءً من المظاهرات التي اتخذت من "ميدان التحرير" مركزًا لها، ووصولًا لما عاصرته من تطورات سياسية، انتهت باستيلاء قائد الانقلاب العسكري، عبد الفتاح السيسي، على حكم أول رئيس عربي منتخب ديمقراطيًا، محمد مرسي، حالة مختلفة عن ثورات "الربيع العربي" التي خرجت في البلدان العربية الأخرى.

في كتابه "ثورة مصر: من جمهورية يوليو إلى ثورة يناير"، يقدم عزمي بشارة قراءة حفرية للثورة المصرية

يقدم المفكر العربي عزمي بشارة، في مشروعه البحثيّ "ثورة مصر: من جمهورية يوليو إلى ثورة يناير"، الصادر في كتابين عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، قراءة حفرية لأسباب الثورة المصرية التي واكبت "الربيع العربي"، مستندًا لمسرد تاريخي للحياة المصرية في "السياسة، المجتمع، والجيش"، منذ صعود جمهورية الضباط الأحرار.

اقرأ/ي أيضًا: عزمي بشارة.. تعرية ديمقراطية إسرائيل المتناقضة

يفتتح بشارة الفصل الأول من البحث بعرض تاريخي يعود لبدايات الربع الأخير من القرن التاسع عشر، حتى وصول "حركة الضباط الأحرار" للحكم في مصر في الـ23 من تموز/يوليو 1953، عن طريق "انقلاب عسكري كلاسيكي"، مسترجعًا في قراءة سريعة التاريخ السياسي لمصر، والحركات السياسية التي ثارت ضد الإنجليز.

من المعروف في التاريخ السياسي المصري أن مرحلة جمال عبد الناصر، كانت المحطة الأبرز في تكوين المؤسسة القمعية في الحياة الاجتماعية المصرية، والتي يعبر عنها بشارة بقوله: "كان للنظام الناصري وجهان؛ إذ رافقت منجزاته في التأميم وإعادة توزيع الثروة وإرساء بنية تحتية جيدة للاقتصاد الوطني وتعميم التعليم؛ عملية ضخمة لبناء الدولة الأمنية، وانتشار الخطاب الشعبوي ورفض الرأي الآخر والمبالغة في تقدير المنجزات والقوة الذاتية، وتبع ذلك تردٍ في الأداء المؤسسي، وهبوط مستوى التعليم".

ويرى بشارة أنه منذ إعلان وفاة عبد الناصر عام 1970 "ظهر النقد العلني الذي وصل مستوى الاحتجاج والتظاهر ضد سياسات"، من أطلق عليه "الرمز الكاريزمي" عند ملايين العرب، ويضيف قائلًا: "اتخذ هذا النقد في مصر نفسها شكل مطالب ديمقراطية الطابع، بينما برز في البلدان العربية الأخرى في شكل مزايدة يسارية على عقم البرجوازية الصغيرة".

منذ إعلان وفاة عبد الناصر ظهر النقد العلني الذي وصل مستوى الاحتجاج والتظاهر ضد سياسات الرمز الكاريزمي

ويمكن تلخيص المرحلة الناصرية، بأنها قامت "على تقييد المجال السياسي واحتكار الضباط الأحرار السلطة ودفع الإسلاميين والأحزاب الأخرى إلى خارج القانون"، وفعليًا هذا التوصيف للمرحلة الناصرية، يمكن إسقاطه على مختلف الدول العربية، التي استعان معظمها بالنموذج الناصري لشرعنة الدكتاتورية العسكرية على مفاصل الدولة كاملة.

اقرأ/ي أيضًا: عزمي بشارة.. خرائط الحرية

ويشير بشارة إلى أن جمهورية يوليو استمرت حتى نهاية حكم حسني مبارك، الذي أزاحته ثورة 25 يناير، وأجبرته على التنحي، ويدعم ذلك بقوله: "ومن الدلائل على أن جمهورية يوليو استمرت حتى نهاية عهد مبارك أن النخب السياسية ذاتها التي نشأت في عهد عبد الناصر بقيت تعمل في أغلبيتها في عهدي السادات ومبارك".

ويتميز الفصل الأول في هذا البحث، بأن بشارة اشتغل على إسقاط المرحلة الناصرية، وربطها مع المراحل اللاحقة لجيل الضباط الأحرار الذين استلموا مقاليد السلطة في مصر، لذا نجد أن التحولات التي رافقت المؤسسة العسكرية، كان يسودها "الولاء الشخصي والزعامة الفردية"، إضافة إلى أنه "حل الولاء المطلق محل العلاقة المهيمنة في الإدارة والسياسة، وارتبط الولاء للدولة بهذا الولاء للجماعة المسيطرة، الموالية لشخص الرئيس".

يسرد الفصل الثاني من البحث موجزًا لتاريخ الحركات الاحتجاجية في مصر، التي كانت ما قبل ثورة 25 يناير، ويقول عنها: "تعود التقاليد النضالية المصرية بذاكرتها الترميزية إلى ما قبل الحملة الفرنسية، مع الاحتجاجات على ولاة العثمانية". ويسترجع هتاف المتظاهرين في "ميدان العباسية"، عندما رفضت بريطانيا عقد معاهدة مع مصر تمهد لاستقلالها، فهب الطلاب يصدحون "نحن فداؤك يا مصر... فليسقط الاستعمار"، وبلمحة سريعة، لكنها غنية بالمعلومات، يسرد بشارة تاريخ الحركات الاحتجاجية إلى أن يصل لاحتجاجات العقد الأخير من حكم حسني مبارك، والذي شهدت فيه الحياة الاقتصادية تدهورًا كبيرًا، وازدادت معدلات الفقر داخل المجتمع المصري.

عزمي بشارة في كتابه "ثورة مصر": تعود التقاليد النضالية المصرية بذاكرتها الترميزية إلى ما قبل الحملة الفرنسية

ويرى بشارة أن تظاهرة "حركة كفاية" في الـ12 من كانون الأول/ديسمبر عام 2004، والتي هتفت "لا للتمديد... لا للتوريث"، استطاعت أن تنشر ثقافة الاحتجاج، ويضيف أن الحركة ومثيلاتها مهدت الطريق لظهور نوعين من حركات الاحتجاج، الأول سياسيًا، والثاني كان بروز "حركات الاحتجاج المطلبية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية".

اقرأ/ي أيضًا: لماذا يزعج عزمي بشارة إعلام السيسي.. إلى هذا الحد؟

ويقارن بشارة بين عدد المظاهرات السلمية، وتطورها من عام 2001 وحتى 2008، لنجد أنها ارتفعت من 19 حتى 94 مظاهرة، ويضيف أن الأسباب التي جعلت مختلف الفئات تخرج للتظاهر كان "في مقدمتها المطالبة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بنسبة تكاد تقارب الـ50%، تلتها أسباب رفض الفساد ومناهضة التعذيب، وحلت بعدها دوافع المطالبة بالحقوق السياسية، وتثبيت أركان الدولة ومؤسساتها".

الفصل الثالث الذي عنون بـ"ثورة 25 يناير: العبور الكبير من الاحتجاج إلى الثورة... تاريخ وتوثيق"، والتي يرجع بداياتها للحالة التونسية التي أوجدت "سجالًا سياسيًا واسعًا في شأن إمكانية تكرارها في مصر"، مضيفًا أن السجال عينه شمل "قطاعات من النخبة الحاكمة التي شُغلت بتدبيج مبررات لنفي وجود أي تشابه"، وهو ما يمكن إسناده للسجالات التي رافقت الجلسات الحوارية في بلدان الربيع العربي خصوصًا، والدول العربية التي لم تشهد ربيعها عمومًا.

يسرد بشارة في هذا الفصل، مواقف الحركات الشبابية، والأحزاب السياسية، من الدعوات الموجهة لتظاهرة 25 يناير، وآلية التعاطي معها، مستندًا لمراجع أرخت لتلك المرحلة، إذ إنه يصف المرحلة التي استبقت التظاهرات على أنها إعلان "جيل جديد من الناشطين السياسيين عن نفسه، جيل لا يقتصر الفرق بينه وبين سابقيه على استيعابه وتمكنه من أدوات تقنية جديدة في الاتصال والتواصل، إنما بإصراره أيضًا على أن العمل السياسي هو تحقيق مطالب وأهداف عينية، لا تسجيل مواقف فحسب".

عزمي بشارة في كتابه "ثورة مصر": العمل السياسي هو تحقيق مطالب وأهداف عينية، لا تسجيل مواقف فحسب

وفي معرض تدوينه التوثيقي ليوميات ثورة 25 يناير، يرجع صاحب "مقالة في الحرية"، انهيار القبضة الأمنية التي حاولت تشتيت المتظاهرين لسببين، أولهما "يكمن في ما أصاب قوات الأمن من إنهاك شديد، علاوة على نفاذ الذخيرة"، وثانيهما "حجم الحشد الهائل الذي لم يكن بوسع صفوف عساكر الأمن المركزي الصمود أمامه"، وهنا يعيدنا السبب الثاني إلى ما ذكر في فصول سابقة من البحث عن حالة الاحتقان الشعبي المنتشرة بين فئات الشعب.

اقرأ/ي أيضًا: صحيفة عكاظ.. تجهيل وتشهير ضد الإعلام الديمقراطي

خلال فترة الحوارات المتوالية التي كان يعقدها نائب الرئيس عمر سليمان مع المتظاهرين، يعود بشارة لمواقف الدول الغربية والعربية من ثورة 25 يناير، إلا أن أكثر ما يميز المواقف الدولية التي يوثقها، موقف السعودية والإمارات من المتظاهرين في الميادين المصرية، وتحولهما "إلى الفعل الناشط لإحباط المد الثوري، ومنع نشوء أنظمة ديمقراطية في المنطقة، وتجنّد معهما ما بني بأموالهما من شبكات إعلامية وسياسية وثقافية يصعب حصرها"، وهو ما حصل لاحقًا إن كان من دعم لقائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي، أو حتى إقليميًا، وهو ما لوحظ من تغطية وسائل الإعلام الممولة من قبلهما للانقلاب الفاشل في تركيا، أو تقارير الصحف الغربية التي تتحدث عن دعم جوي إماراتي لميليشيا خليفة حفتر في ليبيا.

ويمضي بشارة في الفصل الرابع من البحث في الحديث بشكل أكثر تفصيلًا عن "يوميات الثورة المصرية في المحافظات خلافًا للانقلاب... لم تقتصر الثورة على القاهرة"، ويوضح في بدايته قائلًا: "جرت التطورات الرئيسة في القاهرة، إلا أن الحوادث التي جرت في السويس، في أول أيام الثورة، أثرت في مجرياتها التالية؛ إذ كانت الإسكندرية شريكًا للقاهرة في الثورة، ولا يمكن تخيل صمود ميدان التحرير من دون الأخبار الواردة من الإسكندرية وباقي المحافظات".

ويسرد ما عاصرته مدن (المحلة الكبرى، السويس، الإسكندرية، وأسوان) خلال أيام ثورة 25 يناير، ودورها في قلب موازين القوى لصالح الشارع على حساب نظام الحكم الذي ثار ضده الشعب، ودائمًا بالاستناد إلى شهادات نشطاء كان لهم دور بارز في الحراك الشعبي، دون أن يغفل أثناء نقله للاقتباسات الإشارة لتاريخ المدن مع الاحتجاجات، أي أنه يقدم إلى جانب توثيق مشهد الحراك الشعبي في الثورة لمحة تاريخية عن واقع الاحتجاجات الشعبية في المدينة. 

عزمي بشارة في كتابه "ثورة مصر": الانتماء إلى الوطن والمواطنة من مكونات ثقافة 25 يناير

وعلى سبيل المثال نقرأ في القسم المخصص للحديث عن مدينة "السويس" استرجاعه للتظاهرات التي خرجت إبان "انتفاضة الأقصى" سنة 2000، إذ يقول حولها "انطلقت هذه التظاهرة في وقت كان الخروج الجماهيري إلى الشارع تعبيرًا عن الرأي أمرًا صعبًا واستثنائيًا. لم تُدِن هتافات ذلك اليوم الاحتلال الصهيوني وحده، بل اتهمت نظام مبارك بالعمالة لإسرائيل أيضًا".

اقرأ/ي أيضًا: "الطبقات والتراصف الطبقي" بحسب روزماري كرومبتون

وضمّن بشارة الفصل الأخير من بحثه "عن شباب الثورة: أرقام ذات مغزى" أسماء 333 ناشطًا شاركوا في التحضير لثورة يناير، وبرز عملهم التنظيمي خلالها، تم توزيعهم على جداول حدد فيها (الاسم، الانتماء السياسي، المحافظة، الوظيفة، والمؤهل العلمي).

وحول هذه الأسماء يوضح بشارة قائلًا: "لدينا أسباب كافية للاعتقاد أن القائمة تمثل عينة (كبيرة نسبيًا) من الشباب القياديين في ثورة 25 يناير الذين شكلوا نواتها الأساس. وتبيّن منها أن أغلب هؤلاء الشباب حصلوا على تعليم أكاديمي أو كانوا طلابًا جامعيين في أثناء الثورة، وينتمي معظمهم إلى الطبقة الوسطى وغالبًا إلى فئات مؤهلة مهنيًا".

وينوه بشارة في مطرح آخر من الفصل قائلًا: "لم نذكر انتماءات الثوار الدينية والمذهبية، فهم لا يوزعون أنفسهم بحسب انتمائهم الديني، فقد كانت الهوية المصرية هي الغالبة، والانتماء إلى الوطن والمواطنة من مكونات ثقافة 25 يناير".

اقرأ/ي أيضًا:

إعلام إسرائيل الحاقد على عزمي بشارة

المركز العربي يقارب الذكرى المئوية للحرب العالمية